اخر الأخبار

2‏/4‏/2012

بحث عن شارلمان

بسم الله الرحمن الرحيم
سأقدم الان بحث عن شارلمان واليكم التفاصيل

ولد شارلمان عام ٧٤٢ م وخلف أباه ( يبين ) على عرش فرنسا عام ٧٦٨ م وتوج أمبراطوراً على الغرب عام ٨٠٠ م وتوفي ٨١٥
فأن شارلمان من البرابرة ولد وسط القبائل غير المتدنة ، إلا أن قبيلته وهي الفرنك ( أصل جيل الفرنسيس ) كانت قد أخذت عن الاكليروس شدواً من المعارف القديمة ، فأعجب شارلمان يومئذ بما نسميه اليوم بالتمدن وكلفت نفسه وران على قلبه ، بيد أنه كان يدعوه بغير ما ندعوه به نحن الأن ، مع أن حبه إياه وأسبابه متماثلة في العهدين ، وإنما كانت المدينة في العصر الخالي الديانة المسيحية ، فمن أجل هذه الأسباب كلها أصبح شارلمان مسيحياً كثير التدين شديد الغيرة وأراد نشر أعلام الدين المسيحي في جاهلية شعوب أوربا الذين كانوا متسكعين في حنادس الوثنية والهمجية . وكانت فرنسا ذات أقوام منقسمين إلى أحزاب مختلفة لا دأب لهم ولا هم إلا الحروب الأهلية ، فكان سكان ولاياتها الشرقية المدعوة " أوسترازي " وهي الأن مملكة بلجكيا وشامبانيا والازاس واللورين وولاياتبروسيا الرينيه - في نزاع مع سكان ولاياتها الغربية الجنوبية " غربي فرنسا وجنوبها هو شمالي نهر اللوار " المدعوة " نوستري " وكان هذان القسمان المذكوران ، على ما بينهما من التعادي والقتال الداخلي ، يتفقان يداً واحدة على محاربة من عداهم من سكان باقي أقاليم فرنسا في جنوبي نهر اللوار وما يقال له " أكيتان " وكانت هذه المملكة مع ما هي فيه من محن الاختلافات الداخلية ، عرضة لتهديدات جيل السكسون من جهة الشمال والشرق ، وجيوش أسبانيا أو الأندلس من جهة الجنوب .
وهكذا كانت حالة جيل " الفرنك " الفرنسيس في " غاليا " خالين عن قائد أو رئيس ذي سطوة وحول ومهابة يدعوهم ويقودهم لمقاومة غارات الأعداء الخارجين ، ويعني في محو الإحن والذحول الداخلية استبقاء لذكرى الفرنك ومجدهم ومنعاً للعدوات ، ودراءاً للغزوات العمومية المتقادمة العهد ، فيسلم الدين المسيحي في اوروبا . وكان قبل تملك شارلمان بخمس وأربعين سنة قد شرع جده شارل مرتل وأبوه ببين القصير في هذه الأعمال الخطيرة ، فأتى شارلمان بعدهما وأكمل مشروعهما بعد أن وسع نطاقه وزاده بسطة .
لا ندري ما إذا كان من الممكن أن ندعو شارلمان قائداً عظيماً إذ في ذاك العهد لم يكن من فنون حربية عند الفرنك وإنما منتهى معرفة الحرب وشهرة القائد كانت مقصورة على أن يحمل سيفه وفاسه أمام جنوده ويقودهم إلى مسافة أبعد من البلدان التي فتحها غيره ، كما فعل شارل مرتل و ببين القصير . فشب شارلمان على تعاليم جده وأبيه وماثلهما في الشجاعة والغزوات ، بل أتى أعمالاً تفضل اعمالهما ، فإنه أدار في مدة خمسين سنة قواته العديدة وقاد جيوشه القاهرة شأن مدرب حازم حكيم متوفر على توسيع نطاق الدين والتمدن . إذ جمع بين يديه القويتين قلوب أهالي غاليا بأجنادها أي اقسامها الثلاثة المار ذكرها وهي أوسترازي ونوستري واكيتان ثم طرد السكسون في الشمال إلى حدود بلادهم ، ثم تتبعهم إلى مواطن قبائلهم ، وما زال يغزوهم حتى حملهم على أن يدينوا بالدين المسيحي إذ لم يستطع بدون ذلك سبيلاً إلى مصالحتهم وإلجائهم إلى مصافاته ونزع السلاح من أيديهم .
ومن ثم فقد تبين أن شارلمان هو الذي مدن المانيا الحالية ونظمها في عداد ممالك أوروبا ، ثم قاتل عرب الأندلس وردعهم عن حدود غاليا وجدٌ في أثرهم إلى ضفاف نهر " إبر " وهناك وقف وقفة حكيم بالغ الحكمة جاعلاً النهر المذكور حداً فاصلاً بين مملكته وأملاك فاتحي الأندلس .
ثم أسس هذه المملكة العظيمة الواسعة وساسها سياسة خلت عن أن يزنه أحد فيها بشدة الطمع حالة كون أوروبا حينئذ ليس لها حدود طبيعية وليس فيها شعوب متمدنة . ولما كانت هذه المملكة الشاسعة الأطراف متناهية في العظمة بحيث يعجز عن إدارتها وتدبيرها خلفاؤه لضعف فيهم تفكك متلاحم أجزائها ،بيد أنها استمرت كلها جمعاء تدين بالديانة نفسها مستنة بالسنن والشرائع عينها باقية على نهج تمدنها بظرفه ،بمعنى أنها كانت بحادث انفصال أجزائها بعضها عن بعض قواماً لممالك أوروبا الحالية وقد كان شارلمان يدير بيد من حديد شؤون هذه المملكة العظمى غير لاه ولا متشاغل مع ذلك عن رعاية العدل والقوانين وحفظ الأمن والراحةوالطمأنينة والإنسانية . وقد توسل إلى كل ذلك طوراً بعقد الجمعيات الوطنية مرتين في السنة وتارة بقوة أهل الدين ( الاكليروس ) الذين كانوا عنده أقوى ذريعة إلى التمدن وكثيراً ما كان يتذرع بنوابه المعروفين عند المؤرخين باسم مرسلي الملك .
وقد بعثه تحققه الافتقار إلى الشرائع العادلة على تيقن أن آداب الشعوب لا تستصلح ولا تؤيد الشرائع إلا عن طريق التربية والتهذيب ، ولهذا أسس عدة مدارس في جميع أنحاء مملكته ، وهدى شعوبها إلى ما ضمنت من كنوز العلوم والمعارف لذلك العهد .
وبالجملة فإن هذا الرجل العظيم المزدان بصنوف المحامد والمزايا مع ما فيه من بعض النقائض المتولدة عن رقة قلبه كان يسكن وآله وبنيه في عدة قصور له وهي اشبه شئ ببيوت حقيرة للمزارعين ، سائراً في الرعية سيرة ملك لطيف بشوش عادل حكيم . وبالحق إنه فوق الفاتحين العاديين ، وكان ولم يزل أحسن مثال يحتذيه وأفضل قدوة يقتدي بها مؤسسو الممالك ومدبروها ، يحب رعيته ، ورعيتهُ تحبه لوفرة اهتمامه في جلب الخير وايصال النفع إليهم . ولا جرم إنه أحسن معاملتهم ورفق بهم رفقاً لم يضارعه أحد ممن ملكوا وساسوا ممالك الدنيا وأممها حتى اليوم .
وبعد إذ رأينا الإسكندر المقدوني وقيصر متهالكين في حب تغيير أحوال المسكونة استظهاراً بقوة السيف والنار إذلالاً بعزهما ومجدهما ، لا توخياً لاسعاد العباد والبلوغ بشعوب الأرض إلى الفلاح ، كنا ولا شك فرحين مبتهجين برؤيتنا شارلمان رجلاً عظيماً تتباهى به البشرية على ما أوتي من اللطف والحلم والمهابة وجلالة القدر وما أمتاز به من الإكباب على الدراسة والاجتهاد التماساً لأسباب سعادة شعوب امبراطوريته . ولم تمتحنه العناية الإلهية إلا بكارثة واحدة في أخر أيامه وهي تخوفه من خروج قبائل " النورمان " غازين بعد مماته ، لأنه كان عالماً بضعف شأن ابنه وولي عهده الوحيد . وإنما ابتلاه الله بهذا الكرب أخر عمره ليرينا أباطيل هذا العالم وغرور هذه الحياة الدنيا وزائل مجدها ، فنوقن أبداً أن لا سعادة حقيقية تامة في هذه الدار الفانية إن خاطبوها أجدر خلق الله وأعظمهم استحقاقاً لها

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق