اخر الأخبار

11‏/3‏/2013

بحث عن الدور الفرنسي في افريقيا

بحث عن الدور الفرنسي في افريقيا
بحث عن الدور الفرنسي في افريقيا
بحث عن الدور الفرنسي في افريقيا

في الوقت الذي تسعى فيه إفريقيا إلى التحرّر من هيمنة القوى الكبرى، وإيجاد توازن في إطار شبكة العلاقات الدولية القائمة والمستقبلية؛‏ تأتي أهمية المراجعات لمواقف القوى الاستعمارية التقليدية، وذلك بإعادة القراءة لأدوارها التاريخية، وحاضرها، وتوقعات أدوارها المستقبلية في ظل ما طرأ من معادلات جديدة في حلبة الصراع والتنافس الدولي على القارة.

ويتجه الباحث لتطبيق ذلك على فرنسا بوصفها واحدة من أهم القوى الدولية التي كان حضورها - ولا يزال - قوياً وفاعلاً على مسرح الصراع والتنافس في القارة.
الدور الفرنسي التاريخي في إفريقيا:
يرجع الدور الفرنسي في إفريقيا إلى العهد الاستعماري الذي تعرضت له القارة من القوى الأوروبية, فركّزت فرنسا نشاطها الاستعماري في القارة الإفريقية, وذلك باحتلال عدد من دول إفريقيا مثل: (تونس، الجزائر، المغرب، بالإضافة إلى موريتانيا)، والسنغال، وغينيا، ومالي، والنيجر، وتشاد، وكوت ديفوار (ساحل العاج)، والجابون، والكونغو برازافيل، وبنين (داهومي)، وبوركينا فاسو (فولتا العليا)، وإفريقيا الوسطى، والكنغو الأوسط (كنشاسا)، وكذلك مدغشقر، وجيبوتي (الصومال الفرنسي)، فضلاً عن جزر كومورو (جزر القمر)، وعدد من جزر المحيط الهندي الأخرى.
تسعى فرنسا في استراتيجيتها الجديدة إلى توسيع شبكة علاقاتها؛ بحيث تتخطى مناطق نفوذها التقليدية إلى دول إفريقية جديدة
ثم وضعت فرنسا يدها بالانتداب على بعض أملاك ألمانيا السابقة في إفريقيا، مثل (الكاميرون وتوجو)، وكانت هذه المستعمرات تمثل أهمية كبيرة لفرنسا, وبخاصة الجزائر التي تُعَد أهم مستعمرات فرنسا في إفريقيا جميعها، فقد كانت تنقل من تلك المستعمرات المواد الغذائية والمواد الخام الزراعية والمعدنية وموارد الوقود والطاقة، كما كانت تمثّل سوقاً واسعة للمنتجات الصناعية الفرنسية.
كان للاستعمار الاستيطاني الفرنسي نصيب عميق في بعض هذه المستعمرات، وخصوصاً في دول شمال غرب إفريقيا، حيث حرصت فرنسا على تغذية شعوب هذه المستعمرات بثقافتها، والتمكين فيها للغة الفرنسية التي صارت لغة هذه الشعوب, وبخاصة في مدن هذه المستعمرات وحواضرها.
ولاستمرار الدور الفرنسي في إفريقيا كوّنت فرنسا رابطة خاصة تبسط من خلالها هيمنتها السياسية والاقتصادية والأمنية، وهي رابطة الدول المتحدثة بالفرنسية المعروفة ب(الفرانكفونية)، والتي ضمت السنغال, وكوت ديفوار, وتوجو, وبوركينافاسو (فولتا العليا), والجابون, والكنغو برازافيل, ومالاجاشي (مدغشقر), وكومورو (جزر القمر), وتشاد, والنيجر, ومالي.. وغيرها.
الدور الفرنسي الحاضر في إفريقيا:
حاولت فرنسا منذ بداية التسعينيات القرن الماضي رسم إستراتيجية جديدة في القارة الإفريقية تتواءم مع المعطيات المستجدة، والأحداث والتطورات في فرنسا، وفي إفريقيا، والتغيرات التي لحقت بالنظام الدولي مع نهاية الحرب الباردة، والتي نتج عنها انفراد الولايات المتحدة بوضعية القوة العظمى والقطب الأوحد في ظل النظام العالمي الجديد, وما يتبع ذلك من تمدد للنفوذ الأمريكي في القارة الإفريقية وتأثيراته في مكانة فرنسا التقليدية في هذه القارة، ويُضاف إلى العامل الأمريكي تمدد اليابان والصين في إفريقيا.
وفي مواجهة هذه المستجدات؛ حاولت فرنسا أن تعتمد إستراتيجية جديدة لضمان تحقيق مصالحها الاقتصادية والإستراتيجية والسياسية في إفريقيا.
تتمثل المصالح الاقتصادية الفرنسية في القارة الإفريقية؛ في البحث عن أسواق لتصريف السلع الفرنسية المصنَّعة، وعن موارد أولية لتنمية الصناعات الفرنسية المدنية.
أما المصالح الإستراتيجية؛ فتتمثل في الوصول إلى الموارد الطبيعية الإستراتيجية التي تملكها القارة لتنمية الصناعات الثقيلة الفرنسية، والسيطرة على المواقع الإستراتيجية في بعض الدول الإفريقية.
وهناك أيضاً المصالح السياسية والدبلوماسية، والمتمثلة في الحفاظ على استقرار الأنظمة الإفريقية، والاستفادة من العلاقات القوية بين فرنسا والدول الإفريقية في ضمان المساندة الدبلوماسية الإفريقية لفرنسا في منظمة الأمم المتحدة؛ بما يسمح لها بالاحتفاظ بمكانتها بصفتها دولة كبرى دائمة العضوية في مجلس الأمن.
آليات تنفيذ السياسة الفرنسية في إفريقيا:
أما عن آليات تنفيذ السياسة الفرنسية في إفريقيا؛ فتشمل ثلاث آليات أساسية: عسكرية، واقتصادية، وثقافية.
الآلية العسكرية: لقد تمثلت السياسة العسكرية في القواعد العسكرية الفرنسية في إفريقيا, والتي تقلّصت من 100 قاعدة في عام 1960م إلى خمس قواعد فقط الآن, وذلك بسبب ارتفاع التكلفة والتطور التكنولوجي في الوسائل العسكرية( 1).
وفي ظل النظام العالمي الجديد اضطرت فرنسا لتطوير سياستها في التعاون العسكري مع إفريقيا، فاعتمدت خطة حديثة تقوم على فكرة إنشاء قوة للتدخل السريع، ويتم توزيع الأدوار على القواعد العسكرية حسب خطورة الأزمة الإفريقية.
ومن أمثلة التدخل الفرنسي العسكري في القارة الإفريقية «عملية تركوازOperation Turquoise»(2 ) في رواندا على إثر الإبادة العرقية للتوتسي, ويدخل في إطار الآليات العسكرية أيضاً اتفاقات الدفاع العسكري والتعاون الفني.
وقد تمّت عملية مراجعة شاملة للسياسة العسكرية الفرنسية في إفريقيا مؤخراً نتيجة الإخفاقات المتتالية التي أصابتها في رواندا والكونغو، بالإضافة إلى تغيّر الظروف الدولية, ولهذا أصبحت فرنسا تركّز في دعم المؤسسات الأمنية الإقليمية؛ من خلال تدريب الجنود الأفارقة على عمليات حفظ السلام ومواجهة الكوارث الناتجة عن الحروب.
السياسة الاقتصادية:
أما السياسة الاقتصادية لفرنسا في إفريقيا؛ فقد اعتمدت على تنمية التجارة البينية مع غالبية دول وسط القارة وغربها، وزيادة حجم الاستثمارات الفرنسية في إفريقيا, وقد رحّبت فرنسا بالمنظمات الإقليمية التي تشكّلت في سبعينيات وثمانينيات القرن الماضي وضمّت دول غرب إفريقيا ووسطها، وأهم هذه المنظمات: الجماعة الاقتصادية لدول غرب إفريقيا، والاتحاد الجمركي لدول إفريقيا الوسطى. كذلك أنشأت فرنسا شبكة مواصلات كثيفة بينها وبين إفريقيا بهدف تدعيم علاقاتها الاقتصادية والتجارية معها، وتُعَد هذه الشبكة كبنية تحتية للسياسة الفرنسية في إفريقيا.
السياسة الثقافية:
تُعَد السياسة الثقافية لفرنسا في القارة الإفريقية المجال الذي تنفرد فيه فرنسا وتتميز به عن باقي الدول الغربية، بسبب خبرتها الواسعة والتاريخية في هذا المجال، فهي إلى جانب تمسّكها بمناطق نفوذها التقليدية تحاول أن تهيمن ثقافياً على الدول الأنجلوفونية، كما تفردت جذور السياسة الثقافية الفرنسية في العهد الاستعماري متمثلة في سياسة الاستيعاب والفرنسة لمواطني المستعمرات، ونتج عن ذلك أثر ممتد في علاقات فرنسا بمستعمراتها بعد استقلال الأخيرة حتى اليوم.
وتعتمد فرنسا في علاقاتها الثقافية بالدول الإفريقية على عدة عناصر، أهمها اللغة المشتركة، والمؤسسات التعليمية الفرنسية، والمراكز الثقافية في إفريقيا، بالإضافة إلى القمم الفرانكوفونية التي تنعقد كل عامين في باريس أو في إحدى العواصم الإفريقية(3 ).
تقلّص الوجود الفرنسي في إفريقيا:
لا شك أن النفوذ الأمريكي وتمدّده في القارة الإفريقية اقتصادياً وثقافياً أثّر سلباً في مكانة فرنسا فيها، وقد ظهر الصدام بين المصالح الفرنسية والأمريكية في العديد من المجالات الاستثمارية، وبصفة خاصة النفطية، وتساعد العولمة الولايات المتحدة في نشر استثماراتها وتجارتها عبر القارة الإفريقية، متحدّية بذلك مراكز النفوذ الفرنسي، في الوقت الذي تحاول فيه فرنسا أن تطرح أفكاراً جديدة لمقاومة التراجع الحالي لنفوذها الاقتصادي في القارة الإفريقية.
وفي المجال العسكري؛ تسعى الولايات المتحدة إلى توسيع نشاطها في القارة الإفريقية في مواجهة النفوذ العسكري الفرنسي، وفي هذا الإطار طرحت عام 1996م فكرة إنشاء قوة إفريقية لحفظ السلام، قوامها عشرة آلاف جندي، تشارك فيها بعض الدول الإفريقية المهمّة، غير أن الفكرة قوبلت بالرفض من الاتحاد الأوروبي، وعلى رأسه فرنسا، ومن منظمة الوحدة الإفريقية، ولم تستطع الولايات المتحدة حتى الآن فرض هذه الآلية العسكرية على القارة الإفريقية, وفي المقابل أنشأت فرنسا البرنامج العسكري «RECAMP» الذي يهدف إلى دعم المؤسسات الأمنية الإقليمية في إفريقيا.
وبالرغم من احتدام التنافس بين الولايات المتحدة والقوى الأوروبية (وبخاصة فرنسا) على الساحة الإفريقية، كما اتضح من خلال سياستهما وردود أفعالهما تجاه أحداث القارة، فإن هناك من المحللين السياسيين من يتحفظ على هذا التنافس بعدة اعتبارات, منها: أن القوى الأوروبية والولايات المتحدة حلفاء، ولن يتصارع بعضهم مع بعض بشأن طموحات كل منهما على الساحة الإفريقية، كما يشير بعضهم إلى إحياء النمط القديم في السياسة الأمريكية الذي يؤكد أن تكون للولايات المتحدة سياستها الخاصة في إفريقيا، ولكن في إطار التنسيق والتعاون مع القوى الأوروبية ذات الميراث الاستعماري والخبرة الطويلة.
ومن العوامل التي أضعفت النفوذ الفرنسي في القارة الإفريقية أيضاً تنامي الدور الياباني والصيني, وانتشار الصحوة الإسلامية في غرب إفريقيا وجنوب الصحراء الكبرى.
وعلى المستوى الثقافي؛ تحاول فرنسا أن تتصدى للهجمة الأنجلوفونية التي تستخدم فكرة العولمة كما تراها الولايات المتحدة، وهي ذوبان العالم في النموذج الثقافي الأمريكي الواحد، ومن أهم وسائل فرنسا في ذلك تقوية منظمة الفرانكوفونية؛ بإضافة بعض المهام السياسية والدبلوماسية لها.
ومع ذلك؛ فإن هناك عاملاً دولياً مهماً ما زال يُحسب لمصلحة استمرار الدور الفرنسي في القارة واستعادته لقوته، ألا وهو الاتحاد الأوروبي الذي يمثّل دعامة حقيقية لفرنسا؛ فهي تُعَد أحد الأعضاء المؤسسين لهذه المجموعة الدولية، كما أن الاستراتيجية الجديدة للاتحاد تدعو إلى سياسة خارجية وأمنية مشتركة للدول الأعضاء، ولم يكن هذا الاتجاه واضحاً قبل تسعينيات القرن الماضي, حيث كانت المصالح الخاصة للدول تقف أحياناً حائلاً دون تبنّي الاتحاد لموقف أوروبي موحَّد، ولكن تغيّر الظروف الدولية في ظل النظام العالمي الجديد دفع إلى كثير من الإصلاحات في هذا المجال.
ويمكن القول بأن الباعث على هذا الاهتمام الفرنسي بالقارة هو السعي لتحقيق عدة أهداف, أهمها:
1 - الهيمنة على إفريقيا.
2 - مواجهة النفوذ الأمريكي المتزايد في القارة.
3 - احتفاظ فرنسا بمصالحها الاقتصادية مع إفريقيا.
من المعروف أن السياسة الفرنسية اليوم - بشقيها السياسي والاقتصادي - تنبع من المشروع الذي أعدّته وزارة الخارجية الفرنسية عام 1997م، وعُرِف باسم «مشروع إفريقيا»، ومن أهم ملامحه:
1 - تأييد إقامة أنظمة سياسية جديدة في الدول الإفريقية وفق مبادئ الديمقراطية الفرنسية.
2 - دعم العلاقات بأنواعها مع الحكومات المدنية، والعمل على تقليص دور المؤسسات العسكرية في إفريقيا.
3 - إعداد نخب سياسية واعية من الشباب، وتثقيفهم وتدريبهم سياسياً وحزبياً؛ لكي تكون القيادات السياسية الحاكمة في المستقبل تابعة لباريس.
4 - دعم برامج التنمية والإصلاح الاقتصادي، مع التركيز في الدول التي تمتلك بنية أساسية معقولة.
5 - إعادة تنظيم الوجود العسكري الفرنسي في إفريقيا، بحيث يضم الخبراء والمستشارين أكثر مما يضم وحدات عاملة.
ويُلاحَظ أن هذه الخطة التي اعتمدتها فرنسا, ويظهر من خلالها حرصها الرسمي على الالتزام بمبادئ الديمقراطية وحقوق الإنسان, جاءت بعد الانتقادات الدولية الحادة التي تم توجيهها لحكومة باريس, بسبب إصرارها على دعم الأنظمة الفاسدة, فعمدت فرنسا إلى صياغة هذه السياسة لتحسين صورتها أمام الرأي العام العالمي.
إن اضمحلال الدور الفرنسي في إفريقيا بدأ بتقلّص وجودها العسكري والسياسي والإنساني سنة بعد الأخرى؛ فالمعاهدات الدفاعية وبنودها السرّية تُعاد مناقشتها تدريجياً، كما أن عدد القوات المسلحة الفرنسية يتقلص شيئاً فشيئاً، وبالنسبة للمغتربين الفرنسيين فإنهم أخذوا يهجرون العواصم الإفريقية الكبرى.
الدور المستقبلي لفرنسا في إفريقيا:
فرنسا الدولة الأوروبية الأولى من حيث قوة نفوذها وقدرتها على الحركة والفعل في الساحة الإفريقية؛ حتى إن إفريقيا تمثّل أحد ثلاثة عوامل داعمة لمكانة فرنسا الدولية بجانب مقعدها الدائم في مجلس الأمن والقدرة النووية.
تحتدم المنافسة بين فرنسا وأمريكا في مناطق البحيرات العظمى والقرن الإفريقي والغرب الإفريقي
وقد حافظت فرنسا على علاقاتها بالدول الإفريقية التي استقلت عنها نتيجة لسياسة تعاونية محكمة ودقيقة, طبّقتها مع هذه الدول في المجالات العسكرية والاقتصادية والثقافية، إلا أنه ومنذ انتهاء الحرب الباردة تأثر النفوذ الفرنسي في إفريقيا نتيجة عدة اعتبارات, أهمها:
• انخفاض الأهمية الإستراتيجية لإفريقيا لدى القوى الغربية بصفة عامة.
• النشاط الأمريكي والصيني والياباني والإسلامي المتزايد المنافس لفرنسا في القارة.
إن الدور المستقبلي لفرنسا في القارة الإفريقية يرتبط من ناحية أخرى بالمصالح الفرنسية فيها, والتي تتنوع ما بين مصالح اقتصادية، وسياسية، وإستراتيجية، وأمنية.
فمن الناحية الاقتصادية: تتركز المصالح الفرنسية في القارة في البحث عن أسواق لتصريف المنتجات والسلع الفرنسية المصنّعة, والحصول على مـواد أولية لتنمية الصناعات الفرنسية, خصوصاً أن فرنسا تعاني نقصاً في هذه المواد داخل أرضها, وقد استطاعت فرنسا تدعيم وجودها الاقتصادي في القارة الإفريقية من خلال العديد من الآليات, ومن أهمها التجارة البينية.
ما زالت فرنسا هي المستورد الأول للمواد الخام والمصدّر الأول للسلع المصنَّعة في بعض الدول الفرانكفونية، كما أن استثمارات فرنسا تُعَد من أهم الاستثمارات الأجنبية في بعض الدول الفرانكفونية، مثل (كوت ديفوار والجابون)، وتعمل فرنسا من ناحية أخرى على إنشاء شبكة مواصلات واسعة تربط بين الأجزاء المختلفة للقارة الإفريقية, وبين هذه الأجزاء وفرنسا.
ومن الناحية السياسية: تهدف فرنسا إلى تحويل الفرانكفونية من مجرد تجمّع ثقافي إلى حركة سياسية؛ بإنشاء تجمع سياسي فرانكفوني في إفريقيا, له صوت سياسي يؤخذ به في الساحة الدولية، وهو ما يعني إنشاء تيار سياسي مناهض للتيار الأنجلوسكسوني - الأمريكي, تجتمع تحت مظلته جميع الدول الهادفة إلى الحدّ من الهيمنة الأمريكية (إحياءً لمبادئ ديجول الجيوبوليتيكية المناهضة لمبادئ الجيوبوليتيكية الأمريكية), كما تسعى فرنسا في هذا الإطار إلى الحفاظ على استقرار الأنظمة الإفريقية.
وفي سبيل تحقيق هذا الهدف السياسي؛ توظف فرنسا أدوات اقتصادية وثقافية متعددة, فهي تسعى إلى إنشاء شبكات للتعاون والتبادل الاقتصادي والتكنولوجي لدعم التنمية في الدول الفرانكفونية، وتتميز فرنسا - مقارنة بالدول الغربية الأخرى - في استخدام الأداة الثقافية, معتمدة في ذلك على اللغة المشتركة, فاللغة الفرنسية هي السائدة في دول غرب القارة ووسطها، والمؤسسات التعليمية والمراكز الثقافية المنتشرة في الأرجاء المختلفة للقارة, بالإضافة إلى إطار المنظمة الفرانكفونية التي تضم كل الدول الناطقة بالفرنسية, ومنها الدول الإفريقية, والتي توسعت لتضم دولاً غير فرانكفونية.
ومن الناحية العسكرية والأمنية: كانت فرنسا في فترة الحرب الباردة تهدف إلى منع انتشار النفوذ السوفييتي في القارة أو الحدّ من انتشاره، وبعد انتهاء الحرب الباردة أصبح الخطر الرئيس الذي يتهدد المصالح الفرنسية في إفريقيا هو الولايات المتحدة، واليابان، والصين، والإسلام السياسي الذي أخذ يتزايد منذ التسعينيات من القرن الماضي في القارة الإفريقية على أطراف الصحراء وفي القرن الإفريقي, مع ملاحظة أن نسبة المسلمين في بعض الدول الفرانكفونية نسبة مرتفعة.
كما تسعى فرنسا إلى السيطرة على المواقع الإستراتيجية في بعض الدول الإفريقية، فقد اهتمت على سبيل المثال بإنشاء قاعدة عسكرية في جيبوتي لمراقبة المدخل الجنوبي للبحر الأحمر.
وفي سبيل تحقيق هذه الأهداف تعتمد فرنسا على عدة آليات, أهمها: القواعد العسكرية التي أنشأتها في خمس دول إفريقية، وقوة التدخل السريع التي أنشأتها فرنسا, والتي تتمركز في جنوب غرب فرنسا, وتستطيع أن تتدخل في وقت قصير في كل أنحاء القارة، وعقد اتفاقيات الدفاع العسكري المشترك مع عدة دول, منها: (الكاميرون، إفريقيا الوسطى، جيبوتي، كوت ديفوار، وغيرها)، واتفاقيات التعاون والمعونة الفنية مع عدة دول، منها (بنين، بوركينافاسو، بوروندي، الكونغو، غينيا، السنغال، توجو، وغيرها).
ومن أمثلة الحالات التي شهدت تدخلاً عسكرياً فرنسياً في القارة التدخل الفرنسي في رواندا عقب مذابح 1994م، وذلك لدعم حكومة الهوتو, ومساندة الرئيس التشادي إدريس ديبي بقوات خاصة لمواجهة المظاهرات الشعبية والتمرد، كما نظّمت فرنسا مناورات عسكرية بالسنغال بالتعاون مع الجماعة الاقتصادية لدول الغرب الإفريقي، وأخرى في الجابون بالتعاون مع الجماعة الاقتصادية لدول الوسط الإفريقي.
وتسعى فرنسا في إستراتيجيتها الجديدة في القارة إلى توسيع شبكة علاقاتها؛ بحيث تتخطى مناطق نفوذها التقليدية إلى دول إفريقية جديدة كانت تابعة للنفوذ البريطاني والبرتغالي والبلجيكي, وبصفة عامة فإن فرنسا تهتم بوجودها في مناطق الاهتمام الأمريكي نفسها؛ ولذلك تحتدم المنافسة بين البلدين في مناطق البحيرات العظمى والقرن الإفريقي والغرب الإفريقي.
إلا أن التنافس الدولي لا يقتصر على القوى الأوروبية والأمريكية فقط؛ فهناك قوى جديدة صاعدة في إفريقيا من أهمها اليابان والصين, وقد تطورت سياسات تلك الدول تماشياً مع الأوضاع الجديدة بعد انتهاء الحرب الباردة.
ويُعَد هذا التنافس الذي تعدّدت أقطابه دليلاً على عودة الاهتمام بالقارة الإفريقية؛ وهو ما تجسّد في الفترة الأخيرة في دعم الدول الصناعية الكبرى لمشروع الشراكة الجديدة لتنمية إفريقيا المعروف باسم «نيباد NEPAD».
ومع انتهاء العهد الاستعماري, حيث كانت المستعمرات السابقة تصوّت كرجل واحد في الأمم المتحدة وراء فرنسا، أخذت الرئاسات الإفريقية تتجه أكثر فأكثر صوب الصين, ولم تعد فرنسا تمسك بزمام الأمور الاقتصادية بمفردها، بل أصبحت تشترك فيها مع الاتحاد الأوروبي والبنك الدولي وصندوق النقد الدولي.
من خلال التحليل السابق؛ يتضح أن الدور الفرنسي في إفريقيا اليوم محل تنافس حقيقي من قِبل قوى دولية على رأسها الولايات المتحدة الأمريكية.
الهوامش والمراجع:
(*) جامعة الزعيم الأزهري - كلية العلوم السياسية والدراسات الاستراتيجية - قسم الدراسات الاستراتيجية.
(1 ) والقواعد موجودة في دول: جيبوتي، تشاد، كوت ديفوار، الكاميرون، الجابون، وكانت آخر قاعدة تمت تصفيتها في السنغال يوم 4 إبريل 2010م، والمتواجدة على الأراضي السنغالية منذ عام 1974. (قراءات إفريقية)
( 2) عملية تركواز Operation Turquoise: مهمة إنسانية أطلق عليها الفرنسيون اسم «‏تركواز‏» في نهاية شهر حزيران (يونيو) ‏1994‏م، تحت ستار مساعدة الضحايا الروانديين، لكن يذكر تقرير أعدّه سبعة حقوقيين روانديين، برئاسة وزير العدل السابق جون ديوو موسيو، عام 2008م، يتألف من ‏166‏ صفحة، أن العملية «‏تركواز‏» لم تكن في الحقيقة سوى غطاء لاستكمال مهمة الفرنسيين العسكرية لمساعدة ميليشيات قبيلة الهوتو في الاستمرار بتنفيذ جريمتهم ضد مواطنيهم من أبناء قبيلة التوتسي‏، ويستشهد التقرير بشهادات ناجين من المذابح الرهيبة، ويتحدث أولئك الشهود عن السلوك التآمري الذي اتبعه الجنود الفرنسيون مع مرتكبي المذابح.‏ (جريدة الأهرام المصرية، العدد 44442، بتاريخ 10 أغسطس 2008م).
(3 ) السياسة الفرنسية في أفريقيا جنوب الصحراء، د. إجلال رأفت، مجلة السياسة الدولية، العدد 145، يوليو 2001م.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق