بسم الله الرحمن الرحيم
سأقدم الان بحث عن حقيقة الصيام وحكمه
واليكم التفاصيل
هو الإمساكُ عن الطَّعام والشَّراب والنِّكاح، وغيرها من المفطرات بنيَّة العِبادة - فريضةً أو نافلةً - من طلوع الفجر الثاني إلى غروب الشمس.
قال - تعالى -: ﴿ أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ الصِّيَامِ الرَّفَثُ إِلَى نِسَائِكُمْ هُنَّ لِبَاسٌ لَكُمْ وَأَنْتُمْ لِ بَاسٌ لَهُنَّ عَلِمَ اللَّهُ أَنَّكُمْ كُنْتُمْ تَخْتَانُونَ أَنْفُسَكُمْ فَتَابَ عَلَيْكُمْ وَعَفَا عَنْكُمْ فَالْآنَ بَاشِرُوهُنَّ وَابْتَغُوا مَا كَتَبَ اللَّهُ لَكُمْ وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيَامَ إِلَى اللَّيْلِ وَلَا تُبَاشِرُوهُنَّ وَأَنْتُمْ عَاكِفُونَ فِي الْمَسَاجِدِ تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ فَلَا تَقْرَبُوهَا كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ آيَاتِهِ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ ﴾ [البقرة: 187].
فأباح - سبحانه - التمتُّع بهذه الأمور في ليل الصِّيام إلى الفجر، ثم أمَر بالإمساك عنها من طلوع الفجر إلى غروب الشمس.
وقد جاء في السُّنَّة الصحيحة عن النبي - صلى الله عليه وسلم - ذكَر أمورًا أخرى يُفطِر بها الصائم غير تلك المذكورات في الآية، تأتي الإشارةُ إليها في موضعها - إن شاء الله - وألْحَقَ أهلُ العلم بها أمورًا من جنسها قِياسًا عليها؛ لاتِّفاقها في العلَّة.
وصِيام رَمضان هو الرُّكنُ الرابع من أركان الإسلام، وكان فرضُه في السنة الثانية من الهجرة، ودليل فرضيَّته قولُه - تعالى -: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ * أَيَّامًا مَعْدُودَاتٍ فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ فَمَنْ تَطَوَّعَ خَيْرًا فَهُوَ خَيْرٌ لَهُ وَأَنْ تَصُومُوا خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ * شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ ﴾ [البقرة: 183 - 185].
وفي الصحيحين عن النبيِّ - صلى الله عليه وسلم - قال: ((بُنِي الإسلام على خمس: شهادة أن لا إله إلا الله وأنَّ محمدًا رسول الله، وإقام الصلاة، وإيتاء الزكاة، وحج البيت، وصوم رَمضان))[1]، ولمسلمٍ: ((...وصوم رَمضان وحج البيت))[2]، وأحاديث كثيرة بمعناه في الصحيحين وغيرهما من دواوين الإسلام.
وأجمع المسلِمون على فرضيَّته إجماعًا قطعيًّا معلومًا بالضرورة من دين الإسلام، فمَن أنكَرَ وجوبه فقد كفَر؛ فإنَّ العلم بفرضيَّته من العلم العام، الذي توارثَتْه الأمَّة خلَفًا عن سلَف.
ويجبُ الصومُ على كُلِّ مسلمٍ بالغٍ عاقلٍ، مُقِيمٍ قادرٍ، سالمٍ من الموانع؛ لقوله - تعالى -: ﴿ فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ ﴾ [البقرة: 185]، وقوله - صلى الله عليه وسلم - كما في الصحيحين وغيرهما: ((صُومُوا لرؤيته - يعني: الهلال - وأفطِرُوا لرؤيته...)) الحديث[3].
تذكير:
يجب على المسلم أنْ يصوم رَمضان إيمانًا واحتِسابًا، لا رياء ولا سمعة، ولا مجاملة لأحد، ولا موافقة لأهله، أو متابعة لمجتمعه؛ فإنَّ الصائم لا يَنال ثواب الصِّيام، ولا تجتمع له فوائده - إلاَّ إذا كان الحامل له إيمانُه بأنَّ الله - تعالى - فرَضَه عليه؛ رحمةً منه به، وإحسانًا إليه، واحتَسَب الأجرَ على صيامه عند ربِّه، الذي وعَد به الصائمين؛ كما في الصحيح عن النبيِّ - صلى الله عليه وسلم - قال: ((مَن صام رَمضان إيمانًا واحتِسابًا غُفِر له ما تقدَّم من ذنبه))[4]، وقد قال - تعالى -: ﴿ بَلَى مَنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ لِلَّهِ وَهُوَ مُحْسِنٌ فَلَهُ أَجْرُهُ عِنْدَ رَبِّهِ وَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ ﴾ [البقرة: 112]، سواء كانت صومًا أو غيره، والإحسان هو المتابعة والتأسِّي برسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم.
وكذلك يتعيَّن على الصائم فرضًا أو نافلة أن يَصُون صومَه عمَّا حرَّم الله عليه من الأقوال والأعمال والوسائل التي تُبطِل الصِّيام، أو تَقدَح فيه أو تُنقِص ثوابه، فإنَّ المقصود بالصِّيام هو طاعة الله - تعالى - وتعظيم حرماته، وجِهاد النفس على مخالفة الهوى في طاعته، وتَعوِيدها الصبرَ على مَحابِّه وعن محارِمه ابتغاءَ وجهه.
وليس المقصود مجرَّد ترك الطعام والشراب وسائر الشهوات فقط، بل إنما شرع ترك هذه الأمور لأنها وسيلةٌ تُوصِل إلى ذلك، وتُعِين عليه، ولقطع الشواغل عنه والصَّوارِف إلى ضِدِّه.
ولذا صَحَّ في الحديث عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنَّه قال: ((الصِّيام جُنَّة، فإذا كان يوم صوم أحدكم فلا يرفث ولا يَصخَب، فإنْ سَابَّه أحدٌ أو قاتَلَه فليَقُل: إنِّي صائم))[5]؛ لذا ينبَغِي للصائم أنْ يحفظ صيامَه، وأنْ يصون لسانه من جميع الكلام إلا ما ظهرت مصلحته، وترجَّحت فائدته؛ ففي الصحيحين عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: ((ومَن كان يؤمن بالله واليوم الآخر، فليَقُل خيرًا أو ليصمت))[6].
وقد كان السلف الصالح - رحمة الله عليهم - إذا صامُوا قعَدُوا في المساجد، وقالوا: نحفظ صومَنا ولا نَغتاب أحدًا؛ وذلك لأنَّه صَحَّ في الحديث عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنَّه قال: ((مَن لم يدع قولَ الزُّور والعملَ به والجهل، فليس لله حاجةٌ في أن يَدَع طعامَه وشَرابه))[7]؛ رواه البخاري.
ورُوِي عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنَّه قال: ((رُبَّ صائم حظُّه من صيامه الجوع والظمأ))[8].
وفي ذلك التَّحذِير الشَّديد، والزَّجر الأكيد عن أنْ يعرض الصائم نفسَه إلى ما قد يُفسِد صيامَه، أو ينقص ثوابَه من قول الزور والعمل به؛ كالكذب، والبهتان، والغيبة، والنَّمِيمة، والشتم، وفاحِش القول، بل كلُّ ما لا مَصلَحة فيه من الكلام فينبَغِي اجتنابُه والحذَر منه في كلِّ زمان ومكان.
وإذا شرف الزمان كرمضان أو المكان كمكَّة فإنَّ السيئات قد تَعظُم كما أنَّ الحسنات تَتَضاعَف، وربما كسب المُفرِط من آثامِه ما يَفُوقُ حسنات صيامه، ولا حول ولا قوَّة إلا بالله العلي العظيم.
[1] أخرجه البخاري برقم (8) في الإيمان، باب: (قول النبي r: ((بُنِي الإسلام على خمس))، ومسلم برقم (16)، في الإيمان، باب: (بيان أركان الإسلام...) عن عبدالله بن عمرو - رضي الله عنهما.
[2] أخرجه مسلم برقم (16) - 22.
[3] أخرجه البخاري برقم (1909) في الصوم، باب: (إذا رأيتم الهلال فصوموا)، ومسلم برقم (1081) في الصيام، باب: (وجوب صوم رمضان لرؤية الهلال)، عن أبي هريرة - رضِي الله عنه.
[4] أخرجه البخاري برقم (38) في الإيمان، باب: (صوم رمضان إيمانًا واحتسابًا)، ومسلم برقم (760) في صلاة المسافرين وقصرها، باب: (الترغيب في قيام رمضان وهو التراويح) عن أبي هريرة - رضِي الله عنه.
[5] أخرجه البخاري برقم (1904) في الصوم، باب: (هل يقول: إني صائم إذا شُتم؟)، ومسلم برقم (1151) في الصيام، باب: (فضل الصيام)، عن أبي هريرة - رضِي الله عنه.
[6] جزءٌ من حديثٍ أخرَجَه البخاري برقم (6018) في الأدب، باب: (مَن كان يؤمن بالله واليوم الأخر فلا يُؤذِ جاره)، ومسلم برقم (47) في الإيمان، باب: (الحث على إكرام الجار...) عن أبي هريرة - رضِي الله عنه - وأخرجه البخاري برقم (6019) ومسلم برقم (48) عن أبي شُريح - رضي الله عنه.
[7] أخرجه البخاري برقم (1903) في الصوم، باب: (مَن يدع قول الزور والعمل به) عن أبي هريرة - رضِي الله عنه.
[8] أخرجه ابن ماجه برقم (1690) وأحمد في "المسند" (2/373، 441) والبيهقي (4/270)، وصحَّحه السيوطي في "الجامع الصغير"، من حديث أبي هريرة - رضي الله عنه.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق