اخر الأخبار

20‏/3‏/2019

بحث شامل ومفصل عن سلالة بابل الاولي (الاموريون)

بحث شامل ومفصل عن سلالة بابل الاولي (الاموريون)

مما لا مراء فيه ان تلك القبائل الآمورية غير المتحضرة كما وصفت وبعد ان تعلمت من المراكز الحضارية السومرية التحضر لقربها منها نجدهم يقضون نهائياً على النفوذ السياسي السومري في بلاد الرافدين حيث كانت نهاية سلالة اور الثالثة السومرية (2112-2004 ق. م)على ايديهم وبعدها أخذوا يؤسسون دويلات مهمة في بلاد الرافدين بحيث اصبح النصف الاول من الالف الثاني ق.م يتميز بسيادة تلك الدويلات الآمورية في العصر البابلي القديم (2004-1595 ق. م)(1).
بحث شامل ومفصل عن سلالة بابل الاولي (الاموريون)
ان الموجات البشرية الامورية التي انحدرت الى بلاد الرافدين قد جاءت بالدرجة الأولى من البوادي الكائنة الى شمال غربي الفرات (بادية الشام وبادية العراق) ومن اعالي الفرات وشمالي ما بين النهرين، في حين خصت النصوص المسمارية ذكر موطنهم الذي احتك من خلاله سكان وادي الرافدين بهم بالمرتفعات المسماة جبل (بسار) ومنه نزحوا اليه حيث يذكر لنا الملك الأكدي (شاركالي-شري) (2217-2193 ق.م) انه غزاهم في تلك المرتفعات(2)، والتي يمكن تحديدها ما بين تدمر ودير الزور حيث تمتد من شمال شرقي تدمر الى الفرات، وقد وردت تلك المرتفعات بأسماء متعددة في اخبار حضارة وادي الرافدين مثل (بسلا) و(بسرى) أو (بسير) والمقصود بها جبل بشري(3).
كان دخول الاموريين الى بلاد الرافدين في البداية سلمياً وبأعداد قليلة حيث ترد اسماء البعض منهم في نصوص سلالة أور الثالثة على انهم كانوا يملكون حقولاً او يمارسون وظائف معينة، غير ان هذا الدخول السلمي تزايد واصبح فيما بعد سبباً في انهاء دولة أور الثالثة في عهد أخر ملوكها ابي سين (2028-2004 ق. م) حيث مثل هذا الدخول الهجرة الأولى للأموريين الى بلاد الرافدين والتي نتج عنها تأسيس عدة سلالات من أهمها سلالتا ايسن ولارسا(4)، وقد استوطنت القبائل الامورية ايضاً في منطقة عنه على الفرات ومنطقة اشنونا وياموت بعل (شرق دجلة باتجاه نهر ديالى)(5). ونلاحظ ان سكنهم الاول في بلاد الرافدين قد تركز في وادي الفرات، ويبدو ان من اهم اسباب ذلك ان هذا الوادي يتصل اتصالاً مباشراً بقبائلهم التي كانت في بلاد الشام وفي داخل الجزيرة العربية(6).
بعد زهاء القرن الواحد عن الهجرة الأولى لهم انحدرت من جهات الفرات الأعلى والأوسط جماعات اخر من الاموريين الى وادي الرافدين حيث استطاع شيوخ قبائلهم ان يؤسسوا مشيخات أو سلالات حاكمة لعل من اشهرها سلالة بابل الأولى (1894-1595 ق.م) التي كانت أهم السلالات التي تأسست في العصر البابلي القديم(7) والذي تميز بازدهار المعارف والعلوم(8) وتشريع القوانين ومنها قانوني لبت عشتار واشنونا وشريعة حمورابي الشهيرة(9).
ومن القبائل الأمورية المهمة قبيلة امانوم التي ينتسب اليها سن كاشد (1860-1833 ق.م). الذي اسس في الوركاء سلالة حاكمة واطلق على نفسه لقب ملك امنانوم، فيما اطلق على الوركاء احيانا اسم مدينة الأمنانيين مما يدل على سكن هذه القبيلة الآمورية في هذه المدينة، فيما كانت مدينة سبار مستوطنة لقبيلة ياخرورو حيث نجد اسمها يتردد في رسائل ماري ويظهر انها قد طغت على منطقة سبار بحيث اصبحت المدينة تدعى باسم سبار ياخروروم، ومن القبائل الآمورية الأخرى كان السوتيون والحانيون الذين سكنوا في منطقة واسعة تصل حتى الرمادي والفلوجة الحاليتين(10).
الاموريون في بابل:
لقد اختار الآموريون مدينة بابل على نهر الفرات لتكون مركز عاصمة لهم وكان هذا الاختيار موفقاً ذلك لأنها تقع في القسم الاوسط من سهل العراق، كما انها تتمتع بموقع يتوسط اكثف مراكز العمران فيما كان يعرف من جهة باسم بلاد سومر وكان يعرف من جهة اخرى باسم بلاد اكد حيث كان هذا الموقع المتميز لهذه المدينة يمكن الحكومة المركزية من فرض سيطرتها على مناطق واسعة من سهل العراق(11)، كذلك يلاحظ ان مدينة بابل كانت محمية حماية طبيعية في معظم جوانبها، فنهر الفرات يحميها من جهة الغرب، كما يحميها من جهة الشمال ومن جهة الشرق فروع وقنوات لهذا النهر وتتبع انحدار السطح في ارض اكد نحو الشرق ونحو الجنوب الشرقي الى نهر دجلة حيث تشكل هذه الفرع خطوط دفاع قوية عنها من جهة ارض الجزيرة وكذلك من جهة وادي دجلة، كما ان حوض القسم الاوسط من نهر الفرات يتضمن عدة مسالك تسير عليها القوافل التجارية بين سهل العراق وبين سواحل البحر المتوسط عبر اراضي بلاد الشام(12).
ان هذا الموقع المهم لمدينة بابل عاصمة سلالة بابل الأولى الآمورية مكنها من الاستمرار في الحكم لمدة طويلة قاربت من ثلاث قرون، كما ساعدتها على ذلك الأحوال التأريخية التي سادت البلاد من الحروب ما بين السلالات الآمورية المتعاصرة وسياسة ملوك هذه السلالة في الافادة من ذلك النزاع لصالح دولتهم لكي تكون اطول السلالات الحاكمة عمراً واشدها بأساً، بحيث انها ورثت زعامة البلاد في النهاية من بعد تصفية السلالات الحاكمة في المدن الاخرى التي ورد ذكرها آنفاً بعضها بعضاً(13). وقد بلغت هذه السلالة اوج قوتها وعظمتها وازدهارها السياسي والحضاري في عهد ملكها الشهير حمورابي (1792-1750 ق.م) الذي استطاع ان يوحد البلاد ويبني دولة قوية مترامية الاطراف بعد ضمه لجميع السلالات الأمورية الحاكمة تحت لواء القطر الموحد عام 1753 ليصبح سيد بلاد الرافدين بلا منازع من اقصى الشمال الى الخليج العربي بعد ان ضم بلاد اشور ومنطقة ماري ثم اتجه الى بلاد الشام(14) وحق له ان يتخذ اللقب الفخم ((الملك العظيم، ملك بابل، ملك بلاد الاموريين كلها (بلاد الشام)، ملك بلاد سومر واكد، ملك جهات العالم الاربع))(15).
لم ينقطع ذكر الاموريين بعد نهايتهم السياسية وسقوط سلالة بابل الاولى على يد الحثيين عام 1595 بل تتواصل اخبارهم العصر البابلي الحديث (626-539 ق.م)، ففي النصوص المسمارية التي تعود الى العصر الاشوري الوسيط (1521-911 ق.م) والحديث (911-612 ق.م)اطلقت كلمة آمورو وللدلالة على الأقسام الداخلية لبلاد سوريا فيذكر تجلات بليزر الأول (1115-1077 ق. م):
((بعد وصولي الى جبال لبنان قطعت واخذت اشجار الارز الى معابد أنووآشور، رجعت الى الاموريين وقهرتهم تماماً، واستلمت الجزية من جبيل وصور وارواد))(16).                                              
ويذكر شلمنصر الثالث (858-824 ق.م) انه استلم هدايا الولاء من ملوك الأموريين في صور وجبيل وغيرها من المدن الساحلية(17)، وآخر ذكر لهم وردنا من العصر البابلي الحديث في نص يعود الى الملك نبونائيد (555-539 ق.م)(18).
________
(1)Kuhrt، D.، The Ancient near East 3000-330 B.C.، P. 108 f.
(2) ادزارد، اوتو، "العصر البابلي القديم"، الشرق الادنى الحضارات المبكرة، ص 176.
(3) باقر، طه، مقدمة ... ، ج 1، ص 408.
مرعي، عيد، تاريخ بلاد الرافدين، ص 75.
(4) المصدر نفسه، ص 76.
(5) الأحمد، سامي سعيد، العراق القديم، ج2، (بغداد، 1983)، ص 164.
(6) شريف، ابراهيم، الموقع الجغرافي للعراق واثره في تاريخ العالم حتى الفتح الاسلامي، ج1، (بغداد، بدون سنة طبع)، ص 106.
(7) الأحمد، سامي سعيد، العراق القديم، ج2، ص 189.
(8) باقر، طه، موجز في تاريخ العلوم والمعارف في الحضارات القديمة والحضارة العربية الاسلامية، (بغداد، 1980)، ص 18 وما بعدها.
(9) حول هذه القوانين انظر:
سليمان، عامر، القانون في العراق القديم، ط 2، (بغداد، 1987)، ص 199 وما بعدها.
رشيد، فوزي، الشرائع العراقية القديمة، ط 3، (بغداد، 1987)، ص 53 وما بعدها
(10) الأحمد، سامي سعيد، العراق القديم، ج2، ص 164.
(11) شريف، ابراهيم، الموقع الجغرافي للعراق، ص 106.
(12)شريف، ابراهيم، الموقع الجغرافي للعراق، ص 107.
(13) باقر، طه، مقدمة، ج1، ص 426-427.
(14) ادزارد، أرتو، الشرق الادنى الحضارات المبكرة، ص 191 وما بعدها.
(15) باقر، طه، مقدمة، ج1،ص 432.
وحول تفاصيل تحقيق الوحدة من قبل حمورابي. انظر:
الأعظمي، محمد طه، حمورابي، ص 69 وما بعدها.
(16) Wiseman، D.J.، Peoples of Old Testament Times، (Gerat Britain، 1975)، P 119.
 (17)ibid.
(18) ANET.، 1969، P 305.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق