اخر الأخبار

8‏/10‏/2012

محمد أمين الحسينى - بحث شامل عن الحاج محمد أمين الحسينى

بسم الله الرحمن الرحيم
سأقدم الان بحث عن محمد أمين الحسينى واليكم التفاصيل
تابعوا معى

أكثر العلماء في العصر الحديث كانوا عن السياسة بمعزل، بل بعضهم لعن فعل ساس ويسوس واستعاذ منهما وبرئ من تبعاتهما فصار في معزل عن آمال الجماهير وآلامهم ، لكن الشيخ محمد أمين الحسيني كان -على علمه وفضله- رأس ساسة فلسطين، ومن السياسيين الكبار المعدودين في عهده.
ولد -رحمه الله تعالى- في القدس سنة 1315/1897 في أحوال صعبة، والأمة الإسلامية قد بلغت درجة مؤسفة من الضعف والهوان على الله وعلى الناس، وكانت أسرته أسرة علم وفضل تنتسب إلى بيت النبوة الطاهر، ووالده طاهر الحسيني كان مفتياً للقدس ونقيباً للأشراف وتوفي سنة 1326/1908، وتلقى الشيخ محمد القرآن وعلوم الدين والعربية على أبيه وعلى آخرين جاء بهم والده إلى بيته لتعليمه، ودرس في الكتّاب أيضاً، وحفظ القرآن وهو في العاشرة، ثم أرسله والده إلى مدارس القدس الابتدائية ثم الثانوية -ولم يكن آنذاك نظام الإعدادية المتوسطة قائماً- ثم أدخله مدرسة "الفرير" لتعلم الفرنسية، ثم أرسله والده للأزهر فدرس فيه وفي كلية الآداب في الجامعة المصرية، ودرس أيضاً في مدرسة الأستاذ محمد رشيد رضا "دار الدعوة والإرشاد".
دراسته في الكلية العسكرية في اسطنبول:
عاد إلى القدس في إجازة سنة 1332/1914 فعَلِق هناك لقيام الحرب العالمية الأولى فلم يعد يستطيع العودة، سافر إلى اسطنبول ليكمل دراسته لكنه آثر أن يدرس العسكريةففعل وتخرج في الكلية العسكرية ضابطاً ليكون أحد العلماء القلائل جداً الجامعين بين الدراسة العسكرية والدينية في العصر الحديث، وقد تنقل في عدة مراكزَ عسكرية في الدولة العثمانية، ثم ترك العسكرية في نهاية الحرب العالمية الأولى بعد اكتسابه خبرة جيدة ساعدته بعد ذلك في العمل العسكري والسياسي.
وجاءت شهرته بالحاج لذهابه إلى الحج مع والدته سنة 1331/1913 في وقت عَزّ فيه حج العلماء والمشايخ فاشتهر بالحاج ولصق به اللقب طوال حياته.
أعماله ومناصبه ووظائفه:
كان الشيخ محمد أمين الحسيني مِلء السمع والبصر في فلسطين وغيرها، وله أعمال كثيرة جداً، وتولى الشيخ رحمه الله تعالى عدة مناصب ووظائف، سأسردها هاهنا قبل ذكر تفاصيل عمله حتى يكون ذلك معيناً للقارئين على فهم تلك التفاصيل.
ـ تأسيس ورئاسة "النادي العربي"، وهو أول منظمة سياسية في فلسطين، وكان من مبادئه العمل على استقلال البلاد العربية والعمل على اتحادها، وكان الحاج أمين يؤمن بسوريا الكبرى وفلسطين جزء منها.
ـ عمل مدرساً بمدرسة روضة المعارف الوطنية، وكانت المدرسة تموج بالحركة القومية والإسلامية، ودرّس في المدرسة الرشيدية في القدس.
ـ رأس أول مجلس للشؤون الإسلامية والأوقاف والمحاكم الشرعية وهو "المجلس الإسلامي الأعلى لفلسطين" سنة 1340/1922.
ـ تولى منصب مفتي القدس بعد أخيه الحاج كامل الحسيني.
ـ أعاد تنظيم 18 محكمة شرعية في فلسطين.
ـ تولى ولاية الأوقاف الإسلامية في فلسطين بعد أن انتزعها من اليهودي الانجليزي بنتويش.
ـ أسس عدة مدارس إسلامية في فلسطين.
ـ أسس الكلية الإسلامية سنة 1342/1924 في القدس.
ـ تولى رئاسة لجنة ترميم المسجد الأقصى وقبة الصخرة.
ـ تولى رئاسة المؤتمر الإسلامي العام الذي ابتدأ سنة 1350/1931 في القدس، ثم تكرر انعقاده في مكة وبغداد وكراتشي وغيرها.
ـ كون جمعية "الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر" في فلسطين للإصلاح ومقاومة شراء اليهود للأراضي.
ـ تأسيس ورئاسة "اللجنة العربية العليا" في فلسطين.
ـ الإشراف على إنشاء "جيش الجهاد المقدس" سنة 1354/1935 بقيادة الشهيد بإذن الله تعالى عبدالقادر الحسيني.
ـ المشاركة في ثورة رشيد عالي الكيلاني في العراق ضد الانجليز سنة 1360/1941.
ـ إنشاء مكاتب للحركة العربية والقضية الفلسطينية في برلين وروما وغيرهما في أوروبا بعد الحرب العالمية الثانية.
ـ رئاسة "الهيئة العربية العليا لفلسطين" التي كُونت بقرار من جامعة الدول العربية سنة 1365/1946.
ـ رئاسة وفد فلسطين في مؤتمر باندونج بإندونيسيا بصفة مراقب سنة 1374/1955.
ـ رئاسة المؤتمر الوطني الفلسطيني الذي أعلن حكومة عموم فلسطين ووضع دستورها وبرنامج الحكومة سنة 1367/1948.
وغير ذلك من الأعمال والمناصب والوظائف التي تدل على همة الرجل العالية، وعمله الدائب من أجل قضية فلسطين وغيرها من بعض قضايا المسلمين الأخرى.
جهاد الحاج أمين الحسيني من أجل فلسطين :
لم يأل الحاج أمين الحسيني جهداً في سبيل إنقاذ فلسطين، وسافر من أجلها إلى سوريا وتركيا وأفغانستان وألمانيا وإيطاليا ومصر، وبدأ حياته العملية في فلسطين مدرساً ببعض مدارسها، ثم شارك في الأعمال الجهادية وفي المظاهرات التي قامت سنة 1339/1920 وقد اضطربت الأوضاع بسبب تحرش اليهود بالفلسطينيين، وقتل فيها بعض المسلمين واليهود، فاتهم اليهود الحاج أمين بأنه كان المحرض لأهالي القدس فحاولوا اغتياله فنجا، وحكم عليه الانجليز بالسجن واقتادوه إليه، وفي الطريق هجم على الجنود بعض الشباب وخلصوا الحاج من بين أيديهم، فهرب عبر البحر الميت إلى الكَرَك -في الأردن اليوم- ومنها إلى دمشق ليكون بجوار فيصل بن الحسين الذي كان ملكاً على سورية، فحكم عليه الانجليز غيابياً بخمس عشرة سنة سجناً، وعندما حلت الإدارة المدنية مكان الإدارة العسكرية في فلسطين عفت عنه بضغط الفلسطينيين وعاد إلى القدس.
ثم عين مفتياً للقدس في السنة التي تلت المظاهرات فعمل على تحسين أحوال أهالي فلسطين الاقتصادية والتعليمية، ورعى الأوقاف الإسلامية.
ـ وأسس مكتبة المسجد الأقصى التي حوت آلاف الكتب.
ـ وفي سنة 1340/1922 انتخب رئيساً لـ "المجلس الإسلامي الأعلى" في فلسطين، وكان هذا المجلس قد أسسه المسلمون ليتولوا بأنفسهم إدارة أوقافهم ومساجدهم، وعد الإنجليز تأسيس هذا المجلس إنشاء لحكومة ثالثة في فلسطين بجوار الحكومة البريطانية والعصابات اليهودية.
وبعد انتخاب الحسيني رئيساً للمجلس بزغ نجمه، وعده الفلسطينيون رئيساً "روحياً" لهم، وبسبب ذلك نازعه الحُسّاد منصبه، وشكوه إلى الحاكم البريطاني مراراً، وجمعوا آلاف التواقيع ضده ورفعوها إلى الحاكم البريطاني!! وهذا يُظهر بجلاء أن المشكلة الدائمة هي اختلاف المسلمين فيما بينهم، وأن هذا الاختلاف هو الممكّن للأعداء من رقاب المسلمين لكن قومي لا يتعظون!!
ـ وأسس كلية إسلامية في ساحة المسجد الأقصى المبارك لتهيئة الطلاب للعمل في المراكز الدينية في المساجد والقضاء وغير ذلك.
ـ وفي سنة 1343/1925 أسس فرقاً كشفية كانت عسكرية في تدريبها وتشكيلها لكنها كشفية في ملابسها وزيها، وهذا من أجل الإعداد للجهاد.
ـ وفي سنة 1347/1929 بعد أحداث حائط البراق أسس جمعية "حماية البراق الشريف" لتقوم في وجه اليهود الذين أسسوا جمعية "أنصار حائط المبكى"، ونقل مكان سكنه من خارج القدس إلى بيت يشرف على الحائط مباشرة ليراقب الوضع هنالك.
وأسس أيضاً منظمة "الكف الأخضر" العسكرية التي تقف في وجه اليهود وتحمي المقدسات، وتقتل العملاء الخونة.
وفي سنة 1350/1931 دعا الحاج أمين الحسيني زعماء العرب والمسلمين إلى عقد مؤتمر عام في القدس للدفاع عن قضية فلسطين، فلُبيت دعوته وحضر زعماء وقادة وعلماء من الدول العربية ومن أفغانستان وإيران والهند والملايو ونيجيريا وغيرها، وانتخب الحاج أمين رئيساً لذلك المؤتمر، وبهذا يكون الحاج محمد أمين الحسيني قد نقل القضية الفلسطينية من المحلية إلى العالمية، ووجه المؤتمر بعقبات عديدة من حُسّاد الداخل وجُهّال الخارج لكن الحاج الحسيني تمكن من تذليل تلك العقبات، وعقد المؤتمر سبع عشرة جلسة في عشرة أيام وتمخض عن قرارات مهمة لكن ريا السياسة العالمية والإسلامية غير المواتية عطلت تلك القرارات.
وفي عام 1355/1936 حصل الإضراب العظيم في فلسطين، فاجتمع ممثلو الأحزاب السياسية في فلسطين وقرروا تأسيس "اللجنة العربية العليا" لفلسطين برئاسة الحاج أمين الحسيني، فاجتمع له بذلك القيادة الدينية والسياسية برئاسة هذه اللجنة ورئاسة المجلس الإسلامي الأعلى، وهذا لم يتيسر لعالم في العصر الحديث، فيما أعلم، إلا لقلة قليلة جداً منهم عثمان بن فودي في نيجيريا والسنوسي في ليبيا وعبدالكريم الخطابي في الريف المغربي.
وصار الحاج أمين بذلك رئيساً للفلسطينيين بلا منازع.
وألّف الحاج أمين عدة لجان سرية لشراء السلاح من فلسطين وخارجها، وأقام مراكز للتدريب على السلاح وحرب العصابات على يد الضباط العرب المتقاعدين من الجيش العثماني السابق.
وأصدر فتوى بعدم دفن من يبيع أرضه لليهود في مقابر المسلمين، وأنه خارج عن الإسلام.
ورفضت اللجنة العربية العليا برئاسة الحاج أمين الوعد بقرار التقسيم الصادر سنة 1937 فرأى الإنجليز في الحاج أكبر عقبة أمامهم.
ولما عَظُم نشاط الحاج أمين وظهرت نيته في جهاد اليهود والإنجليز ضيق عليه الانجليز، خاصة بعد اغتيال حاكم لواء الجليل آندروز بيد المجاهدين سنة 1356/1937، فأراد الإنجليز اعتقاله ففر إلى لبنان.
وفي لبنان ضيق عليه الفرنسيون وحددوا إقامته في بلدة سكانها نصارى وهي جونية ليحدوا من نشاطه، وكان ذلك قُبيل الحرب العالمية الثانية.
وبعد أن مكث سنتين في لبنان فرّ إلى العراق فأسس فيه "حزب الأمة العربية" برئاسته وكان حزباً سرياً انضم إليه رشيد عالي الكيلاني صاحب الثورة المشهورة سنة 1360/1941 ضد الإنكليز في العراق، وغيره من العسكريين، وطلب المفتي من السلطات العراقية تدريب الفلسطينيين الموجودين في العراق تدريباً عسكرياً فوافقته، وأصلح بين فريق نوري السعيد وفريق رشيد عالي الكيلاني فقد كان الأول يرى التعاون مع الإنجليز بينما كان رشيد ثائراً ضدهم، واستطاع أن يحسن العلاقات بين السعودية والعراق، وكل ذلك أثار عليه حقد الإنجليز وغضبهم، فحاولوا اعتقاله فهرب إلى إيران.
فلما احتلت روسيا وبريطانيا طهران استطاع الهرب إلى إيطاليا عبر تركيا، ومنها إلى ألمانيا فحلّ ضيفاً على الحكومة الألمانية، وحاول استمالة الألمان والطليان إلى مطالب الدول العربية والاعتراف باستقلال الواقع منها تحت الاحتلال البريطاني، وحاول مع الألمان أن يعملوا على القضاء على الوجود اليهودي في فلسطين، وحصل من ألمانيا وإيطاليا على تعهد رسمي بذلك لكن كانت تلك مناورات سياسية من قبل ألمانيا لم تُعطِ مقابلها شيئاً حقيقياً للحاج أمين ومَن وراءه، والدليل على ذلك أنها رفضت طلباً منه بإيقاف هجرة اليهود الألمان إلى فلسطين.
قابل الحاج أمين هتلر في سنة 10/11/1360-28/11/1941، وطلب منه المساعدة في القضاء على الصهاينة، فأخبره هتلر أن هدفه هو القضاء على الشيوعيين واليهود، وأن هذا سيوئد المشروع الصهيوني، وطلب منه الاعتراف باستقلال البلاد العربية لكن هتلر لم يفعل بحجة أن الوقت ليس مناسباً لمثل هذا الإعلان.
وأنشأ في ألمانيا إدارة سميت "مكتب المفتي" وكان لها نشاط جيد ضد اليهود والإنجليز.
ولما هزمت ألمانيا في الحرب قبض عليه الفرنسيون وحددوا إقامته في فرنسا لكنه هرب إلى القاهرة التي استضافته رغم أنف الإنجليز الذين اعترضوا على قرار الحكومة المصرية، وكان قرار الاستضافة ناشئاً من ضغط من الإخوان المسلمين وعلى رأسهم الإمام البنا وغيرهم من القوى الإسلامية والوطنية.
وفي مصر ألف الحاج أمين "الهيئة العربية العليا لفلسطين" برئاسته، ونظم الحركة الوطنية الفلسطينية، وألف لجنة من قادة المجاهدين الفلسطينيين وغيرهم لإنقاذ فلسطين من قرار التقسيم الذي كان صدوره متوقعاً آنذاك، وأعاد تنظيم جيش الجهاد المقدس وأسند قيادته إلى الشهيد بإذن الله عبدالقادر الحسيني، وأنشأ منظمة الشباب الفلسطيني التي ضمت فرق الجوالة والكشافة والفتوة وأسند قيادتها للصاغ محمود لبيب أحد الإخوان المسلمين المصريين المجاهدين، وكلفه بتدريب الشباب على القتال، وساعده الإخوان في مصر بالسلاح والمال والرجال، وكان الأستاذ البنا قد أرسل وفداً إلى فلسطين سنة 1354/1935، فصلته -إذن- بالمفتي قديمة.
وفي سنة 1367/1948 بعد الهزيمة ضيق عليه في مصر تحت ضغط الإنكليز لكنه تمكن من الخروج منها، وعقد الحاج أمين الحسيني في غزة في 1/12/1948 مؤتمراً فلسطينياً كبيراً سُمي "المجلس الوطني الفلسطيني" انتخب الحاج فيه رئيساً له، وأعلن هذا المؤتمر استقلال فلسطين ووضع دستوراً لها، وشكل لها وزارة دعيت بحكومة عموم فلسطين برئاسة أحمد عبدالباقي لكن المؤامرات على هذه الحكومة أرغمتها على الانتقال إلى مصر، وحُرمت "الهيئة العربية العليا" من العمل والنشاط وأغلقت في وجهها الصحف والإذاعات، ونقلت القضية الفلسطينية من يدها إلى يد الجامعة العربية.
ولما قامت ثورة يوليو استبشر بها المفتي حيث إن بعض ضباطها ساعدوه في أيام نكبة فلسطين في تهريب الأسلحة، لكن هيهات للناصريين أن يستقيم أمرهم مع رجل إسلامي مجاهد كالحاج أمين الحسيني، فاضطر لمغادرة مصر سنة 1378/1959 إثر مؤامرات على "الهيئة العربية العليا" ورجالها وتشويه إعلامي لأعمالهم، وذلك عقب الإعلان عن قبول الجمهورية العربية المتحدة برئاسة عبدالناصر لمشروع أمين عام هيئة الأمم المتحدة هامر شولد القاضي بتعويض الدول العربية التي فيها فلسطينيون وتصفية القضية الفلسطينية بما يسمى بالحل السلمي، ففرّ الحاج من القاهرة إلى بيروت حيث ساهم في إفشال المشروع هنالك، فكان لابد من إنشاء قيادة بديلة للشعب الفلسطيني تكون خاضعة لمصر وتوجهاتها، وتكون قابلة للاحتواء والتدجين.
فاختارت الناصرية قيادة علمانية لفلسطين سنة 1383/1963-1964، ونحّت عمداً الحاج محمد أمين الحسيني الذي لا يستقيم تصوره الإسلامي مع تُرّهات الناصريين آنذاك وتلاعبهم بمصير القضية الفلسطينية، وأُنشئت فتح التي حادت عن مسارها وساهمت بقوة في كل النكبات التي نزلت بفلسطين بعد ذلك بسبب بعدها عن منهج الله تعالى وارتمائها في أحضان الشرق ثم الغرب وتضييعها الجهاد.
وفي بيروت أصيب بأزمة قلبية لما سمع بنكبة سنة 1387/1967؛ إذ عَزّ عليه أن تُساق الجنود إلى هزيمة مذلة بدون تخطيط ولا تنسيق، وقد كتب الله له السلامة من هذا المرض فبقي على جهاده وحماسه حتى رأى انتصار رمضان سنة 1393/1973.
وأصدر في بيروت مجلة "فلسطين" الشهرية.
وظل في بيروت إلى وفاته، فلما مات قالت عنه بعض الصحف البريطانية: "مات عدو الصهيونية والإمبراطورية البريطانية".
ـ من مواقف الحاج محمد أمين الحسيني:
من مواقفه وهو طفل أن هرتزل رئيس الحركة الصهيونية العالمية أراد أن يؤسس مُغتصبة "مستوطنة" قرب قرية فالونيا، وهي التي كان يتعلم بها الحاج أمين في طفولته، وغرس هرتزل شجرة لهذه المغتصبة فذهب الحاج وأصدقاؤه فقطعوا هذه الشجرة، وهذا منه في طفولته دال على استعداد فطري للمقاومة والجهاد.
ـ ومن مواقفه أنه جمع 3000 متطوع من القدس والخليل وسافر معهم إلى الأردن للانضمام إلى جيش فيصل بن الحسين الذي كان في العقبة يتأهب للدخول إلى دمشق وإعلان الحكومة العربية فيها بعد زوال الحكم العثماني عنها في نهايات الحرب العالمية الأولى سنة 1918، وكان الحاج أمين يحارب مع فيصل بن الحسين.
ـ وفي سنة 1343/1925 قامت مظاهرات في سوريا ضد الفرنسيين فقابلوا هذا بالعنف -على عاداتهم في الهَوَج والشدة- وضربوا دمشق بالمدفعية، ورموا عليها القنابل بالطائرات، فأرسل الحاج مئات البرقيات إلى زعماء العالم الإسلامي مبنياً صنيع الفرنسيين ومشتداً عليهم، وأسس "اللجنة المركزية الفلسطينية لإغاثة السوريين المتضررين"، وأوصل المساعدات من أنحاء العالم إلى الثوار السوريين، وقال الأستاذ نويهض في هذا "رأيت وسط الثوار مسلمين مقاتلين من السنغال انضموا إلى إخوانهم بتشجيع من المفتي الحاج أمين الحسيني عندما كان في مكة للمشاركة في المؤتمر الإسلامي سنة 1926".
ـ ومن مواقفه المضيئة أنه أثناء وجوده في ألمانيا سمع بالمآسي التي حَلّت بالبوسنويين عندما تآمر عليهم الصرب والكروات فاتفق مع الألمان على تجنيد الشباب البوسنويين وتسليحهم للدفاع عن أنفسهم، واتفق مع الألمان على إنشاء معهد للأئمة ليرعى المتخرجون منه شؤون العسكريين البوسنيين الذين بلغ عددهم مائة ألف مقاتل، وكذلك أنشأ معهداً آخر في درسدن بألمانيا لتخريج الأئمة الأذربيجانيين وغيرهم من القوقاز، وبذلك استطاع بفضل الله عليه أن يحمي الوجود الإسلامي في البلقان وشرق أوروبا من المجازر المتوقعة في الحرب العالمية الثانية.
وهذه المواقف الثلاثة السابقة توضح بجلاء أن الحاج أمين الحسيني لم يكن لفلسطين فقط بل كان أينما حَلّ مدافعاً عن قضايا المسلمين، عاملاً على إنقاذهم من أعدائهم، وهكذا ينبغي للزعيم السياسي المسلم أن يكون مهتماً بقضيته الكبرى ولا ينسى القضايا الإسلامية الأخرى.
ـ ومن مواقفه المهمة أنه اشترى الأراضي التي كانت مهددة بالتسرب إلى يد اليهود، اشتراها بوساطة المجلس الإسلامي الأعلى الذي كان يرأسه، وأرسل الوعاظ إلى الناس ليبينوا لهم حرمة بيع الأراضي لليهود أو لسماسرة اليهود وتكفير من يصنع ذلك، وعدم دفنه في مدافن المسلمين، وحث الفلاحين على التمسك بأراضيهم، وهذا الموقف ساهم بقوة في منع كثير من الفلسطينيين من بيع أراضيهم لليهود أو لسماسرة اليهود.
وفاته:
توفي الحاج أمين الحسيني في بيروت سنة 1394/1974، وقد بقي على حماسه إلى وفاته رحمه الله تعالى فقد قال الأستاذ الفاضل عبدالله العقيل:
"زرته في أواخر أيامه في بيروت مع بعض الإخوة الكويتيين والسوريين والمصريين فوجدت هذا الشيخ المهيب والكهل الوقور يتوقد حماساً يفوق حماس الشباب، ويعرض الأمور ويحلل الأحداث بعين الناقد البصير والسياسي المحنك، الخبير المجرب، وكانت وصيته ألا نقطع الأمل، وأن نبقى على العهد في مواصلة الجهاد".

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق