اخر الأخبار

2‏/5‏/2012

بحث شامل ومفصل عن سوريا

بسم الله الرحمن الرحيم
سأقدم الان بحث شامل ومفصل عن سوريا واليكم التفاصيل

سوريا، تاريخ. سوريا دولة عربية تقع في الجناح العربي الآسيوي، في غربي قارة آسيا، تُعدّ جزءًا من بلاد الشام التي تشمل فلسطين وشرق الأردن ولبنان، وهي ذات موقع إستراتيجي، إذ تحيط بها تركيا من الشمال، والعراق من الشرق وفلسطين من الجنوب، ومن الغرب البحر المتوسط، ومن الجنوب الشرقي الأردن، ومن الجنوب الغربي لبنان. يبلغ عدد سكانها حوالي ثلاثة عشر مليونًا، ومساحتها 18,5180كم²، وعاصمتها دمشق، ونظام الحكم فيها جمهوري وتسمى الجمهورية العربية السورية، وعملتها الليرة السورية.



تاريخ سوريا القديم
خضعت سوريا قديمًا للسومريين والأكاديين والحيثيين (2300ق.م)، وسيطر عليها البابليون 1728- 1685ق.م، وذلك في عهد حمورابي المشرع القانوني، وخضعت كذلك للفراعنة في عهد الأسرة الثامنة عشرة بقيادة تحتمس الثالث (1490-1436ق.م)، وفي عهد أمنحوتب الثاني (1438-1412ق.م)، وفي عهد أمنحوتب الرابع 1366-1349ق.م. وأسس الحوريون والميتانيون المملكة الحورية الميتانية التي سيطرت على سوريا 1500-1330ق.م، ثم سيطر الكلدانيون في عهد نبوخذ نصر 604- 562ق.م، وسيطر الآشوريون على سوريا في عهد تجلات بلاسر 746-728ق.م. وأخيرًا سيطر الكلدانيون بقيادة نبوخذ نصر الثاني 597- 586ق.م. واستمرت هذه المملكة حتى الغزو الفارسي لها سنة 539ق.م.

تأسست حضارات في سوريا على أيدي هذه الشعوب، فأسس الكنعانيون المدن والممالك مثل مملكة عبلاء (ايبلاء)، ومملكة يمحاض في حلب، ومملكة أوغاريت قرب اللاذقية. كما أقام الفينيقيون مراكز تجارية ومستعمرات على ساحل البحر المتوسط، وبلغوا حتى قرطاج في تونس سنة 814ق.م. وقاموا بتصدير خشب الأرز والمنسوجات والزجاج والتوابل والعطور. وكان لحضارتهم تأثير في بلاد فارس، وأسهموا في بناء القوة البحرية الفارسية. وأسس الأموريون (العموريون) مدنًا مثل مدينة ماري في تل الحريري وهي عاصمتهم في الشمال. وكذلك أسس الآراميون مدنًا وممالك مهمة، وانتشرت لغتهم وأبجديتهم التي اعتمدوا فيها الأبجدية الفينيقية.



الفرس واليونان في سوريا. سيطر الفرس على سوريا في الفترة من 539 - 333 ق.م، وكونوا إمبراطورية كبيرة ونظمت تشريعات الدولة على نسق التنظيم الآشوري، وتأثرت بالفنين المصري والبابلي.

استطاع الإسكندر الأكبر المقدوني غزو فارس وإلحاق الهزيمة بها في معركة أبسوس 333ق.م ومعركة أربيل عام 331ق.م. وتمت له السيطرة على مصر والهند والعراق وكوَّن إمبراطورية واسعة، غير أنه توفي عام 323ق.م. وانقسمت إمبراطوريته بين قواده. فكانت سوريا من نصيب السلوقيين، ومصر من نصيب البطالمة. فقد أسس سلوقس الأول مملكة في سوريا خلال السنوات 312-264ق.م، وعرفت باسم السلالة الملكية السلوقية وأسس مدينة أنطاكية في سوريا وجعلها عاصمة لمملكته، وبنى مدنًا أخرى. وتعلم المثقفون السوريون اللغة اليونانية وانتشرت الحضارة اليونانية في سوريا لأنها كانت قوام الحكم السلوقي، في حين بقي سكان الريف محافظين على تقاليدهم ولغتهم الأصلية. وغزا البطالمة سوريا 340- 30ق.م، وظلت الحرب سجالاً بين البطالمة والسلوقيين، وكانت سوريا الضحية المتنقلة من أيدي هؤلاء وأولئك. وحاول الأنباط احتلال جنوبي سوريا (حوران وجبل العرب) سنة 85 ق.م. واستمر الحال بها حتى احتلها الرومان سنة 64ق.م.



الرومان والبيزنطيون. في عام 64ق.م. احتل القائد الروماني بومبي سوريا بعد هزيمة الملك السلوقي أنطيوخوس الثالث عشر، فانتقلت عندئذ سوريا بعد هزيمة الملك السلوقي إلى السيطرة الرومانية. وقد بسط الرومان سيطرتهم على دولة الأنباط. وأصبحت دولة الأنباط ولاية رومانية تخضع لنفوذهم عرفت باسم الولاية العربية الرومانية.

وفي عام 330م، أسس الإمبراطور الروماني قسطنطين مدينة بيزنطة (إسطنبول الحالية) وسمّاها القسطنطينية نسبة لاسمه. وفي عام 334م نقل إليها الدوائر الرسمية من روما وجعلها عاصمة للإمبراطورية الرومانية، وجعل النصرانية الديانة الرسمية فيها.

انقسمت هذه الإمبراطورية إلى قسمين بعد وفاة الإمبراطور ثيودوسيوس الأول سنة 395م، فورثه ولداه وتقاسما العرش مناصفة بينهما، فحصل هونوريوس على الشطر الغربي وعاصمته روما، بينما تولى أركاديوس الشطر الشرقي الذي عرف باسم الإمبراطورية الرومانية الشرقية (الإمبراطورية البيزنطية). وبقيت القسطنطينية عاصمة لها. وشملت هذه الإمبراطورية آسيا الصغرى والبلقان ومصر وسوريا. وانتعش في هذه الدولة الفن والأدب والموسيقى والعمارة.

تحالف البيزنطيون مع الغساسنة الذين أقاموا دولة لهم (491-518م)، بلغت أوجها خلال القرن السادس للميلاد، وكان من أشهر ملوكها الحارث الثاني بن جبلة (529-569م) وآخرهم جبلة بن الأيهم الذي قاتل خالد ابن الوليد مع الروم في معركة اليرموك ثم أسلم. وفي حوالي 613-614م، هاجم الفرس الساسانيون سوريا واحتلوا دمشق وبيت المقدس حتى استعادها القائد البيزنطي هرقل سنة 629م بعد جهد كبير.



الفتح العربي الإسلامي
بدأت أولى الحملات العربية الإسلامية لفتح بلاد الشام وتحريرها من الروم البيزنطيين في عهد الخليفة أبي بكر الصديق سنة 12هـ، 633م بجيش يقوده خالد بن الوليد، ويساعده عمرو بن العاص وشرحبيل بن حسنة ويزيد بن أبي سفيان. ففتح هذا الجيش بصرى الشام (درعا) سنة 13هـ، 634م، ثم سقطت دمشق بعد أن دخلها من الباب الشرقي حربًا، كما دخلها أبو عبيدة عامر بن الجراح من باب الجابية سلمًا في رجب عام 13هـ، 634م، ثم تولى القيادة أبو عبيدة بعد عزل خالد في عهد الخليفة عمر بن الخطاب، وتابع الفتوحات خلال السنتين 14هـ، 635م و15هـ، 636م وفيها حدثت معركة اليرموك الشهيرة التي قادها خالد بن الوليد وأنهى بانتصاره الوجود البيزنطي في بلاد الشام. وفي سنة 16هـ، 637م، استكمل فتح سوريا ودخلت في إطار الدولة الإسلامية في عصر الخلفاء الراشدين. ثم دخلت بعد ذلك في ظل الحكم الأموي الذي اتخذ من دمشق عاصمة للدولة الأموية. انظر: الفتوح الإسلامية.


الدولة الأموية. أسس الأمويون في سوريا دولة استمرت حوالي 91 عامًا، وجعل معاوية بن أبي سفيان من دمشق عاصمة لها منذ أن صار أول خليفة فيها سنة 41هـ، 661م. وشهد عهد الوليد بن عبد الملك بن مروان (86هـ، 705م) توسع الفتوحات في الغرب والشرق عندما فتح موسى بن نصير إفريقيا، وطارق بن زياد الأندلس، وقتيبة بن مسلم الباهلي بخارى وسمرقند وفرغانة سنة 94هـ، 712م، كما وصل إلى حدود الصين. وفتح محمد بن القاسم الثقفي جزءًا كبيرًا من الهند. وفي عهد هذا الخليفة شيد جامع بني أمية الكبير في دمشق، وشيدت قصورٌ أثَريّة منها قصر هشام بن عبد الملك في أريحا. وانتهى العهد الأموي في سوريا عندما سقطت دمشق في أيدي العباسيين سنة 132هـ ، 750م أيام آخر الخلفاء الأمويين مروان بن محمد (مروان الثاني).



الدولة العباسية والدويلات المستقلة. أسس العباسيون حكمهم بعد الإطاحة بالحكم الأموي في سوريا سنة 132هـ ، 750م في أعقاب احتلال القائد العباسي عبد الله بن علي دمشق أيام ابن أخيه الخليفة أبي العباس السفاح واستباحها ثلاث ساعات، وأعمل السيف بالأمويين، ونبش قبور خلفائهم وأحرق جثثهم، كما خرب قسمًا كبيرًا من سور المدينة.

اتصف العهد العباسي أيام الخليفة الرشيد (170 - 193هـ، 786 - 808م) بالترف والرخاء، وبلغت الدولة قمة مجدها في عهده، كما تميز عهد ولده المأمون بانتعاش حركات التأليف والترجمة وتشجيع العلوم والفنون، وازدهرت الحضارة العربية الإسلامية.

بقيت سوريا ولاية رئيسية طوال العهد العباسي وترك فيها تراثًا حضاريًا في مدينة الرقة التي شيدها أبو جعفر المنصور، كما شيد الرشيد حصن هرقلة، وبنى المأمون مدينة الرحبة وانتهى نفوذ الدولة العباسية في سوريا عندما احتلها الطولونيون سنة 264هـ ، 877م. واستمر حكم دولة أحمد بن طولون على سوريا حتى عام 292هـ، 905م عادت بعدها ديار الشام للنفوذ العباسي.

خضعت بلاد الشام لنفوذ الإخشيديين المصريين الذين بسطوا نفوذهم على بلاد الشام سنة 330هـ، 941م. وفي سنة 333هـ، 944م، احتل سيف الدولة الحمداني حلب وحمص ودمشق. وقامت بينه وبين إخشيد مصر وقائده كافور نزاعات وصدامات وحروب حتى اتفقوا في نهاية الأمر على أن تكون سوريا الشمالية من نصيب سيف الدولة بما في ذلك حمص وحلب التي أصبحت عاصمة للحمدانيين. أما باقي بلاد الشام فكانت من نصيب الإخشيديين الذين انتهى أمرهم في سوريا بعد قضاء الفاطميين عليهم في مصر سنة 358هـ، 969م. كما أنهى الفاطميون النفوذ الحمداني في سوريا سنة 393هـ، 1003م. وقد ازدهر الفكر والشعر والأدب في عهد الحمدانيين في سوريا، كما قاوم الحمدانيون الإمبراطورية البيزنطية وقاموا بعدة غزوات على أراضيها.



الفاطميون في سوريا. في عام 359هـ، 969م، احتل القائد الفاطمي جوهر الصقلي مدينة دمشق مؤقتًا حيث واجه مقاومة شديدة، وفي عام 360هـ، 971م، كان النفوذ الفاطمي منتشرًا في غالبية الأراضي السورية. ثم بدأ هذا النفوذ بالتراجع بعد سنة 435هـ، 1043م واستمر حتى ظهور صلاح الدين الأيوبي الذي خلع الخليفة العاضد آخر الخلفاء الفاطميين في مصر سنة 567هـ،1171م.

امتدت سيطرة الفاطميين على سوريا خلال السنوات (359-468هـ ، 969-1075م) ولم يتركوا من آثارهم العمرانية في مدينة دمشق إلا نزرًا يسيرًا كمحراب زاوية الرفاعي وصخرة الربوة التي نقشت فوقها كتابة كوفية تحمل اسم الخليفة الفاطمي المستنصر (444هـ، 1052م). وكذلك ضريح السيدة فاطمة بنت أحمد السبطي المتوفاة سنة 439هـ، 1047م. أما خارج مدينة دمشق فهناك عدد قليل من الآثار العمرانية في بصرى (درعا حاليًا) وصلخد والسلمية وغيرها.



السلاجقة والأتابكة والزنكيون. السلاجقة مسلمون جاءوا من وسط آسيا الوسطى ودخلوا سوريا قبيل عام 463هـ ، 1070م. وفي هذ التاريخ قام ألب أرسلان بغزو بلاد الشام وصارت حلب أولاً تحت نفوذه، ثم احتل السلاجقة بيت المقدس وفلسطين وحرروها من الفاطميين. وفي سنة 468هـ، 1075م، استولوا على دمشق. وتمكن تتش بن ألب أرسلان من أن يوطد سلطته في حلب خلال السنوات (488-507هـ،1095، 1113م). وتولى دقاق مدينة دمشق (488-497هـ ، 1095-1104م)، وخلالها حدثت حروب وصدامات عديدة بين الأخوين.

لم يشكل السلاجقة الأتراك في سوريا دولة بالمعنى المفهوم للدولة، بل كان حكمهم حكم ممالك منفردة ودويلات بعضها تحت النفوذ السلجوقي، وبعضها الآخر يتولاه السلاجقة أنفسهم أو قوادهم الأتابكة الذين عملوا على تقويض دعائم أسيادهم السلاجقة وأنهوا سلطانهم في بلاد الشام فيما بعد.

ترك العهد السلجوقي بصماته العمرانية الكبيرة في سوريا، خصوصًا في دمشق وحلب وبعض المدن السورية الأخرى. وقد أفل نجم السلاجقة عام 511هـ، 1117م حين استقل بالحكم قواد جيوشهم من الأتابكة واحدًا تلو الآخر، مما أدى إلى ظهور دويلات الأتابكة في سوريا. وتُعرف الدولة الأتابكية أحيانًا بالدولة الزنكية.

بدأ الأمراء الأتابكة يستقلون في مدنهم تدريجيًا حتى تم لهم اقتسام المملكة السلجوقية، وأقاموا على أنقاضها دولاً أشهرها دولة عماد الدين زنكي التي أسسها في مدينة الموصل سنة 521هـ، 1127م، ثم استولى على حلب سنة 522هـ ، 1128م وضمها إلى مملكته. ويعتبر عماد الدين أول من أنزل الضربة الأولى بجيوش الصليبيين عندما حرر مدينة الرها القريبة من بغداد سنة 539هـ، 1144م. كما استقل بعض أمراء المناطق من الأتابكة، فتشكلت دويلات أقل شأنًا من الدولة الزنكية. وعُرف من هذه الدويلات: الدولة الأرطقية التي حكمت شمالي سوريا (495- 811هـ، 1102-1408م) والدولة البورية التي حكمت دمشق خلال سنوات (497-549هـ، 1104- 1154م). وهي من بقايا سلالة آل طغتكين الأتابكية حتى استولى عليها نور الدين محمود بن زنكي الملقب بالشهيد.



الدولة النورية. تولى نور الدين محمود بن زنكي إمارة أبيه سنة 541هـ، 1146م، فجعل من حلب عاصمة لدولته التي عرفت باسم الدولة النورية نسبة إليه، وفي سنة 549هـ، 1154م، احتل دمشق. ثم استولى على جزء كبير من بلاد الشام عدا المناطق التي كان الصليبيون يسيطرون عليها. وفي سنة 559هـ، 1164م، استولى نور الدين على بعض أجزاء إمارة أنطاكية الصليبية. وتوفي نور الدين سنة 569هـ، 1174م وتولى ابنه الملك الصالح إسماعيل وعمره إحدى عشرة سنة، فبدأت بوادر الضعف بالدولة حتى برز إلى الوجود صلاح الدين الأيوبي، فوحد بلاد الشام ومصر في ظل الدولة الأيوبية.

كان نور الدين مولعًا بالعمران، وترك الكثير من الآثار العمرانية في دمشق وحلب وغيرهما من المدن السورية، ففي دمشق مثلاً أقام فوق كل باب من أبواب سورها مسجدًا ومئذنة لمراقبة العدو القادم إلى المدينة من مكان مرتفع، كما أقام خارج كل باب سوقًا صغيرة لتنشيط حركة التبادل التجاري وإعاقة العدو إذا ماحاول اقتحام الباب.

خلال هذه الفترة قدمت إلى بلاد الشام الحملات العسكرية الصليبية من دول غربي أوروبا لغزو العالم العربي عامة وبلاد الشام ومصر خاصة خلال القرون الحادي عشر وحتى الثالث عشر الميلادية. وكانت الحملة الأولى(489- 492هـ، 1096- 1099م)، قد اتجهت إلى سوريا واحتلت أنطاكية سنة 491هـ، 1098م ثم احتلت القدس سنة 492هـ، 1099م، وتم تأسيس أربع إمارات صليبية هي المملكة اللاتينية في القدس، وإمارة أنطاكية، وإمارة الرها قرب بغداد وإمارة طرابلس في لبنان. وحاولت الحملة الثانية احتلال دمشق ففشلت، أما الحملة الرابعة فلم تصل إلى البلاد العربية، في حين توجهت الحملات الباقية إلى مصر. وسُميت هذه الحملات بالحروب الصليبية. واستطاع الأيوبيون بقيادة صلاح الدين تحرير بيت المقدس وأكمل المماليك إخراج الصليبيين من بلاد الشام ومصر.



الدولة الأيوبية. أسس هذه الدولة الملك الناصر السلطان صلاح الدين يوسف الأيوبي بعد أن تولى وزارة مصر سنة 565هـ، 1169م في عهد الخليفة الفاطمي العاضد. وفي عام 567هـ، 1171م قام بخلع هذا الخليفة منهيًا بذلك وجود الدولة الفاطمية في مصر، وصار الدعاء في منابرها للخليفة العباسي المستضيء. وما أن استتب له الأمر حتى تطلع إلى سوريا وكانت فيها الدولة النورية تحت حكم نور الدين بن زنكي الملقب بالشهيد، فبدأ بينهما الجفاء حتى توفي هذا الأخير سنة 569هـ، 1174م، فأعلن صلاح الدين استقلاله بمصر، ثم استولى على سوريا. وفي سنة571هـ ، 1175م، أصدر الخليفة العباسي أمرًا يقضي بتولي صلاح الدين سلطة مصر والمغرب والنوبة وغربي الجزيرة العربية وفلسطين وسوريا الوسطى. وبعد عشر سنوات، استطاع صلاح الدين أن يخضع الموصل وبعض أمراء العراق، ثم تفرغ لتحرير البلاد من الصليبيين.

بدأ صلاح الدين جهاده بالاستيلاء على طبرية سنة 583هـ، 1187م، ثم حدثت موقعة حطين المشهورة التي انتصر فيها صلاح الدين، وحرر بيت المقدس وأنهى المملكة اللاتينية الصليبية في نفس العام المذكور. وفي سنة584هـ، 1188م، اتجه صلاح الدين شمالاً لتحرير الأجزاء التي احتلها الصليبيون من سوريا، ولكنهم عادوا لاحتلالها بعد أن حررها صلاح الدين، إلى أن أخرجهم السلطان المملوكي الملك الناصر، ناصر الدين بن قلاوون من قلعة المرقب سنة 684هـ، 1285م، ومن اللاذقية سنة 686هـ ، 1287م، ومن طرطوس سنة 690هـ، 1291م. وظلت جزيرة أرواد بأيدي فرسان الهيكل الصليبيين حتى طردهم منها سنة 702هـ، 1303م، وكانت قبل ذلك قد بدأت الحملة الصليبية الثالثة التي احتلت عكا بعد حصار دام سنتين من 585-587هـ، 1189-1191م.

توفي صلاح الدين بدمشق سنة 589هـ، 1193م وفيها دفن، وتوزعت مملكته بين ذريته حتى قتل هولاكو الملك الناصر يوسف آخر الملوك الأيوبيين سنة 659هـ، 1261م، فانتهت بموته الدولة الأيوبية في مصر والشام وبدأ عهد المماليك بالظهور. ترك العهد الأيوبي بصمات عمرانية كبيرة في سوريا تركزت في دمشق وحلب وبقية المدن السورية الأخرى. وتعرضت البلاد لغزو المغول في أواخر العهد الأيوبي غير أن المماليك قد نجحوا في إبعادهم.



المماليك. رغب الملك الصالح أيوب بن الكامل في تكوين فرقة عسكرية خاصة في مصر سنة 637هـ، 1239م، ولتحقيق هذا الأمر اشترى ألف مملوك تركي، وكان هذا التشكيل بداية نشوء دولة المماليك البحرية أو التركية التي ورثتها فيما بعد المماليك البرجية أو الشراكسة.

بدأ هؤلاء المماليك باكورة سيطرتهم على الحكم بقتل الملك توران شاه الأيوبي وولوا مكانه أمه شجرة الدر سنة 648هـ، 1250م، ثم ما لبثوا أن استبدلوا بها في العام نفسه مملوكًا يدعى عز الدين أيبك، وما أن تولى فيهم الملك المظفر سيف الدين قطز سنة 657هـ، 1259م حتى سار إلى الشام في العام التالي، وتمكن من طرد المغول منها، بعد انتصاره عليهم في موقعة عين جالوت 658هـ،1260م، فأصبحت منذ ذلك الوقت ولاية مملوكية واستمرت تحت سيطرتهم حتى الفتح العثماني لسوريا بقيادة السلطان سليم الأول سنة 922هـ، 1516م بعد معركة مرج دابق التي هزم فيها المماليك.

استمر الصراع بين المماليك طوال حكمهم لسوريا من جهة وبين المغول والصليبيين من جهة أخرى، وبرز من سلاطينهم الملك الظاهر بيبرس الذي قارع الصليبيين طوال عشر سنوات، والملك الناصر، ناصر الدين محمد بن قلاوون الذي أخرجهم من آخر معقل لهم في جزيرة أرواد سنة 702هـ، 1303م، كما هزم المغول في معركة مرج الصفر قرب دمشق في نفس التاريخ. ترك المماليك تراثًا عمرانيًا ضخمًا في بلاد الشام فاق ما خلفته العهود السابقة، وتركز هذا التراث في مدينة حلب ودمشق ثم في بقية المدن السورية الأخرى.



العهد العثماني 1516-1918م
دخل العثمانيون سوريا بعد أن انتصر السلطان سليم الأول على المماليك بقيادة السلطان المملوكي قنصوة الغوري الذي سقط قتيلاً في معركة مرج دابق سنة 922هـ، 1516م، وأصبحت سوريا منذ هذا التاريخ تحت النفوذ العثماني. كما دخلت مصر تحت نفوذه في العام التالي.

صارت سوريا منذ أواخر عام 922هـ، 1516م، ولاية عثمانية، يحكمها ولاة تعاقبوا عليها خلال فترة الحكم العثماني الذي استمر حوالي أربعمائة عام حتى خروج العثمانيين من البلاد العربية إبان الحرب العالمية الأولى.

قسمت بلاد الشام إلى ثلاث ولايات يتولى كلاً منها والٍ عثماني: ولاية الشام (دمشق)، وولاية طرابلس، وولاية حلب. وغدت أربعًا في القرن السابع عشر الميلادي بتحويل صيدا إلى ولاية. وكان العثمانيون يعينون على كل ولاية موظفًا كبيرًا يُسمى الوالي أو الباشا، ويعتبر نائبًا عن السلطان وصلاحيته مطلقة وأحكامه نهائية. وقد عمدت الدولة إلى كثرة تبديل الولاة خشية أن يقوى نفوذهم فيصبحوا خطرًا عليها. يساعد الوالي ديوان مؤلف من كبار الضباط والعلماء والأعيان وكبار الموظفين. ومهمة الديوان استشارية فقط.



الحركات الاستقلالية في سوريا. منذ النصف الثاني من القرن السادس عشر الميلادي، بدأ الضعف يتسرب إلى كيان الدولة العثمانية، وأخذت قبضتها تتراخى عن ولاياتها البعيدة، ولا سيما التي تركت فيها الحكم للعصبيات المحلية وللأسر الإقطاعية.

وقد استغل حكام هذه المناطق وضع الدولة، فقاموا أحيانًا ينازع بعضهم بعضًا على ما في أيديهم من مناطق، أو يعلنون الثورة على الدولة بقصد الاستقلال عنها.

كان من أهم الحركات الاستقلالية التي قامت في بلاد الشام حركة الأمير فخر الدين المعني في لبنان، وحركة الشيخ ظاهر العمر في فلسطين.



الأطماع الاستعمارية في بلاد الشام
بلغت الدولة العثمانية في أواخر القرن العاشر الهجري، السادس عشر الميلادي أوج عظمتها واتساعها، فقد أتمت احتلال البلقان، وأحاطت جيوشها بأسوار فيينا في أوروبا، ودخلت جميع الأقطار العربية ـ عدا المغرب ـ في حوزتها. غير أن موجة الفتوح ما لبثت أن توقفت، ثم أخذت سيطرة الدولة في الانحسار عن المناطق التي احتلتها عندما بدأ الضعف يتسرب إلى كيانها. ويعود ذلك الضعف إلى ضعف السلاطين بسبب انغماسهم في الملذات والترف، وبسبب فساد الجيش الإنكشاري، وفساد الإدارة، وسوء نظام جباية الضرائب، وأخيرًا بسب اتساع الدولة وتعدد عناصرها.

وقد واجهت الدولة العثمانية قوى أوروبية صليبية خارجية، منها النمسا وروسيا اللتان أخذتا تهاجمانها بقصد التوسع في ولاياتها البلقانية. وظهر مايُسمى المسألة الشرقية التي تتمثل في موقف الدول الأوروبية من الدولة العثمانية، حيث اتخذت هذه الدول ضعف الدولة العثمانية وسيلة لفرض نفوذها ومحاولة السيطرة عليها.



الامتيازات الأجنبية. ترجع الأطماع الاستعمارية في بلاد الشام والشرق العربي إلى زمن الحروب الصليبية، ولم يمض زمن بعد إجلاء هذه الحملات حتى عادت الأطماع بشكل أو بآخر. فتارة تكون بمحاولات الغزو المسلح، وطورًا بالغزو السياسي والثقافي وراء قناع الامتيازات الأجنبية. ويرجع أصل الامتيازات الأجنبية إلى المعاهدة التي عقدت بين ملك فرنسا فرانسوا الأول والسلطان العثماني سليمان القانوني في سنة 1535م، والتي فتحت لأوروبا عهدًا جديدًا من العلاقات مع الشرق، فقد أعطت الأوروبيين حق الاتصال بالموانئ الشرقية والمتاجرة مع الشرق، وعهدًا بحماية أرواحهم وبضائعهم. وقد طمعت الدول الأوروبية الأخرى بالحصول على مثل هذه الامتيازات، فظلت تحاول حتى تمكنت من عقد معاهدات مماثلة مع السلطنة العثمانية. وهكذا وضع أساس الامتيازات الأوروبية في الشرق.

لم يكن لهذه الامتيازات أي خطر على الشرق العربي حين كانت الدولة العثمانية في أوج قوتها وسيطرتها، غير أنها حينما ضعفت، اغتنمت الدول الأوروبية الفرصة السانحة للتدخل في شؤونها الداخلية والاعتداء على سلطاتها متذرعة بما أكسبتها الامتيازات من مصالح مادية ومعنوية. فكانت الحملة الفرنسية التي جاءت إلى مصر عام 1213هـ، 1798م بداية الزحف الاستعماري على المنطقة العربية، وتلا ذلك تدخل الدول الأوروبية واحتلالها لأجزاء من الوطن العربي، كما كان تدخل فرنسا في لبنان إثر الفتنة الطائفية عام 1277هـ، 1860م وغير ذلك. ونتج عن ضعف الدولة العثمانية خروج محمد علي عن سلطتها واحتلاله لبلاد الشام.



الحكم المصري في بلاد الشام
استولى محمد علي على الحكم في مصر عام 1805م، إثر جلاء القوات الفرنسية عن مصر، ومطالبة الشعب المصري بتوليته نظرًا لما قام به من أعمال بطولية ضد الفرنسيين وضد الإنجليز. وقد كلفه السلطان العثماني بالقضاء على الدولة السعودية الأولى ونجح في ذلك عام 1818م. ودفعه هذا الانتصار إلى تنفيذ حلمه بتكوين إمبراطورية واسعة يكون هو رئيسها، وتطلع إلى ضم سوريا وغيرها، خاصة وأن السلطان العثماني قد وعده بضم سوريا إليه نظير قيامه بالقضاء على الدولة السعودية. غير أن السلطان لم يحقق له مطلبه، فجهز حملة عسكرية بقيادة ولده إبراهيم باشا، وأرسلها إلى بلاد الشام لاحتلالها وذلك عام 1247هـ، 1831م في عهد السلطان العثماني محمود الثاني. وقد نجح في ذلك بعد أن احتلت الحملة غزة ويافا وحيفا وعكا ودمشق وبقية المدن السورية التي خضعت للنفوذ المصري. وفي عام 1840م تدخلت الدول الأوروبية وأجبرت محمد علي على الانسحاب من بلاد الشام والعودة إلى مصر لتكون ولاية وراثية له ولأولاده من بعده، وذلك بموجب معاهدة لندن 1840م. وعادت سوريا مرة أخرى إلى الحكم العثماني. ترك العهد العثماني في سوريا بصمات عمرانية في دمشق وحلب وبقية المدن الأخرى كالتكية السليمانية وقصر العظم وجامع الدرويشية وجامع السنانية.

انظر أيضًا: مصر، تاريخ.


اليقظة القومية في بلاد الشام
أدى ضعف الدولة العثمانية وعجزها عن الدفاع عن البلاد العربية أمام الأطماع الاستعمارية إلى اعتماد العرب على أنفسهم، وإلى ظهور الشعور القومي عند العرب نتيجة الحملة الفرنسية وحكم محمد علي، والإرساليات التنصيرية، والمدارس الأجنبية، وترجمة الكتب وطبعها مما ساعد على العناية باللغة العربية ونشر الثقافة العربية. كما كانت الطباعة وتأثير الثقافة الغربية على العرب عاملاً لنشوء اليقظة العربية خاصة بعد محاولة الأتراك تطبيق سياسة التتريك. وظهر نتيجة لذلك أدباء أمثال ناصيف اليازجي وإبراهيم البستاني ومصلحون أمثال عبد الرحمن الكواكبي ورفاعة الطهطاوي ومحمد عبده ورشيد رضا. كما تأسست جمعيات عربية تدعو إلى الإصلاح والاستقلال الذاتي. ومن هذه الجمعيات جمعية بيروت السرية 1875م، وجمعية الإخاء العربي العثماني، وجمعية العربية الفتاة وجمعية العهد والجمعية القحطانية وغيرها.



الثورة العربية 1916م. طلب العرب من الدولة العثمانية منحهم الاستقلال الذاتي، وجعل اللغة العربية لغة رسمية في الولايات العربية، وكذلك حصر التجنيد في الشبان العرب وذلك كما جاء في مقررات المؤتمر العربي في باريس عام 1913م. ولكن العثمانيين رفضوا تلبية مطالب العرب، ولم تتفهم الدولة العثمانية قضايا العرب المصيرية، لذا عقد العرب العزم على تخليص البلاد من الحكم العثماني، خاصة بعد المجازر التي ارتكبها جمال باشا السفاح قائد الجيش التركي في سوريا، فقرروا إعلان الثورة التي انطلقت من مكة بزعامة الشريف حسين بن علي في 1334هـ، العاشر من يونيو 1916م. وأعلن الشريف حسين الجهاد المقدس ضد الأتراك في عهد السلطان محمد رشاد الخامس، واحتل جيشه مكة والطائف وجدة ثم المدينة المنورة.

دخلت قوات الثورة العربية مدينة دمشق بقيادة الأمير فيصل بن الحسين في 1336هـ، مطلع أكتوبر من عام 1918م، فانسحب منها الجيش التركي، كما انسحب من بقية المدن السورية حتى تم تحرير كافة الأراضي في منتصف نوفمبر من العام نفسه. ثم تشكلت الحكومة العربية برئاسة الفريق رضا باشا الركابي وبموافقة الأمير فيصل عليها، كما أرسل الأمير فيصل شكري باشا الأيوبي إلى بيروت لتأسيس إدارة عسكرية فيها.



الحكومة العربية في دمشق 1918-1920م. قوبل دخول فيصل إلى دمشق بحماسة كبيرة، وأيدت جموع الشعب الثورة، واستجابت لأوامر القيادة العربية. ولكن الإنجليز عمدوا إلى تقسيم سوريا إلى ثلاث مناطق: غربية تقع تحت الإدارة الفرنسية، وشرقية داخل سوريا والأردن، وجنوبية تشمل فلسطين، وقد وضعت تحت الانتداب البريطاني.

وتطبيقًا لمعاهدة سايكس ـ بيكو 1916م، فقد احتلت القوات الفرنسية بيروت في شهر أكتوبر من عام 1918م وتوالى نزولها في المدن الساحلية، وأنزلت الأعلام العربية عن المباني الرسمية.

ذهب فيصل إلى مؤتمر الصلح المنعقد في باريس ليمثل بلاده نيابة عن الشريف حسين رغم معارضة فرنسا لقدومه، وألقى خطابًا في المؤتمر طالب فيه بحق الشعب العربي في الاستقلال والحرية والوحدة، ولكن المؤتمر خيب آمال العرب وعاد فيصل إلى دمشق.

بعد عودة فيصل إلى دمشق، عقد المؤتمر السوري العام في 2 يوليو 1919م، ونادى بفيصل ملكًا على سوريا، كما طالب المؤتمر بإلغاء اتفاقية سايكس ـ بيكو، وكذلك إلغاء وعد بلفور، ورفض الانتداب البريطاني والفرنسي.

أدى موقف الحلفاء إلى عقد المؤتمر السوري في 7 مارس 1920م، وقرر إعلان استقلال سوريا دولة ذات سيادة وملكية دستورية. وتألفت أول وزارة دستورية برئاسة رضا الركابي باشا، وأعلنت مبايعة فيصل ملكًا على سوريا، كما أعلن المؤتمر عن إقامة اتحاد سياسي بين العراق وسوريا. وندد المؤتمر كذلك بالمؤتمرات الاستعمارية والصهيونية غير أن الحلفاء قرروا في مؤتمر سان ريمو 1920م، وضع سوريا ولبنان تحت الانتداب الفرنسي ووضع فلسطين وشرق الأردن والعراق تحت الانتداب البريطاني.



الاحتلال الفرنسي لسوريا في 25 يوليو 1920م
أثارت مقررات مؤتمر سان ريمو، مشاعر السخط في سوريا ضد الغرب الذي تنكر لأماني الأمة العربية في الوحدة والاستقلال. وتشكلت وزارة دفاعية في سوريا برئاسة هاشم الأتاسي، ومن أعضائها عبد الرحمن شهبندر ويوسف العظمة وزير الدفاع، وذلك لمنع تنفيذ هذه المقررات. وحاول فيصل منع تلك المقررات دون جدوى. وكانت فرنسا قد خططت لاحتلال سوريا، فوجهت إنذارًا إلى سوريا بشأن قبول الانتداب الفرنسي، وتسريح الجيش وقبول العملة الفرنسية.

رفض الشعب السوري هذه المطالب رغم أن فيصل قبل الإنذار، ولكن القوات الفرنسية بقيادة الجنرال غورو دخلت دمشق بعد أن انتصرت على السوريين في معركة ميسلون التي استشهد فيها يوسف العظمة وزير الدفاع. وانتهى الحكم الوطني في سوريا الذي دام حوالي عامين. وغادر فيصل البلاد إلى أوروبا وخضعت البلاد للحكم الفرنسي.



الحكم الفرنسي في سوريا 1920-1940م. قضت فرنسا على مظاهر الحكم الوطني في سوريا، فقد أنزل الفرنسيون العلم العربي، ورفعوا مكانه العلم الفرنسي، وفرضوا الحكم العسكري على البلاد، وتم إعدام جماعة من المواطنين، ونزع سلاح الأهالي، وفرضت غرامات باهظة على المدن، وألغيت كافة القوانين التي صدرت في العهد الوطني.

اتبعت فرنسا سياسة تذويب عروبة سوريا، ففرضت اللغة الفرنسية والثقافة الفرنسية، وأهملت شأن اللغة العربية، وسيطرت على الجيش والأمن العام والجمارك والشركات، وعملت على إثارة الفُرقة بين الطوائف الدينية والمجموعات العنصرية، كما عملت على ربط الاقتصاد السوري بالاقتصاد الفرنسي، إضافة إلى استخدام كافة وسائل القمع والإرهاب، كذلك أعلنت فرنسا تجزئة سوريا ولبنان إلى دولتين منفصلتين، وتقسيم سوريا إلى أربع محافظات أو دول: دمشق، حلب، جبل العلويين، جبل الدروز.



المقاومة الوطنية ضد الاحتلال الفرنسي. تميز عهد الاحتلال الفرنسي بنضال الشعب المستمر لتحرير سوريا من براثن الاستعمار الأجنبي، وقامت خلاله ثورات مثل ثورة الشيخ صالح العلي في جبل العلويين عام 1921م، وتكبد فيها الفرنسيون خسائر فادحة، وثورة إبراهيم هنانو في حلب عام 1921م، وثورة سلطان باشا الأطرش (1925-1927م) وتُسمى الثورة السورية الكبرى لأنها شملت مناطق سورية كثيرة.

اضطرت الثورات الحكومة الفرنسية في سوريا إلى إعادة توحيد حلب ودمشق واللاذقية، كما وافقت على إجراء انتخابات وتشكيل جمعية تأسيسية برئاسة هاشم الأتاسي عام 1928م، ووافقت فرنسا أيضًا على نشر دستور للبلاد شريطة إلغاء بعض مواد منه، ولكن الشعب رفض، واستمرت الاتصالات جارية على موقفها بشأن إلغاء المواد التي تحد من سيطرتها على سوريا، وقامت المظاهرات الصاخبة، فاضطرت الحكومة الفرنسية إلى تشكيل حكومة وطنية برئاسة تاج الدين الحسني، وجرت انتخابات وتشكل مجلس نيابي تتمثل فيه الكتلة الوطنية لإجراء مفاوضات مع فرنسا بشأن عقد معاهدة تعطي سوريا الاستقلال.

إزاء تلكؤ فرنسا في عقد المعاهدة، قامت المظاهرات والاضطرابات في عام 1936م، وأخيرًا وافقت فرنسا على عقد معاهدة مع الوطنيين تتضمن استقلال سوريا، ومدة المعاهدة 25 سنة، ومنح قواعد عسكرية لفرنسا.

استقبل الشعب السوري المعاهدة بالرضا لأنها خطوة على طريق الاستقلال التام، واستمرت المطالبة الوطنية والوزارة بالمناداة بتسلم السلطات من الفرنسيين تنفيذًا لبنود المعاهدة. ولكن فرنسا أخذت تماطل وتسوف كعادتها. وفي غمرة هذه الأحداث، تنازلت فرنسا لتركيا عن لواء الإسكندرونة عام 1939م، وذلك للضغط على الوطنيين في سوريا.

وخلال فترة الحرب العالمية الثانية هزم الألمان فرنسا، وسيطروا على فرنسا ومستعمراتها. واستغلت دول المحور (ألمانيا وإيطاليا) هزيمة فرنسا لتمد نفوذها إلى الشرق، فاستخدمت المطارات السورية، وأثار ذلك مخاوف بريطانيا وحلفائها فقررت انتزاع سوريا من أيدي حكومة فيشي الموالية للألمان، واحتلت بريطانيا سوريا في يونيو عام 1941م، ومعها قوات فرنسا الحرة بقيادة الجنرال ديجول الذي وعد السوريين بالاستقلال لكي يضمن تأييدهم ومساندتهم له. فاستبشر المواطنون خيرًا، ونجحوا في إجبار القائد الفرنسي كاترو على إلغاء الانتداب وإعلان استقلال سوريا موحدة.



الحكم الوطني المستقل
تألفت وزارة جديدة، واختير الشيخ تاج الدين الحَسَني رئيسًا للجمهورية، واعترف الحلفاء باستقلال سوريا. ولكن الشعب طالب بإعادة الحياة الدستورية، وتشكيل حكومة وطنية تنبثق عن إرادة الشعب لتحقيق أمانيه الوطنية فأجريت الانتخابات عام 1942م إثر وفاة تاج الدين الحسني، وانتُخب السيد شكري القوتلي زعيم الكتلة الوطنية رئيسًا للجمهورية عام 1943م، وألف الوزارة سعدالله الجابري. وفي هذه الأثناء، حاول الإنجليز توطيد أقدامهم محل الفرنسيين المكروهين من الشعب السوري، ولكنهم فشلوا في تحقيق ما يريدون.

ساهمت الحكومة السورية الجديدة في تأسيس الجامعة العربية، كما أعلنت الحرب على دول المحور، وأقامت علاقات دبلوماسية مع الدول الصديقة، واشتركت كذلك في تأسيس هيئة الأمم المتحدة عام 1945م.

طالبت الحكومة السورية فرنسا بالجلاء عن البلاد، ولكن الفرنسيين رفضوا ذلك محاولين عقد معاهدة مع سوريا تعطيهم حق استخدام القواعد الجوية والبحرية في البلاد. فرفض الشعب ذلك، وإزاء ذلك قصفت القوات الفرنسية مدينة دمشق بالمدفعية والطائرات لمدة أربع وعشرين ساعة، ومثلت بالمواطنين أبشع تمثيل، وأحرقت الأحياء، فكان لذلك صدى عالمي سيئ. واحتجت سوريا على هذا التصرف البشع، وأنذرت بريطانيا فرنسا بوقف إطلاق النار، واستجابت فرنسا للإنذار البريطاني. وبعد ذلك عرضت المشكلة السورية على مجلس الأمن الذي قرر منح سوريا الاستقلال وجلاء القوات الفرنسية عنها. وتم ذلك في أبريل من عام 1946م وهو العيد الوطني لسوريا.



عهد الاستقلال. تسلمت الحكومة الوطنية زمام الأمور في البلاد، فقامت بإصلاح نظام التعليم واستبعاد الأثر الفرنسي عن التعليم، وقضت على مظاهر الاستعمار الثقافي الفرنسي بعد أن تخلصت من الاستعمار السياسي. وعملت على تعزيز الحياة الاقتصادية وتطويرها وخاصة الزراعية منها، كما اهتمت بتقوية الجيش الوطني وتسليحه إضافة إلى اهتمامها بالنهضة العمرانية والفنية. وفي عام 1947م، أجريت انتخابات جديدة، وأُعيد انتخاب شكري القوتلي بعد تعديل الدستور.



حرب فلسطين 1948م والانقلابات العسكرية في سوريا 1949م. واجهت سوريا مشكلات خارجية منها حرب فلسطين عام 1948م التي اشترك فيها الجيش السوري كغيره من الجيوش العربية، وهزم كغيره في هذه الحرب وذلك لانعدام التنسيق والإعداد لها، ونتج عن ذلك كارثة فلسطين وقيام دولة إسرائيل. وأدى ذلك إلى قيام سلسلة من الانقلابات العسكرية في سوريا. وقد قامت هذه الانقلابات إثر قيام الأزمة الوزارية 1949م، واحتدام النقاش في المجلس النيابي بين السياسيين والعسكريين حول ميزانية الدفاع، واتهام السياسيين للعسكريين بالتقصير في حرب فلسطين.

قام الانقلاب العسكري الأول بقيادة حسني الزعيم في مارس 1949م، واستولى الجيش على السلطة واعتقل السياسيين في البلاد، وأعلن حسني الزعيم نفسه رئيسًا للجمهورية ورئيسًا للوزراء. ولم يستمر هذا الانقلاب طويلاً. فبعد أربعة أشهر من الانقلاب الأول، حصل انقلاب آخر بزعامة الفريق سامي الحناوي الذي قضى على قادة الانقلاب الأول، وكان هذا الانقلاب يؤيد العراق ويميل إلى الاتحاد معها بعكس الانقلاب الأول. غير أن انقلابًا عسكريًا ثالثًا وقع في أواخر عام 1949م بقيادة الزعيم فوزي سلو والعقيد أديب الشيشكلي لإبطال مشروع الاتحاد مع العراق، واجتمعت الجمعية التأسيسية وتم انتخاب هاشم الأتاسي رئيسًا للجمهورية وشكل ناظم القدسي الوزارة، وبعد عامين غير الشيشكلي الدستور، وأصبح بموجبه رئيسًا للجمهورية، كما انتخب مجلس نيابي جديد، ولكن اضطهاد الشيشكلي للأحزاب وابتعاده عن الجيش أوقعه في انقلاب عسكري أطاح بحكمه، وغادر سوريا إلى الأرجنتين حيث لقي مصرعه بعد خمس سنوات من مغادرته.



عودة الحياة الدستورية إلى البلاد. انتهت الانقلابات العسكرية وعادت الأمور إلى سابق عهدها، كما كانت قبل انقلاب الشيشكلي، وعاد هاشم الأتاسي رئيسًا للجمهورية وناظم القدسي رئيسًا للوزارة، ثم استؤنفت الحياة الدستورية في البلاد، وانتهى الأمر بإجراء انتخابات نيابية، واختير شكري القوتلي رئيسًا للجمهورية في 16 أغسطس 1955م. وكان الحكم النيابي ضعيفًا لأنه يدين للجيش بوجوده، وعادت الأحزاب التقليدية إلى الحكم، وظهر بجانبها حزب البعث والحزب الشيوعي، ولكنها كانت ضعيفة أمام الجيش وضباطه.



الطريق إلى الوحدة. واجهت سوريا مشكلات داخلية وخارجية كثيرة، دفعتها إلى أن تسير في هذا الاتجاه لإنقاذ نفسها من هذه المصاعب والمشكلات. فالمؤامرات السياسية والدولية تعصف بالبلاد وكيانها، فهناك حلف بغداد ومحاولات العراق دفع سوريا للاشتراك فيه وبالتالي السيطرة عليه وضمه إليها، وهناك محاولات تركيا التحرش بها، ومحاولات الأردن تنفيذ مشروع سوريا الكبرى.

إزاء ذلك اضطرت سوريا إلى أن تتقرب من مصر وتعقد معها معاهدة الدفاع المشترك عام 1955م. ولما كثرت المؤامرات على سوريا وبلغ التوتر السياسي بين الجيش والحكم حده الأقصى، رأى ضباط الجيش أن أفضل حل هو في اتحاد سوريا مع مصر. فذهب وفد من الضباط السوريين إلى مصر يطلب من الرئيس المصري جمال عبد الناصر وحدة سوريا مع بلاده، فقبل عبد الناصر تحت إلحاحهم، وطلبوا من الحكومة السورية اتخاذ الخطوات الفورية للوحدة، فجرت مباحثات بين الجانبين توجت بتوقيع اتفاقية الوحدة في 22 فبراير 1958م، ثم جرى استفتاء عليها في مارس من العام نفسه، وأعلن عن قيام الجمهورية العربية المتحدة التي تتكون من إقليمي سوريا ومصر، واختير عبد الناصر رئيسًا لدولة الوحدة، وتنازل شكري القوتلي الرئيس السوري عن منصبه، وأُعطي لقب المواطن العربي الأول، وسُميت سوريا الإقليم الشمالي بينما سُميت مصر الإقليم الجنوبي.



الوحدة السورية المصرية (22 فبراير 1958 - 28 سبتمبر 1961م)
كانت الوحدة تحقيقًا لأماني الشعب العربي، وكانت أول تجربة وحدوية في العصر الحديث، لكن الاستعمار والصهيونية حاولا ضرب الوحدة وإجهاضها بشتى الصور، كما كان لنقمة بعض القطاعات الاقتصادية على القرارات الاشتراكية، ووقوع بعض الأخطاء في طريقة الحكم في سوريا، وحب السلطة لدى بعض أفراد السياسة والجيش، كل ذلك أدى إلى قيام انقلاب عسكري أطاح بالوحدة في 18ربيع الثاني 1381هـ، 28 سبتمبر 1961م وذلك بعد 44 شهرًا من قيامها، وأعلن انفصال سوريا عن مصر. وكان يقود الانقلاب العسكري مأمون الكزبري وعبد الكريم النحلاوي.



التطورات السياسية في سوريا. شكل مأمون الكزبري أول وزارة سورية ثم تلتها وزارة عزة النص التي أشرفت على الانتخابات، فقامت حكومة دستورية برئاسة الدكتور معروف الدواليبي إثر انتخابات نيابية، وانتخب الدكتور ناظم القدسي رئيسًا للجمهورية، وظهرت قوة البعثيين والإخوان المسلمين في هذه الانتخابات. وحصلت منافسات شديدة بين السياسيين أدت إلى تدخل الجيش في السياسة. قامت تنظيمات حزب البعث العربي الاشتراكي تساندها بعض العناصر القومية في الجيش بثورة 8 مارس 1963م برئاسة لؤي الأتاسي ومحمد الصوفي وزياد الحريري قائد الجبهة، فأسندت رئاسة مجلس الثورة إلى لؤى الأتاسي ورئاسة الوزارة إلى صلاح الدين البيطار الزعيم البعثي الذي واكب الخط الوحدوي مرحليًا، وكان هذا الانقلاب بداية تسلم حزب البعث للحكم.



حزب البعث في السلطة. حاول حزب البعث عام 1963م إقامة وحدة بين مصر والعراق وسوريا، ولكـن تلك المحاولات باءت بالفشل. وحدثت فتنة في حماة عام 1964م ثم في دمشق بعد عام، ولكن الحزب تمكن من القضاء على الفئات المناوئة من جماعة الإخوان المسلمين. ثم حصلت انشقاقات في حزب البعث فتخلص صلاح جديد ونور الدين الأتاسي من كل من سليم حاطوم وعبد الكريم الجندي وأمين الحافظ رئيس الدولة وصلاح البيطار رئيس الوزراء.

تولى نور الدين الأتاسي رئاسة الدولة ويوسف زعين رئاسة الوزارة، وكان صلاح جديد رئيس الأركان، وفي عهده نشبت حرب الأيام الستة (5 يونيو 1967م) وفقدت سوريا الجولان التي ما زالت تحت الاحتلال الإسرائيلي. وأدى ذلك إلى اعتقالات واسعة في سوريا وتهم متبادلة. ودفع ذلك الفريق حافظ الأسد وزير الدفاع وقائد السلاح الجوي إلى قيادة الحركة التصحيحية في سوريا عام 1970م، وانتخب بعدها رئيسًا للجمهورية.

أعلن الرئيس السوري حافظ الأسد انفتاحه على العالم العربي، فانضم إلى ميثاق طرابلس الذي ضم مصر والسودان وليبيا وسوريا، ثم دخل في اتحاد شكلي مع مصر بعد عام، ولم يلبث أن فصمت عراه. وعمل على تحسين علاقاته وتطويرها مع الدول العربية والصديقة وخاصة الاتحاد السوفييتي (سابقًا) الذي كان يزود سوريا بما تحتاجه من السلاح.

اشترك الجيش السوري في عهد الرئيس حافظ الأسد في حرب رمضان 1393هـ، أكتوبر 1973م، وقد استطاع إرجاع جزء من الجولان بعد مفاوضات أجرتها السلطات السورية مع إسرائيل بوساطة كيسنجر وزير خارجية الولايات المتحدة الأمريكية في ذلك الوقت. وتحاول سوريا إعادة كامل الجولان عن طريق المفاوضات. وشاركت سوريا في حفظ الأمن في لبنان. كما شاركت سوريا بدعم القضية الفلسطينية والمنظمات الفدائية، ولكن كان لها تحفظ على اتفاق غزة ـ أريحا الذي وقع في 13 سبتمبر 1993م.

نددت سوريا كذلك باحتلال الكويت عام 1990م، ووقفت ضد هذا العدوان وساهمت في تحريرها عام 1991م. وأيضا أيدت سوريا اتفاقية الطائف الموقعة عام 1992م في الطائف بالمملكة العربية السعودية بشأن حل مشكلة لبنان. وأخيرًا اشتركت سوريا في مسيرة السلام بين العرب واليهود التي بدأت في مدريد في أكتوبر 1991م ثم انتقلت إلى واشنطن عام 1992م، وذلك من أجل توقيع معاهدة سلام مع اليهود بشأن استرداد الجولان. وقد اجتمع الرئيس السوري حافظ الأسد في منتصف يناير من عام 1994م مع الرئيس الأمريكي بل كلينتون لشرح الموقف السوري من مسيرة السلام ومن توقيع اتفاقية سلام شاملة مع إسرائيل. وبعد فوز مرشح حزب الليكود بنيامين نتنياهو في مايو 1996م، تعثرت مفاوضات السلام في المنطقة برمتها بسبب سياسة نتنياهو الاستيطانية ودعمه للمتطرفين اليهود ومحاولاته فصل المسارين السوري واللبناني في مفاوضات السلام.

وفي يوليو عام 2000م، توفي الرئيس حافظ الأسد إثر نوبة قلبية، ودفن بمسقط رأسه بالقرداحة قرب مدينة اللاذقية. فاز ابنه الفريق بشار حافظ الأسد في الاستفتاء الشعبي على ترشيحه لمنصب رئيس الجمهورية، وأصبح رئيساً للبلاد.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق