اخر الأخبار

29‏/10‏/2018

بحث شامل عن مملكة معين

دولة معين، هي أول وأقدم دولة يمنية استطاع المؤرخون أن يتسقطوا أخبارها على وجه اليقين. لكنهم اختلفوا حول تاريخ قيامها واضمحلالها: فهل ظهرت خلال الألف الثالثة أو الثانية ق. م. كما يقول ” غلازر” أم بين 3500-1200، وسقطت سنة 700 ق. م. كما يقول “هومل”؟ ويعارض كل من “هاليفي وموللر وماير وونت هذه الآراء، ويقول الثلاثة الأولون: إن أول ظهور لها لا يمكن أن يسبق الألف الأولى ق. م، بينما يدلي الأخير برأي يخالف الترتيب الزمني لظهور دولتي معين وسبأ، فيجعل الثانية أقدم من الأولى التي يرجع ظهورها إلى 500 ق. م وسقوطها إلى سنة 24 ق. م, أو 50م.

تاريخ دولة معين
لم يذكر المؤرخون والأخباريون العرب القدماء شيئًا عن هذه الدولة، اللهم إلا قولهم بأن معين هو محفد من محافد اليمن وحصن ومدينة، مما يدل على أنهم كانوا يجهلون كونها دولة عربية قديمة. غير أن الآثار التي اكتشفت حديثًا في أرض اليمن قد ألقت بعض الضوء على قبس من تاريخها القديم. ويعود الفضل في اكتشاف آثار عاصمتها معين إلى المستشرق الفرنسي “هاليفي” الذي قرأ اسمها المحفور بالخط المسند على النقوش التي عثر عليها في أنقاضها. كما اكتشف في القرب منها أنقاض مدينتين أخريين وهما يثيل “براقش اليوم” ونشق “البيضاء اليوم”، فتوجهت الأنظار إلى تقصي تاريخ هذه الدولة. وقد تبين أنها ازدهرت في منطقة الجوف، وهي المنطقة السهلية الواقعة بين نجران وحضرموت في الهضبة اليمنية الشرقية. وبعد أن كانت مدينة “معين” الواقعة إلى الشمال الشرقي من صنعاء الحالية، عاصمة سياسية لها، انتقل مركز المملكة إلى مدينة قرنا أو “قرناو” في أواخر عهد الدولة، بينما كانت يثيل عاصمتها الدينية.

حضارة معين

إن ما ساعد على نشوء الحضارة المعينية خصب أرضها ورطوبة مناخها، وتلقيها من الغيث ما يشكل أحيانا سيولًا تجري في وديانها مثل وادي خريد الذي يتجه إلى الداخل، بالإضافة إلى موقعها الجغرافي على طريق الهند، ذلك الذي جعل منها بلدا تجاريا نشيطا دون أن تفقد الصفة الزراعية، كما كان بعض سكانها البدو، قد ثابروا على متابعة حياة الرعي والتنقل. هذه المزايا المتنوعة جعلت منها بلدًا غنيًّا بالمحاصيل التي تشكل مادة تجارية صالحة للتصدير مثل: الطيب والمر والبخور والعطور، فقد كانت بلادا كثيرة الغابات والأغراس، كما يقول المؤرخ “بلينيوس”.
كما كانت البضائع من أقمشة وسيوف وذهب وحرير وريش نعام مستوردة من الهند والصين تتكدس فيها، فتقوم بدور الوسيط التجاري بنقلها إلى الشمال وإلى الغرب عبر باب المندب، وقد احتكرت مقاليد التجارة بين الهند وحوض البحر المتوسط لمدة طويلة. وعلى رأي بعض المؤرخين أن الدولة قد أنشأها التجار وغزاها الغنى التجاري، فانصرفت عناية حكامها إلى الاهتمام بتنشيط التجارة، وإنشاء محطات للقوافل ومراكز تؤمن انسياب تجارتها في كل السبل، من أهمها: معان في شمال خليج العقبة وقريبًا منه، ومنها البتراء عاصمة الأنباط كما يقول المؤرخ اليوناني “سترابون”.
ويظهر أن نفوذ معين التجاري قد امتد حتى خليج البصرة، وإلى جنوب سورية، وحتى الحوض الشرقي للبحر المتوسط بواسطة مدينة غزة التي قيل: إنها كانت أحد المراكز لتصريف التجارة المعينية، ويحتمل أن المعينيين كانوا يفرضون رسومًا جمركية على التي تمر ببلادهم، إضافة إلى ذلك وجد المستشرق “غلازر” أن يثيل كانت مدينة صناعية، فقد عثر في مساحات منها على آثار تشهد بأنها كانت أماكن للصناعة.

ملوك دولة معين

تعاقب على معين عدد من الملوك يصعب معرفة تسلسلهم وتاريخ حكم كل منهم؛ لأن النقوش الكتابية المكتشفة لا تحمل من التواريخ ما يصح الاعتماد عليه، لأنها لا تؤرخ بحوادث معروفة, لكنه قد اتضح منها أسماء 26 ملكًا منهم، ويعتقد أنهم كانوا أكثر من ذلك. وكان هؤلاء يلقبون في صدر الدولة بلقب “مزواد” أو “مزود” وهو لقب يتضمن معنى الكهانة فضلًا عن الحكم السياسي. فإذا قيل مثلا: مزود معين، فمعنى ذلك كاهنها وحاكمها، وذلك قبل أن يستقل الملك بالحكم السياسي ويترك لغيره الكهانة. وقد اتضح من دراسة للمستشرق “موللر” أن نظام الحكم كان ملكيا مقيدا ووراثيا بحيث يرث الابن أباه. ويشارك الملك في الحكم مجلس استشاري يتمتع بسلطات واسعة و من أسماء ملوك معين : “اليفع وقه”، “تبع كرب” ، “يثع ايل صديق”، “أب يدع يثع” “صدق ايل” ،”عم يثع نبط”، “حفن ذرح” ،”اليفع ريام”، “أبيدع يشع” ….الخ
ويبدو أن حكومة معين كانت تتبع النظام اللامركزي في الحكم؛ إذ كانت كل مدينة من مدنها تتمتع باستقلالها الداخلي، لها آلهتها وهيئاتها الدينية، وحكومتها التي يرأسها ممثل للملك يحمل لقب “كبر” “أي كبير”. كما كان لها مجالسها المحلية التي تحكم بين الناس، وتتألف من أشراف المدينة “مسود” والمجتمع المعيني مجتمع قائم على نظام الطبقات، والمعينيون قوم متدينون على العموم، يعيرون الدين أهمية كبيرة، وللمرأة مكانة محترمة في المجتمع وتتمتع بحرية واسعة.

لغة دولة معين

أما اللغة التي تكلمها المعينيون فكثيرة الشبه باللغة الحميرية والسبئية، الحروف واحدة مع اختلاف في اللهجة، وفي بعض الضمائر، كما هي شبيهة باللغة العربية الشمالية، وقد اقتبسوا الهجائية الفينيقية لكتابتها. وقد اتضح من الدراسات التي أجريت حول آلهتهم أن أسماءها تشبه أسماء آلهة البابليين، وأبرزها الإله “ود” لكن المعلومات عنها لا تزال قليلة لا تخول المؤرخ أن يكوِّن فكرة واضحة عنها.

نفوذ دولة معين

لقد ازدهرت المملكة في الجوف، لكنها سرعان ما بسطت سيطرتها على كل بلاد العرب الجنوبية بما فيها حضرموت وقتبان، وامتد نفوذها حتى شواطئ البحر الأبيض المتوسط والخليج العربي وبحر عمان بحيث شمل كل شبه الجزيرة العربية، وامتد إلى الشمال الغربي منها حتى حوض الفرات الأسفل بدليل أن عدة كتابات معينية ظهرت فيها؛ ولذلك يعتقد الباحثون أن الإمارات الصغيرة التي كانت تحكم هناك كانت تتبع الدولة المعينية. لكن الدولة لم تكن -على ما يظهر- دولة حرب بل دولة تجارة، شأنها كشأن الدولة الفينيقية، إذ كانت طرقها التجارية تخترق أواسط شبه جزيرة العرب، كما كانت مستعمراتها تنتشر شمالا إلى أعالي الحجاز بدليل ما عثر عليه من النقوش المعينية في “العلا” قرب وادي القرى، وفي الصفا وحوران وغيرها.

غير أن سيطرتها على أراضي قتبان وحضرموت في الجنوب قرب البحر كانت تختلف بحسب الظروف، ففي أوقات كان لهذه المناطق أمراؤها أو ملوكها الذين يحكمون مستقلين، وأحيانا كانوا يخضعون لحكم معين. وتدل نتائج بحوث المستشرقين على أن حكومات المدن التي كانت تتبع لمعين، على طريقة النظام اللامركزي، قد انتهزت الضعف الذي حل بملوكها منذ القرن الثالث قبل الميلاد، فأخذت تقوي نفسها وتستقل في جميع شئونها. وقد استنتج “غلازر” من أحد النقوش أن جيرانها السبئيين الذين كانوا يقيمون في الجهات الغربية قد شنوا عليها حروبًا متصلة، وظلوا يبتلعون منطقة تلو أخرى من أراضيها حتى أسقطوها، وقامت على أنقاضها دولة سبأ في عام 650 أو 630 ق. م. التي استقطبت جميع المدن المستقلة التي كانت تتبع لمعين.

هناك تعليق واحد:

  1. مملكة معين الموجودة في جنوب الجزيرة العربية (اليمن) هي الحضارة الثانية للمعينيين الشماليين (معين مصران). وهذا ما أشار إليه الباحث (علي عمر سكيف) في بحثه (أوّل اكتشاف لأصل ومنشأ الأبجدية العربية) و (أوَّل من صكَّ النقود في العالم القديم).
    لقد بنى الباحث بحثه من المعلومات التي استخلصها من الكتابة والرسومات الموجودة على وجهي قطعتين من النقود الذهبية عُثِرَ عليهما في شمال غرب المملكة العربية السعودية وجنوب الأردن حالياً. حيث كانت الحضارة الأولى للمعينيين . حبث عُثِرَ على كتابات معينية تعود إلى أوائل الألف الثاني ق . م . بل إنَّ بعضها بعود إلى أواخر الألف الثالثة ق . م . وهذا ماصرَّح به المستشرق (كلاسر).
    للمزيد من المعلومات راجعوا على اليوتوب (أوَّل اكتشاف لأصل ومنشأ الأبجدية العربية) للباحث على عمر سكيف.

    ردحذف