بسم الله الرحمن الرحيم
سأقدم الان بحث عن الباابا أربان الثانى مدبر الحرب الصليبية الاولي
تضافرت الجهود لدرء الخطر الإسلامي على المسيحية ، لاسيما وان الأرض المقدسة كانت
في أيدي المسلمين . وظهرت دعوة لتوحيد صفوف المسيحيين في الشرق والغرب وشن حرب
شاملة ضد المسلمين ، وتزعمت البابوية تلك الحركة مدفوعة بالأمل في تحقيق حلمها القديم في
تحقيق زعامتها على الكنيسة العالمية . وهكذا برزت فكرة الحروب الصليبية ، بزعامة البابويةلكسر شوكة المسلمين .
وفي 27 نوفمبر 1095 م انعقد مؤتمر كلير مونت ( 1 ) بفرنسا دعي إليه البابا أوربان الثاني بعد
أن فشل مؤتمر بيانزا في ايطاليا ، ولقد عمل البابا على إنجاح هذا المؤتمر ، فقام بعدة جولات
لدعوة الأساقفة ورؤساء الكنائس ، بالإضافة إلى ملوك وأمراء أوروبا لحضور المؤتمر ،
ليشهدوا لقاء البابا ويستمعوا إلى خطابه الذي أراد به أمورا هامة لم يفصح عنها ، وكذلك
مناقشة بعض أمور الكنيسة والتي منها توقيع عقوبة الحرمان على ملك فرنسا فيليب الأول الذي
رفض حضور المجمع ( 2 ) واجتمع المجلس التاريخي في مقاطعة أوفرني ، وهرع إليه الآلاف
، لم يقف في سبيلهم برد نوفمبر القارس . ونصب القادمون خيامهم في الأرضي المكشوفة ،
فتقرر إقامة الكرسي البابوي على منصة مرتفعة في الفضاء خارج الباب الشرقي للمدينة ،
ونهض أوربان ليخاطبهم ويدعوهم للاتحاد لاستخلاص الأرض المقدسة من المسلمين ( 3 ) ، وقد
عرض البابا على المجتمعين خطابه في أسلوب بلاغي جذاب موضحا مدى ما تعانيه الأرض
المقدسة وحجاجها من متاعب ( 4 ) بسبب سيطرة المسلمين عليها الأمر الذي صار يتطلب من
المسيحيين الغربيين الإسراع لنجدة إخوانهم في الشرق ( 5 ) وبعد أن وصف الصورة القاتمة ،
وجه نداءه الشهير ( طهروا قلوبكم من أدران الحقد ، واقضوا على ما بينكم من نزاع ، واتخذوا
طريقكم إلى الضريح المقدس ، وانتزعوا هذه الأراضي من ذلك " الجنس الخبيث " ،
وتملكوها انتم . إن أورشليم ارض لا نظير لها في ثمارها ، هي فردوس المباهج . إن المدينة
العظمى القائمة في وسط العالم تستغيث بكم أن هبوا لإنقاذها ، فقوموا بهذه الرحلة راغبين
متحمسين تتخلصوا من ذنوبكم ، وثقوا بأنكم ستنالون من اجل ذلك مجدا لا يفنى في ملكوت
السموات ) ( 6 ) وعلت أصوات هذا الجمع الحاشد المتحمس قائلة " تلك إرادة الله " وردد أوربان
هذا النداء ودعاهم إلى أن يجعلوا نداءهم في الحرب وأمر الذاهبين إلى الحرب أن يضعوا
علامة الصليب على صدورهم . وتقدم بعض النبلاء من فورهم ، وخروا راكعين بين يدي البابا
، ووهبوا أنفسهم وأموالهم لله وحذا حذوهم ألاف من عامة الشعب ، وخرج الرهبان والنساك من
صوامعهم ليكونوا جنود المسيح بالمعنى الحرفي لهذا اللفظ لا بمعناه المجازي . ولا شك في أن
نجاح خطبة البابا كان خارقا ، فانطلقت الجماهير تردد " هذه مشيئة الله " وكان الأسقف أدهمار
أسقف بوي أول من حمل الصليب ، وتبعه في ذلك كثير من الحاضرين من رؤساء الكنائس ( 7 )
ومن القوات المختلفة الرتب متحالفين على المحاربة ، وكذلك الأمراء ، حيث قاموا واستلموا من
البابا سنجق الصليب ، بعد ذلك هبت الجماهير يمزقون الثياب ليصنعوا منها صلبان قماشية
لوضعها على الأكتاف تيمنا بالمسيح . ( 8 ) ورجع البابا إلى روما ، واستقبلته بالترحاب ، واخذ
على عاتقه أن يحل جميع الصليبيين من جميع القيود التي تعوقهم عن الانضمام إلى المقاتلين .
فحرر رقيق الأرض ، وحرر التابع الإقطاعي طوال مدة الحرب مما عليه من الولاء لسيده ؛
ومنح جميع الصليبيين ميزة المحاكمة أمام المحاكم الكنسية لا أمام المحاكم الإقطاعية ، وضمن
لهم مدة غيابهم حماية الكنيسة لأملاكهم . وأمر بوقف جميع الحروب القائمة بين المسيحيين و
المسيحيين ، ووضع مبدأ للطاعة يعلو على قانون الولاء الإقطاعي ؛ وهكذا توحدت أوروبا كما
لم تتوحد في تاريخها كله ، استعدادا للحرب المقدسة .
البابوية تشرف على الحرب الصليبية
لقد سعت الكنيسة أن تكون الحرب الصليبية تحت قيادتها وباسمها وتحت إشرافها ، وان يكون
لها دورها حتى في اختيار قادة الحملات ، وان تمدهم بالتعليمات والإرشادات التي عليهم
الامتثال لها ( 9 ) وقد برز دور الكنيسة في هذه الحروب لعدة أسباب :
1 – حماية أموال المحاربين وخاصة إذا علمنا أن المشاركين من الأمراء والبارونان والدوقات
أي أنهم الفئة الإقطاعية في أوروبا .
2 – اختيار الكنيسة لرجال الدين المرافقين للحملات والذين يتولون الوعظ والإرشاد والتوجيه .
محاولة منها لإعطاء الطابع الديني لهذه الحملات ، وقد ذكر بعض المؤرخون أن كثيرا من
أسماء رجال الدين المشاركين في الحملات الصليبية ، قد كانت مهمتهم تذكير المشاركين فيها
بالهدف الاسمي وهو تحرير بيت المقدس السجين ، وتخليص المؤمنين المسيحيين من أيدي
المسلمين ، وفض النزاعات التي قد تثور بين المشاركين في الحملات أو التوفيق بينهم ( 10 )
وكذلك إلهاب حماس المحاربين ( 11 )
خلاصة القول فان الكنيسة الكاثوليكية في الغرب كان لها دور فعال في توجيه الحروب الصليبية
وفي السيطرة عليها باسم الدين ، فهي التي دعت إليها ، وهي التي أمدتها بتأييدها الأدبي
والمعنوي ، وهي التي شجعت المحاربين من كافة الأجناس والفئات على الاشتراك فيها مقدمة
كافة التسهيلات اللازمة لكل من يحمل الصليب ، وأخيرا فإنها عينت ممثلا لها مندوبا بابويا
للإشراف على الحرب .
المراجع :
1 – سعيد عبد الفتاح عاشور : أوروبا في العصور الوسطى ، ج1 . مكتبة الانجلو المصرية ،
القاهرة 1972 . ص 44 .
2 – smith ( j. r ) : the crusades . a short history . Yale univ .press. London .
1987 .p 3 .
3 – ستيفن رنسيمان : تاريخ الحروب الصليبية ، ج1 . ط 1 . ترجمة السيد الباز العريني ،
دار الثقافة ، بيروت 1967 . ص 160 – 161 .
4 – ستيفن رنسيمان : المصدر السابق . ص 161 .
5 – سعيد عبد الفتاح عاشور : الحركة الصليبية ، ج1 ، ط 3 . مكتبة الانجلو المصرية .
1975 . ص 128 – 129 .
6 – ول ديورانت : قصة الحضارة ، ج 4 المجلد الرابع ، عصر الإيمان ، ترجمة محمد بدران
، الإدارة الثقافية جامعة الدول العربية ، القاهرة 1957 . ص 14 – 17 .
7 – سعيد عبد الفتاح عاشور : الحركة الصليبية . ص 129 .
8 – هانس إبراهارد ماير : تاريخ الحروب الصليبية ، ترجمة السيد الباز العريني . دار النهضة
العربية ، 1967 . ص 24 .
9 – Michaud ( m ) : histoire des croisades . vols 6 . paris . 1838 p 81 .
10 – pernoud ( r ) : les homes de croisade . librairi jules tauoudin paris
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق