بسم الله الرحمن الرحيم
سأقدم الان بحث عن توفيق الحكيم واليكم التفاصيل
المقدمة:
يعد "توفيق الحكيم" واحد من أكثر من الكتاب نتاجاَ, وقد تنوعت مؤلفاته مابين: القصة, المقالة والاجتماعية, السيرة الذاتية والمسرح الذي توزعت أعماله فيه على المسرح الاجتماعي, والمسرح الذهبي, المرتكز إلى الفكر الفلسفي. ونظرا إلى تنوع مسرح الحكيم, وعمق طروحاته الفكرية, تم في هذا البحث دراسة الأسطورة الشعبية في مسرحيه, وذلك من حلال ست مسرحيات مستوحاة من أساطير متنوعة, ومن حكايات من التراث الديني أو الشعبي, في محاولة لتسليط الضوء على ما ورد فيها من أجل استنباط خصائصها وميزاتها العامة.
وقد قسم هذا البحث إلى ثلاثة فصول: أضاء أولها على سيرة المؤلف الذاتية وأهم آثارها الأدبية, وتناول الثاني ثلاثة نماذج مسرحية مستقاة من جذور دينية وأهم آثاره الأدبية, وتناول الثاني ثلاثة نماذج مسرحية, مستقاة من جذور دينية أو شعبية شرقية, فيما جاء الفصل الثالث عرضاَ لثلاث مسرحيات مستقاة من أساطير يونانية أو فرعونية واعتمد في هذا العرض على المنهج المعياري التحليلي, من أجل إلقاء الضوء على القالب المسرحي لدي "توفيق الحكيم" الذي اعتمد المزج والتوفيق بين عدة ثقافات, واستقى مؤثرات التراث العالمي والمحلي, من أجل خلق فني وجديد وفريد.
التمهيد:
الحكيم أحد الرواد القلائل للرواية العربية والكتابة المسرحية في العصر الحديث؛ فهو من إحدى العلامات البارزة في حيات الأدبية والفكرية والثقافية في العالم العربي, وقد امتد تأثيره لأجيال كثيرة متعاقبة من الأدباء والمبدعين, وهو أيضا رائد للمسرح والذهني ومؤسس هذا الفن المسرحي الجديد؛ وهو ما جعله يعد واحدا من المؤسسين الحقيقيين لفن الكتابة المسرحية, ليس على مستوى الوطن العربي فحسب وإنما أيضا على المستوى العالمي.
السيرة الذاتية واهم أثارها الأدبية:
ولد توفيق إسماعيل الحكيم بضاحية الرمل بمدينة الإسكندرية عام (1316هـ=1898م) لأب من أصل ريفي وأم من أصل تركي وكانت ابنة لأحد الضابط الأتراك المتقاعدين, وترجع جذوره وأسرته إلى قرية "الدلنجات" بالقرب من "آيتاي البارود" بمحافظة البحيرة, وقد ورث أبو عن أمه 300 فدان من أجود أراضي البحيرة, في حين كان إخوته من أبيه يعيشون حياة بسيطة ويكدون من أجل كسب قوتهم بمشقة واجتهاد.
عاش توفيق الحكيم في جو مترف, حيث حرصت أمه على أن يأخذ الطابع الأرستقراطي, وقد سعت منذ اللحظة الأولى إلى أن تكون حياة بيتها مصطبغة باللون التركي, وساعدها على ذلك زوجها.
في هذا الجو المترف نشأ توفيق الحكيم, وتعلقت نفسه بالفنون والجميلة وخاصة الموسيقى, وكان قريبا إلى العزلة؛ فأحب القراءة وبخاصة الأدب والشعر والتاريخ, وعاش الحكيم أيام طفولته في عزبة والده بالبحيرة, وعندما بلغ السابعة عشرة من عمره التحق بمدرسة دمنهور الابتدائية حتى انتهى من تعليمه الابتدائي سنة (1333هـ=1915م), وقرر والده أن يلحقه بالمدرسة الثانية ولم تكن بدمنهور مدرسة ثانوية؛ فرأى أن يوفد إلى أعمامه بالقاهرة وليلتحق بالمدرسة الثانوية في راعية أعمامة, وقد عارضت والدته في البداية, ولكنها ما لبثت أن كفت عن معارضتها بعد حين.
وانتقل الحكيم ليعيش مع أعمامه في القاهرة والتحق بمدرسة محمد علي الثانوية, وفي تلك الفترة اشتعلت شرارة الثورة الشعبية المصرية سنة (1337هـ=1919م) فشارك الحكيم وأعمامه مع جموع المصريين في تلك الثورة؛ فقبض عليهم واعتلوا بالقلعة بتهمة التآمر على الحكم, وعندما علم أبوه بالخبر أسرع إلى القاهرة وسعى بأمواله وعلاقاته أن يفرج عن ابن وإخوته, ولكن السلطات العسكرية لم تتساهل ومانعت بشدة الإفراج عن أي من المعتقلين, إلا أنه استطاع بعد جهد كبير أن ينقلهم من معسكر الاعتقال بالقلعة إلى المستشفى العسكري.
وبعد أن هدأت الأحداث بدأت السلطات العسكرية تفرج عن المعتقلين, وكان الحكيم وأعمامه من أول من أفرج عنهم فخرج من المعتقل, وقد تركت الحادثة أثرا قويا في نفسه بالنقمة على المستعمرين وشعورا دافقا بالوطنية والوعي التحرري.
وعاد الحكيم في سنة (1338 هـ=1920م) إلى دراسته؛ حيث نال الكفاءة, وثم نال إجازة البكالوريا سنة (1339 هـ=1921م).
وبرغم ميل الحكيم إلى دراسة الفنون الآداب فإنه التحق بمدرسة الحقوق ونزولا على رغبة أبيه, وتخرج فيها سنة (1343 هـ=1925م).
السفر إلى فرنسا
وخلال سنوات دراسته بالجامعة أخرج الحكيم عدة مسرحيات من عام (1340 هـ=1922م) ومثلها فرقة عكاشة على مسرح الأزبكية, وهي مسرحيات: العريس, امرأة الجديدة, وخاتم سليمان, وعلي بابا.
فلما أنهى دراسته في كليه الحقوق قرر السفر إلى فرنسا لاستكمال دراساته العليا في القانون, ولكنه هناك انصرف عن دراسة القانون, واتجه إلى الأدب المسرحي والقصص, وتردد على المسارح الفرنسية ودار الأوبرا.
عاشق توفيق الحكيم في فرنسا نحو ثلاثة أعوام حتى أواسط عام (1346 هـ= 1934م) كتب خلالها مسرحية بعنوان "أمام شباك التذاكر ".
ثم عاد إلى مصر ليلتحق بسلك القضاء في وظيفة وكيل نيابة. وتنقل بحكم وظيفته بين مدن مصر وقراها, وكتب خلال هذه القترة التي استمرت إلى عام (1352 هـ=1934م) يومياته الشهيرة "يوميات نائب في الأرياف", وعددا من المسرحيات مثل مسرحية "أهل الكهف" و "شهرزاد" و "أهل الفن", وعددا آخر من القصص مثل "عودة الروح" و " عصفور من الشرق" و "القصر المسحور".
ثلاثة نماذج مسرحية مستقاة كم جذور دينية وأهم آثاره الأدبية:
الحكيم كاتبا مسرحيا
وقد تألق الحكيم, واشتهر ككاتب مسرحي بعد النجاح الذي حققته مسرحية "أهل الكهف" التي نشرت عام (1351 هـ=1933م), التي مزج فيها بين الرمزية والواقعية على نحو فريد يتميز بالخيال والعمق دون تعقيد أو غموض.
وأصبح هذا الاتجاه هو الذي يكون مسرحيات الحكيم بذلك المزاح الخاص والأسلوب المتميز الذي عرف به.
ويتميز الرمز في أدب توفيق الحكيم بالوضوح وعدم المبالغة في الإغلاق أو الإغراق في الغموض؛ ففي أسطورة "إيزيس" – التي استوحاها من كاتب الموتى – فإن أشلاء أوزوريس الحية في الأسطورة هي مصر المتقطعة الأوصال التي تنظر من يوحدها, ويجمع أبناءها على هدف واحد.
و"عودة الروح" هي الشرارة التي أوقدتها الثورة المصرية, وهو في هذه القصة يعمد إلى دمج تاريخ حياته في الطفولة والصبا بتاريخ مصر؛ فيجمع بين الواقعية والرمزية معا على نحو جديد, وتتخلى مقدرة الحكيم الفنية في قدرته الفائقة على الإبداع وابتكار الشخصيات وتوظيف الأسطورة والتاريخ على نحو يتميز بالبراعة والإتقان, ويكشف عن مهارة تمرس وحسن اختيار للقالب الفني الذي يصب فيه إبداعه, سواء في القصة أو المسرحية, بالإضافة إلى تنوع مستويات الحوار لديه بما يناسب كل شخصية من شخصياته, ويتفق مع مستواها الفكري والاجتماعي؛ وهو ما يشهد بتمكنه ووعيه.
ويمتاز أسلوب توفيق الحكيم بالدقة والتكثيف الشديد وحشد المعاني والدلالات والقدرة الفائقة على التصوير؛ فهو يصف في جمل قليلة ما قد لا يبلغه غيره في صفحات طوال, سواء كان ذلك في رواياته أو مسرحياته.
ويعتني الحكيم عناية فائقة بدقة تصوير المشاهد, وحيوية تجسيد الحركة, ووصف الشعورية والانفعالات النفسية بعمق وإيحاء شديدين.
وقد مرت كتابات الحكيم بثلاث مراحل حتى بلغ مرحلة النضج, وهي:
المرحلة الأولى: وهي التي شهدت الفترة الأولى من تجربته في الكتابة, وكانت عباراته فيها لا تزال قلقلة, واتسمت بشيء من الاضطراب حتى إنها لتبدو أحيانا مهلهلة فضفاضة إلى حد كبير, ومن ثم فقد لجاً فيها إلى اقتباس كثير من التعبيرات السائرة لأداء المعاني التي تجول في ذهنه, وهو ما جعل أسلوبه يشوبه القصور وعدم النضج وفي هذه المرحلة كتب مسرحية أهل الكهف, وقصة عصفور من الشرق, وعودة الروح.
المرحلة الثانية: وقد حاول في هذه المرحلة العمل على مطاوعة الألفاظ للمعاني, وإيجاد التطابق بين المعاني في عالمها الذهني والمجرد والألفاظ التي تعبر عنها من اللغة.
المرحلة الثالثة: وهي مرحلة تطور الكتابة الفنية عند الحكيم التي تعكس قدرته على صوغ الأفكار والمعاني بصورة جيدة وخلال هذه المرحلة ظهرت مسرحياته: "سر المنتحرة" و "نهر الجنون" و "برا كسا", و "سلطان الظلام", و " بجماليون".
رائد المسرح الذهني
وبالرقم من الإنتاج المسرحي الغزير للحكيم, الذي يجعله في مقدمه كتاب المسرح العرب وفي صدارة رواده, فإنه لم يكتب إلا عددا قليلا من المسرحيات التي يمكن تمثيلها على خشبة المسرح ليشاهدها الجمهور, وإنما كانت معظم مسرحياته من النوع الذي يمكن أن يطلق عليه "المسرح الذهني", والذي كتب ليقرأ فيكتشف القارئ من خلاله عالما من الدلائل والرموز التي يمكن إسقاطها على الواقع في سهولة ويسر؛ لتسهم في تقديم رؤية نقدية للحياة والمجتمع تتسم بقدر كبير من العمق والوعي.
وهو يحرص على تأكيد تلك الحقيقة في العديد من كتاباته, ويفسر صعوبة تجسيد مسرحياته وتمثيلها على خشبة المسرح؛ فيقول: "إلى اليوم أقيم مسرحي داخل الذهن, وأجعل الممثلين أفكارا تتحرك في المطلق من المعاني مرتدية أثواب الرموز... لهذا اتسعت الهوة بيني وبين خشبة المسرح, ولم أجد قنطرة تنقل مثل هذه الأعمال إلى الناس غير المطبعة".
ولا ترجع أهمية توفيق الحكيم إلى كونه صاحب أول مسرحية عربية ناضجة بالمعيار النقدي الحديث فحسب, وهي مسرحية "أهل الكهف", وصاحب أول رواية بذلك المعنى المفهوم للرواية الحديثة وهي رواية "عودة الروح", واللتان نشرتا عام (1350 هـ=1932م), وإنما ترجع أهميته أيضا إلى كونه أول مؤلف إبداعي استلهم في أعماله المسرحية والراوية موضوعيات مستمدة من التراث المصري.
وقد استلهم هذا التراث عبر عصوره المختلفة, سواء كانت فرعونية أو رومانية أو قبطية أو إسلامية, كما أنه استمد أيضا شخصياته وقضاياه المسرحية والرومانية من المواقع الاجتماعي والسياسي و الثقافي المعاصر لأمته.
وبالنسبة للمسرح عند الحكيم فقد قسم الحكيم أعماله المسرحية إلى ثلاثة أنماط رئيسية:
أولاً: المسرح الذهني (مسرح الأفكار والعقل )
كتب الحكيم الكثير من المسرحيات الذهنية من أشهرها:
1) مسرحية " أهل الكهف ". ونشرت عام 1933.
تعتبر هذه المسرحية الذهنية من أشهر مسرحيات الحكيم على الإطلاق. وقد لاقت نجاحاً كبيراً وطبعت هذه المسرحية مرتين في عامها الأول كما ترجمت إلى الفرنسية والإيطالية والإنجليزية وهذا أكبر دليل على شهرتها.([1])
والجدير بالذكر أن المسرح القومي قد افتتح بها نشاطه المسرحي؛ فكانت أول العروض المسرحية المعروضة فيه هي: "أهل الكهف" وكان ذلك عام 1935 وكان مخرجها الفنان الكبير زكي طليمات. ولكن للأسف كان الفشل حليفها, واصدم الجميع بذلك حتى الأستاذ توفيق الحكيم نفسه الذي عزا السبب في ذلك إلى أنها كتبت فكرياَ ومخاطبة للذهن ولا يصلح أن تعرض عليماً.([2])
إن محور هذه المسرحية يدور حول صراع الإنسان مع الزمن: وهذا الصراع بين الإنسان والزمن يتمثل في ثلاثة من البشر يبعثون إلى حياة بعد نوم يستغرق أكثر من ثلاثة قرون ليجدوا أنفسهم في زمن غير الزمن الذي عاشوا فيه من قبل. و كانت لكل منهم علاقات اجتماعية تربطهم بالناس والحياة, تلك العلاقات و الصلات التي كان كلاَ منهم يرى فيها معنى حياته وجو هر ها. وفي حينها وعندما يستيقظون مرة أخر يسعى كل منهم ليعيش ويجرد هذه العلاقة الحياتية, لكنهم سرعان ما يدركون بأن هذه العلاقات قد انقضت بمضي الزمن؛ الأمر الذي يحملهم على الإحساس بالوحدة والغربة في عالم جديد لم يعد عالمهم القديم وبالتالي يفرون سريعاً إلى كهفهم مؤثرين موتهم على حياتهم.
2) مسرحية " بيجماليون ". ونشرت عام 1942.
وهي من المسرحيات الذهنية الشهيرة للحكيم, وهي من المسرحيات التي اعتمد فيها الحكيم على الأساطير, وخاصة أساطير الإغريق القديمة.
والأساطير إدراك رمزي لحقائق الحياة الإنسانية التي قد تكون قاسية. وهدفها خلق نوع من الانسجام بين الحقائق الإنسانية حتى تستطيع أن تستجمع إرادتنا و توحد قوانا ويتزن كياننا المضطرب. ([3])
وحسب هذا المفهوم استغل الحكيم الأساطير وخاصة الأساطير اليونانية, فكتب ثلاث مسرحيات أحداثها مستوحاة من التراث الإغريقي الأسطوري و هي: " برا كسا " و " بيجماليون " و " الملك أوديب ". ولكنه بث في هذه المسرحيات أفكاره ورؤيته الخاصة في الموضوع الذي تتحدث عنه كل مسرحية.
3) مسرحية " برا كسا " أو " مشكلة الحكم ". ونشرت عام 1939
وهي أيضاً مستقاة من التراث الإغريقي ويظهر الحكيم من خلال هذه المسرحية و هو يسخر من الإطار الإغريقي من النظام السياسي القائم في مصر و هو الديموقراطية التي لم تكن في تقدير الحكيم تحمل سوى عنوانها. وفي هذه المسرحية التي تحمل الطابع الأريستوفاني جسد الحكيم آراؤه في نظام الأحزاب والكتاب على المغانم الشخصية والتضحية بالمصالح العامة في سبيل المنافع الخاصة.
4) مسرحية " محمد ". ونشرت عام 1936.
لم تتجلى الموهبة العبقرية للحكيم كما تجلت في مسرحيته " محمد " وهي أطول مسرحياته بل أطول مسرحية عربية. و ربما بسبب طولها فإنه من الصعب وضعها على المسرح. و قد استقى الحكيم مادتها من المراجع الدينية المعروفة. و المسرحية بمثابة سيرة للرسول عليه السلام, إذ أنها تشمل فقرات من حياة الرسول تغطي أهم جوانب تلك الحياة.
وهناك الكثير غير هذه المسرحيات الآنفة الذكر كتبها الحكيم, و من أشهر مسرحياته: " شهرزاد " و " سليمان الحكيم " و "الملك أوديب " و " إيزيس " و " السلطان الحائر "... و غيرها.
ثانياَ: مسرح اللامعقول
يقول الحكيم في مجال اللامعقول:
"... إن اللامعقول عندي ليس هو ما يسمى بالعبث في المذاهب الأوربية ...ولكنه استكشاف لما في فننا وتفكيرنا الشعبي من تلاحم المعقول في اللامعقول ... ولم يكن للتيارات الأوربية الحديثة إلا مجرد التشجيع على ارتياد هذه المنابع فنياً دون خشية من سيطرة التفكير المنطقي الكلاسيكي الذي كان يحكم الفنون العالمية في العصور المختلفة.. فما إن وجدنا تيارات ومذاهب تتحرر اليوم من ذلـك حتى شعرنا أننـا أحـق من غيرناً بالبحث عن هذه التيارات في أنفسنا... لأنها عندنا أقدم وأعمق وأشد ارتباطاً بشخصياتنا ".([4])
و لقد كتب الحكيم في هذا المجال العديد من المسرحيات ومن أشهرها:
1) مسرحية " الطعام لكل فم ".
وهي مزيج من الواقعية والرمزية ويدعوا الحكيم في هذه المسرحية إلى حل مشكلة الجوع في العالم عن طريق التفكير في مشروعات عملية خيالية لتوفير الطعام للجميع, فهو ينظر إلى هذه القضية الخطير ة نظرته المثالة نفسها التي تعزل قضية الجوع عن القضية السياسية فالحكيم لا يتطرق هنا إلى علاقة الاستعمار و الإمبريالية التي تنهب خيرات الشعوب نهباً, ولا يتم ذلك إلا بالقضاء على النظام الرأس مالي الاستغلالي وسيادة النظام الاشتراكي الذي يوفر الطعام للكل عن طريق زيادة الإنتاج و التوزيع العادل.
2) مسرحية " نهر الجنون ".
و هي مسرحية من فصل واحد, وتتضح فيها أيضاً رمزية الحكيم وفيها يعيد الحكيم علينا ذكر أسطورة قديمة عن
ملك شرب جميع رعاياه من نهر كان – كما رأى الملك في منامه – مصدر لجنون جميع الذين شربوا من مائه, ثم يعزف هو ورفيق له عن الشرب, وتتطور والأحداث حتى ليصدق رعاياهم فعلاً أن هذين الاثنين الذين لم يشربا مثلهم – بما فيهما من اختلاف عنهم – لابد و أنهما هما المجنونان إذا وعلى ذلك فإن عليهما أن يشربا مثلهم – بما فيهما من من أي إشارة إلى الزمن والمكان وهكذا فإننا نستطيع أن نشعر بصورة أكثر وضوحاً لاعترض الحكيم ضد هذا القسر الذي يزاوله المجتمع على الإنسان فيجبره على الانسياق و التماثل.
وهناك العديد من المسرحيات الأخرى بطابع اللامعقول, و من أهمها: " رحلة إلى الغد " و " لو عرفت الشباب". وفي المسرحية الأولى منهما يسافر رجلان خمسمائة سنة في المستقبل و في الثانية يسترد رجل مسن شبابه و يحاول هؤلاء جميعاَ التكيف مع حياتهم الجديدة ولكنهم يخفقون.
ويخرج الحكيم من هذا بأن الزمن لا يقهر, والخلود لا ينال, ولأنهما أبعد من متناول أيدينا.و إلى جوار فكرة الزمن من يشير الحكيم إلى النتائج الخطير التي يمكن أن تنجم عن البحث العلمي و التقدم فيه.
ثالثاً: المسرح الاجتماعي
خصائص مسرح توفيق الحكيم
يمكن أن نجمل أهم مميزات مسرح توفيق الحكيم فيما يلي:
1) التنوع في الشكل المسرحي عند الحكيم. حيث نجد في مسرحياته: الدراما الحديثة, و الكوميديا, و التراجيوكوميديا, و الكوميديا الاجتماعية. ([5])
2) جمع الحكيم بين المذاهب الأدبية المسرحية في كتاباته المسرحية. حيث نلمس عنده: المذهب الطبيعي والواقعي والرومانسي والرمزي.
3) نتيجة لثقافة الحكيم الواسعة وإطلاعه على الثقافات والأجنبية أثناء إقامته في فرنسا فقد استطاع أن يستفيد من هذه الثقافات على مختلف أنواعها. فاستفاد من التراث الأسطوري لبعض هذه الثقافات, ورجع إلى الأدب العربي أيضاً لينهل من تراثه الضخم ويوظفه في مسرحياته.
4) . استطاع الحكيم في أسلوبه أن يتفادى المونولوج المحلي الذي كان سمة من سبقه. واستبدله بالحوار المشع والحبكة الواسعة.
5) تميز مسرحيات الحكيم بجمال التعبير, إضافة إلى حيوية موضوعاتها.
6) تزخر مؤلفات الحكيم بالتناقض الأسلوبي. فهي تلفت النظر لأول وهلة بما فيها من واقعية التفصيلات وعمق الرمزية الفلسفية بروحها الفكهة وعمق شاعريتها... بنزعة حديثة مقترنة في كثير من الأحيان بنزعة كلاسيكية. ([6])
7) مما يؤخذ على المسرحيات الذهنية عند الحكيم مسألة خلق الشخصيات. فالشخصيات في مسرحه الذهني لا تبدوا حية نابضة منفعلة بالصراع متأثرة و مؤثرة فيه. ([7]
8) تظهر البيئة المصرية بوضوح في مسرحيات الاجتماعية. ويبرز الحكيم فيها من خلال قدرته البارعة في تصوير مشاكل المجتمع المصري التي عاصرتها مسرحياته الاجتماعية في 1لك الوقت, أسلوب الحكيم في معالجته لهذه المشاكل.
9) وظهرت امرأة في مسرح توفيق الحكيم على صورتين متناقضتين. كان في أولاهماً معادياً لها, بينما كان في الأخرى مناصراً و متعاطفاً معها
10) يمكن أن نستنتج خاصية تميز مسرح الحكيم الذهني بصفة خاصة ومسرحيه الاجتماعي ومسرحيه المتصف بطابع اللامعول بصفة عامة و هي النظام الدقيق الذي اتبعه في اختياره لموضوعات مسرحياته وتفاصيلها, و البناء المحكم لهذه المسرحيات الذي توصل إلى أسراره بعد تمرس طويل بأشهر المسرحيات العالمية. ([8])
ونتيجة الاتصال الحكيم بالمسرح العربي فقد كتب عدة مسرحيات كانت مواضيعها شرقية ويدل على ذك عناوينها: " المرآة الجديدة " و " العريس " و " خاتم سليمان " و " علي بابا ". ([9])
بعد ذلك عزم الحكيم على السفر إلى فرنسا لدراسة الحقوق, فأرسله والده إلى فرنسا ليبتعد عن المسرح و التمثيل ويتفرغ لدراسة القانون هناك. و كان سفره إلى باريس عام 1925. و في باريس تطلع الحكيم إلى آفاق جديدة أخرى تختلف عن حياة الشرف فنهل من المسرح بالقدر الذي يروي ظمأه و شوقه إليه. ([10])
و في باريس عاصر الحكيم مرحلتين انتقاليتين هامتين في تاريخ المسرح هناك, و كان ذلك كالتالي:
1) المرحلة الأولى: و عاصر الحكيم فيها مرحلة المسرح بعد الحرب العالمية الأولى. عندما كانت ( المسارح الشعبية ) في الأحياء السكنية, أو ( مسارح البوليفار ) تقدم مسرحيات هنري باتاي, و هنري برنشتن, و شارل ميريه, و مسرحيات جورج فيدو الهزلية. و كانت هذه المسرحيات هي المصدر الذي يلجاً إليه الناقلون في مصر عن المسرح الغربي.
2) المرحلة الثانية: وتتمثل في الحركة الثقافية الجديدة التي ظهرت شيئا فشيئا في فرنسا. وتعتمد على مسرحيات ابسن و بر اندللو و برنارد شو و أندريه جيد و كوكتو وغيرهم. ([11])
و كان هناك أيضاً مسرح الطليعة في مسارح ( الفييه كولومبييه, والايفر, الاتلييه) فأطلع الحكيم على هذه المسارح واستفاد منها لمعرفة النصوص المعروضه واساليب الاخراج فيها . و حاول الحكيم خلال إقامته في فرنسا تعرف على جميع المدارس الأدبية في باريس و منها اللامعقول, إذ يقول الحكيم عن ذلك: " إن اللامعقول والخوارق جزأ لايتجزأ من الحيا في الشرق " . ([12])
وخلال إقامة الحكيم في فرنسا لمدة ثلاث سنوات إستطاع ان يطلع على فنون الأدب هناك , وخاصة المسرح الذي كان شغله الشاغل, فكان نهار أيامه يقضيه في الإطلاع والقراءة والدراسة , وفي الليالي كان يتردد على المسارح و المحافل الموسيقية قاضياً فيها وقته بين الاستفادة والتسلية .
وفي فرنسا عرف الحكيم أن أوروبا بأكملها أسست مسرحها على أًصول المسرح الإغريقي . فقام بدراسة المسرح اليوناني القديم وقام بقراءة المسرحيات اليونانية تراجيدية كانت أو كوميدية التي قام بكتابتها الشعراء المسرحيون اليونانييون . كما اطلع على الأساطير والملاحم اليونانية العظيمة .
و إضاقة على اطلاعه على المسرح الأوربي انصرف الحكيم إلى دراسة القصة الأوربية و مضامينها الوطنية مما حدا به إلى كتابة قصة الشعب المصري في سبيل الحصول على حريته, فكتب قصة " عودة الروح " بالفرنسية, تم حولها فيما بعد إلى العربية ونشرها عام 1933 في جزأين.
و في عام 1928 عاد الحكيم إلى مصر, وعين وكيلاً للنيابة عام 1930, و في عام 1934 نقل مفتشاً للتحقيقات بوزارة المعارف, تم نقل مديراً الإدارة الموسيقى و المسرح بالوزارة عام 1937, تم مديراً للدعاية و الإرشاد بوزارة الشؤون الاجتماعية. و خلال هذه الفترة لم يتوقف الحكيم عن الكتابة في مجالات المسرح و القصة و المقال الأدبي و الاجتماعي و السياسي, إلى أن استقال من عمله الحكومي في عام 1944 وذلك ليتفرغ لكتاباته الأدبية والمسرحية.([13])
وفي نقس العام انضم إلى هيئة تحرير جريدة أخبار اليوم, و في عام 1954 عين مديراً لدار الكتب المصرية, كما انتخب في نفس العالم عضواً عاملاُ بمجمع اللغة العربية. و في عام 1956 عين عضواً متفرغاً بالمجلس الأعلى لرعاية الفنون والآداب بدرجة وكيل وزارة. و في عام 1971, كما ترأس المركز المصري للهيئة الدولية للمسرح عام 1962 و حتى وفاته. ([14])
و فاز توفيق الحكيم بالجوائز و الشهادات التقديرية التالية:
1) قلادة الجمهورية عام1957.
2) جائزة الدولة التقديرية في الآداب عام 1960, ووسام العلوم و الفنون من الدرجة الأولى.
3) قلادة النيل عام 1975.
4) الدكتوراه الفخرية من أكاديمية الفنون عام 1975.
كما أطلع اسمه على فرقة ( مسرح الحكيم ) في عام 1964 حتى عام 1972, و على مسرح محمد فريد اعتباراً من عام 1987. و خلال حياة الحكيم في مصر ظهرت لنا كتاباته أدبية كانت أو مسرحية أو مقالات أو غيرها. وترك لنا الحكيم الكثير من الآثار الأدبية المتنوعة في أساليب كتاباتها, كما ترك لنا ذلك الرصيد الهائل من المسرحيات التي تنوعت بين ذهنية و اجتماعية و أخرى تميل إلى طابع اللامعقول.
و في يوليو من عام 1987 غربت شمس من شموس الأدب العربي الحديث ورمز من رموز النهضة الفكرية العربية, شمس سيبقى بريقها حاضراً في العقلة العربية جيلاً وراء جيل من خلال ذلك الإرث الأدبي و المسرحي الذي أضافته للمكتبة العربية وبلعت مسرحياتة نحو100 مسرحية و 62 كتاباً. فقد رحل نائب الأرياف توفيق الحكيم عن عمر يزيد على الثمانين, بعد حياة حافلة بالعطاء عمادها الفكر وفلسفتها العقل و قوامها الذهن.
الخاتمة:
و هكذا تم بعون الله إعداد هذا البحث الذي يهدف إلى التعرف على مسرح توفيق الحكيم الذي ظل حتى ألان في أنفس وذاكرة الناس وبععض من أمور حياتة في بعض المجتمعات التي عاصرها و أرجو أن ينال هذا البحث المستوى المرجو و المنشود و أن ينال هذا البحث حسن ظنكم.
نتائج الإفادة من البحث:
. تجعل الطالب متمسك بتراثة الشرقي الأصيل.
تجعل الطالب ينوع في كتاباتة الأدبية بدل الكتابة عل نمط واحد
تجعل الطالب مطلع عل المسرح اكثر.
ان شخصية توفيق الحكيم شخصية ناذرة في ذالك الوقت و في الوثت الحالي.
تجعل الطالب اكثر تصميم على استلهام قدراته الكتابية.
الهوامش:
([1]) الاندو . تاريخ المسرح العربي ترجمة د. يوسف نور عوض. ص 110
([2]) أحمد شوقي قاسم. المسرح الإسلامي ورافد و مناهجه . 91.
([3]) د. سامي منير . المسرح المصري بعد الحرب العالمية الثانية بين الفن و النقد السياسي والاجتماعي. ص 19.
([4]) د. عبد الرحمن ياغي. في الجهود المسرحية ( الإغريقية الأوروبية العربية ( من النقاش إلى الحكيم) . ص 185
([5]) د. محمد مبارك الصوري . " في الذكرى الأولى لوفاة توفيق الحكيم ". مجلة البيان. العدد 270 سبتمبر 1988. ص 13.
([6]) أ. بابا دوبولو. " توفيق الحكيم وعملة الأدبية ". المرجع السابق. ص 188
([7]) د. محمد مندور. مسرح توفيق الحكيم. ص 39.
([8]) د. فؤاد دوارة. في النقد المسرحي. ص 39.
([9]) بقلم. أ. بابادبولو. " توفيق الحكيم وعمله الأدبي ". مقالة ضمن مسرحية " السلطان الحائر " . ص 182.
([10]) د. فاطمة موسى. قاموس المسرح ج (2).ص 574.
([11]) أحمد حمر وش . خمس سنوات في المسرح . ص 99 وما بعدها.
([12]) أميرة أبو حجلة. في مصرح الكبار و الصغار. ص 43.
([13]) د. فاطمة موسى. المرجع السابق. ص 574.
([14]) د. فاطمة موسى. نفس المكان.
([15]) د. توفيق الحكيم. سجن العمر. ص 150.
أهم مصادر الدراسة:
أدباء معاصرون: د. أحمد إبراهيم الهوا ر ي – دار المعارف بمصر – القاهرة – (1405 هـ=1985م).
بجماليون: توفيق الحكيم – مكتبة الآداب – القاهرة – (1361 هـ=1942م).
دراسة في أدب توفيق الحكيم: د. رجاء عيد – منشأة المعارف – الإسكندرية (1397هـ=1977م).
عصفور من الشرق: توفيق الحكيم – مطبعة لجنة التأليف و الترجمة و النشر – القاهرة – (1356هـ=1938م).
مفكرون من مصر: سامي خشبة - الهيئة المصرية العامة للكتاب القاهرة – (1420 هـ=2000م).
يوميات نائب في الإرياف: توفيق الحكيم – مطبعة لجنة التأليف و الترجمة و النشر – القاهرة (1355 هـ=1937م)
منقوووووول
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق