اخر الأخبار

23‏/3‏/2019

بحث شامل ومفصل عن دولة المماليك العظيمة

بحث شامل ومفصل عن دولة المماليك العظيمة

المماليك هم سلالة من الجنود حكمت مصر والشام والعراق وأجزاء من الجزيرة العربية أكثر من قرنين ونصف القرن وبالتحديد من 1250 إلى 1517 م.تعود أصولهم إلى آسيا الوسطى.قبل أن يستقروا بمصر أسسوا في مصر والشام دولتين متعاقبتين وكانت عاصمتهم هي القاهرة: الأولى دولة المماليك البحرية، ومن أبرز سلاطينها عز الدين أيبك وقطز والظاهر بيبرسوالمنصور قلاوون والناصر محمد بن قلاوون والأشرف صلاح الدين خليل الذي استعاد عكا وآخر معاقل الصليبيين في بلاد الشام، ثم تلتها مباشرة دولة المماليك البرجية بانقلاب عسكري قام به السلطان الشركسي برقوق الذي تصدى فيما بعد لتيمورلنكواستعاد ما احتله التتار في بلاد الشام والعراق ومنها بغداد. فبدأت دولة المماليك البرجية الذين عرف في عهدهم أقصى اتساع لدولة المماليك في القرن التاسع الهجري. وكان من أبرز سلاطينهم برقوق وابنه فرج وإينال والأشرف سيف الدين برسباي فاتحقبرص وقانصوه الغوري وطومان باي.

بحث شامل ومفصل عن دولة المماليك العظيمة
وقد تهيأت عوامل كثيرة أسهمت إسهاماً كبيراً في تأسيس دولة المماليك، هذه الدولة التي خرجت من رحم الدولة الأيوبيةوقامت على أنقاضها، ومن تلك العوامل ضعف الدولة الأيوبية، حيث ترك صلاح الدين الأيوبي بعد وفاته دولة واسعة الأرجاء، وقد وزع في حياته البلاد الواقعة تحت سيطرته على أفراد عائلته، فتقاسم هؤلاء تركته بعد وفاته، وفي ظل ما حدث من الحروب والمؤامرات بينهم استطاع الملك العادل (ت 615هـ) أخو صلاح الدين الأيوبي توحيد الدولة الأيوبية تحت سلطانه، ولكنه ارتكب خطأ عندما وزع إرثه على أولاده، فأدى هذا التوزيع إلى التنافر والتحاسد بين الإخوة، وبسبب هذه المنافسات والمنازعات أكثر الأيوبيون من شراء المماليك، وكانت كل مجموعة تنسب إلى صاحبها الذي اشتراها وتولاها بالتدريب، وحدث التحول الهام
كان هؤلاء المماليك عبيدا استقدمهم الأيوبيون، زاد نفوذهم حتى تمكنوا من الاستيلاء على السلطة سنة 1250 م. كان خطة هؤلاء القادة تقوم استقدام المماليك من بلدان غير إسلامية، وكانوا في الأغلب أطفالاً يتم تربيتهم وفق قواعد صارمة في ثكنات عسكرية معزولة عن العالم الخارجي، حتى يتم ضمان ولاؤهم التام للحاكم. بفضل هذا النظام تمتعت دولة الممليك بنوع من الاستقرار كان نادرا آنذاك.
قام المماليك في أول عهد دولتهم بصد الغزو المغولي على بلاد الشام ومصر وكانت قمة التصدي في موقعة عين جالوت. بعدها وفي عهد السلطان بيبرس (1260-1277 م) والسلاطين من بعده، ركز المماليك جهودهم على الإمارات الصليبية في الشام. قضوا سنة 1290 م على آخر معاقل الصليبيين في بلاد الشام (عكا).
أصبحت القاهرة مركزا رئيسا للتبادل التجاري بين الشرق والغرب، وازدهرت التجارة ومعها اقتصاد الدولة. قام السلطان برقوق(1382-1399 م) بقيادة حملات ناجحة ضد تيمورلنك وأعاد تنظيم الدولة من جديد. حاول السلطان برسباي (1422-1438 م) أن يسيطر على المعاملات التجارية في مملكته، كان للعملية تأثير سيء على حركة هذه النشاطات. قام برسباي بعدها بشن حملات بحرية ناجحة نحو قبرص.
منذ العام 1450 م بدأت دولة الممليك تفقد سيطرتها على النشاطات التجارية. أخذت الحالة الاقتصادية للدولة تتدهور. ثم زاد الأمر سوءا التقدم الذي أحرزته الدول الأخرى على حسابهم في مجال تصنيع الآلات الحربية.
سنة 1517 م يتمكن السلطان العثماني سليم الأول من القضاء على دولتهم. ضمت مصر، الشام والحجاز إلى أراض الدولة العثمانية.
تمتع الممليك خلال دولتهم بشرعية دينية في العالم الإسلامي وهذا لسبيبن، تمكلهم لأراضي الحجاز والحرمين، ثم استضافتهم للخلفاء العباسيين في القاهرة منذ 1260 م.
أصل المماليك:
كانت تسمية المماليك تشير إلى العبيد البيض الذين يؤسرون في الحروب أو يتم شراؤهم في الأسواق، وكان الكثير منهم جنود وقادة بالجيش، وما لبثوا أن استولوا على الحكم في نهاية حكم الدولة الأيوبية بمصر. قد كانت فكرة الاستعانة بالمماليك في الشرق الأدنى منذ أيام العباسيين.[1] وأول من إستخدمهم كان الخليفة المأمون. ولكن استقدم الخليفة العباسي المعتصم بالله جنود تركمان ووضعهم في الجيش كي يعزز مكانته بعد ما فقد الثقة في العرب والفرس التي قامت عليهم الدولة العباسية، ولقد شجع ذلك الخلفاء والحكام الآخرين في جلب المماليك. واستخدم حكام مصر من الطولونيين والأخشيديين [2]والفاطميين والأيوبيين المماليك. أحمد بن طولون (835-884م) كان يشترى مماليك الديلم، ولقد كانوا من جنوب بحر قزوين، ووصل عددهم إلي 24 ألف تركى وألف أسود و 7 آلاف مرتزق حر.جلب الأسرى من القفقاس وآسيا الصغرى إلى مصر من قبل السلطان الصالح أيوب، لذا يكون أصل المماليك من الأتراك والروم والأوروبيين والشراكسة, جلبهم الحكام بعد ذلك ليستعينوا بهم. حيث كان كل حاكم يتخذ منهم قوة تسانده، ودعم الأمن والاستقرار في إمارته أو مملكته. وممن عمل على جلبهم الأيوبيون. كما كان المماليك يبايعون الملوك والأمراء، ثم يدربون على الطاعة والإخلاص والولاء.

ان الصالح أيوب -ومن تبعه من الأمراء- لا يتعاملون مع المماليك كرقيق.. بل على العكس من ذلك تماماً.. فقد كانوا يقربونهم جداً منهم لدرجة تكاد تقترب من درجة أبنائهم.. ولم تكن الرابطة التي تربط بين المالك والمملوك هي رابطة السيد والعبد أبداً، بل رابطة المعلم والتلميذ، أو رابطة الأب والابن، أو رابطة كبير العائلة وأبناء عائلته.. وهذه كلها روابط تعتمد على الحب في الأساس، لا على القهر أو المادة.. حتى إنهم كانوا يطلقون على السيد الذي يشتريهم لقب "الأستاذ" وليس لقب "السيد"..
ويشرح لنا المقريزي كيف كان يتربى المملوك الصغير الذي يُشترى وهو ما زال في طفولته المبكرة، فيقول: "إن أول المراحل في حياة المملوك هي أن يتعلم اللغة العربية قراءة وكتابة، ثم بعد ذلك يُدفع إلي من يعلمه القرآن الكريم، ثم يبدأ في تعلم مبادئ الفقه الإسلامي، وآداب الشريعة الإسلامية.. ويُهتم جداً بتدريبه على الصلاة، وكذلك على الأذكار النبوية، ويُراقب المملوك مراقبة شديدة من مؤدبيه ومعلميه، فإذا ارتكب خطأً يمس الآداب الإسلامية نُبه إلى ذلك، ثم عوقب"..
لهذه التربية المتميزة كان أطفال المماليك ينشئون عادة وهم يعظمون أمر الدين الإسلامي جدًا، وتتكون لديهم خلفية واسعة جداً عن الفقه الإسلامي، وتظل مكانة العلم والعلماء عالية جداً جداً عند المماليك طيلة حياتهم، وهذا ما يفسر النهضة العلمية الراقية التي حدثت في زمان المماليك، وكيف كانوا يقدرون العلماء حتى ولو خالفوهم في الرأي.. ولذلك ظهر في زمان دولة المماليك الكثير من علماء المسلمين الأفذاذ من أمثال العز بن عبد السلام والنووي وابن تيمية وابن القيم الجوزية وابن حجر العسقلاني وابن كثير والمقريزي وابن جماعة وابن قدامة المقدسي رحمهم الله جميعاً، وظهرت أيضاً غيرهم أعداد هائلة من العلماء يصعب جداً حصرهم..
ثم إذا وصل المملوك بعد ذلك إلى سن البلوغ جاء معلمو الفروسية ومدربو القتال فيعلمونهم فنون الحرب والقتال وركوب الخيل والرمي بالسهام والضرب بالسيوف، حتى يصلوا إلى مستويات عالية جداً في المهارة القتالية، والقوة البدنية، والقدرة على تحمل المشاق والصعاب..
ثم يتدربون بعد ذلك على أمور القيادة والإدارة ووضع الخطط الحربية، وحل المشكلات العسكرية، والتصرف في الأمور الصعبة، فينشأ المملوك وهو متفوق تماماً في المجال العسكري والإداري، وذلك بالإضافة إلى حمية دينية كبيرة، وغيرة إسلامية واضحة.. وهذا كله - بلا شك - كان يثبت أقدام المماليك تماماً في أرض القتال..
وكل ما سبق يشير إلى دور من أعظم أدوار المربين والآباء والدعاة، وهو الاهتمام الدقيق بالنشء الصغير، فهو عادة ما يكون سهل التشكيل، ليس في عقله أفكار منحرفة، ولا عقائد فاسدة، كما أنه يتمتع بالحمية والقوة والنشاط، وكل ذلك يؤهله لتأدية الواجبات الصعبة والمهام الضخمة على أفضل ما يكون الأداء..
وفي كل هذه المراحل من التربية كان السيد الذي اشتراهم يتابع كل هذه الخطوات بدقة، بل أحياناً كان السلطان الصالح أيوب - - يطمئن بنفسه على طعامهم وشرابهم وراحتهم، وكان كثيراً ما يجلس للأكل معهم، ويكثر من التبسط إليهم، وكان المماليك يحبونه حباً كبيراً حقيقياً، ويدينون له بالولاء التام..
وهكذا دائماً.. إذا كان القائد يخالط شعبه، ويشعر بهم، ويفرح لفرحهم، ويحزن لحزنهم، ويتألم لألمهم، فإنهم -ولاشك- يحبونه ويعظمونه، ولا شك أيضاً أنهم يثقون به، وإذا أمرهم بجهاد استجابوا سريعاً، وإذا كلفهم أمراً تسابقوا لتنفيذه، وبذلوا أرواحهم لتحقيقه.. أما إذا كان القائد في حالة انفصال عن شعبه، وكان يعيش حياته المترفة بعيداً عن رعيته.. يتمتع بكل ملذات الحياة وهم في كدحهم يعانون ويتألمون، فإنهم لا يشعرون ناحيته بأي انتماء.. بل إنهم قد يفقدون الانتماء إلى أوطانهم نفسها.. ويصبح الإصلاح والبناء في هذه الحالة ضرباً من المستحيل..
وكان المملوك إذا أظهر نبوغاً عسكرياً ودينياً فإنه يترقى في المناصب من رتبة إلى رتبة، فيصبح هو قائداً لغيره من المماليك، ثم إذا نبغ أكثر أعطي بعض الإقطاعات في الدولة فيمتلكها، فتدر عليه أرباحاً وفيرة، وقد يُعطى إقطاعات كبيرة، بل قد يصل إلى درجة أمير، وهم أمراء الأقاليم المختلفة، وأمراء الفرق في الجيش وهكذا..
وكان المماليك في الاسم ينتسبون عادة إلى السيد الذي اشتراهم.. فالمماليك الذين اشتراهم الملك الصالح يعرفون بالصالحية، والذين اشتراهم الملك الكامل يعرفون بالكاملية وهكذا..
وقد زاد عدد المماليك الصالحية، وقوي نفوذهم وشأنهم في عهد الملك الصالح أيوب، حتى بنى لنفسه قصراً على النيل، وبنى للمماليك قلعة إلى جواره تماماً.. وكان القصر والقلعة في منطقة الروضة بالقاهرة، وكان النيل يعرف بالبحر، ولذلك اشتهرت تسمية المماليك الصالحية "بالمماليك البحرية" (لأنهم يسكنون بجوار البحر).
ولقد أثبت هؤلاء المماليك البحرية كفاية في التغلب على أكبر خطرين خارجيين واجهتهما مصر، بل العالم الإسلامي كله في منتصف القرن السابع الهجري/الثالث عشر الميلادي، وهما خطر الصليبيين وخطر التتار، ونبغ من بين أولئك المماليك عدة رجال كان لهم أثر كبير في تغيير مجرى السياسة المصرية، ومنهم على سبيل المثال الظاهر بيبرس الذي أصبح فيما بعد سلطاناً على مصر.
وهكذا وطد الملك الصالح أيوب ملكه بالاستعانة بالمماليك الذين وصلوا إلى أرقى المناصب في جيشه وفي دولته، وتولى قيادة الجيش في عهده أحد المماليك البارزين اسمه "فارس الدين أقطاي"، وكان الذي يليه في الدرجة هو ركن الدين بيبرس، فهما بذلك من المماليك البحرية..

نظرة عامة

فكرة الاستعانة بالمماليك في الشرق الأدنى بدت من أيام العباسيين. وأول واحد إستخدمهم كان الخليفة المأمون. ثم جاء الخليفة المعتصم فأتى بالتركمان واستخدمهم في الجيش لكي يعزز مكانته بعد ما فقد الثقة في العرب وفي الفرس اللى قامت عليهم الدولة العباسية، وكانت تلك بداية جديده شجعت الخلفاء والحكام من بعده لفعل ذات الشيء. فولاة مصر من الطولونيين الأخشيديين والفاطميين إستخدموا المماليك، منهم أحمد بن طولون (835-884م) كان يشترى مماليك الديلم، وهم من جنوب بحر قزوين، وقد وصل عددهم 24 ألف تركى وألف أسود و 7 آلاف مرتزق حر.
وكذلك فعل الأيوبيون فجلبوا المماليك إليهم، ثم ازداد نفوذهم في فترة إزدادت فيها إخفاقات الأيوبيين ونشبت صراعات فيما بينهم، حتى تمكنوا من الاستيلاء على السلطة سنة1250 م. كانت خطة الأيوبيون تقوم على استقدام المماليك من بلدان غير إسلامية، وكانوا في الأغلب أطفالاً يتم تربيتهم وفق قواعد صارمة في ثكنات عسكرية معزولة عن العالم الخارجي، حتى يتم ضمان ولائهم.

مماليك الدولة الإخشيدية والفاطمية

عندما قامت الدولة الإخشيدية، أتى محمد بن طغج الإخشيدي بأتراك الديلم، ووصل عددهم إلى 400 ألف ومنهم حراسه الشخصيين الذين قاربوا 8 آلاف مملوك. أما الفاطميين فقد كانوا محتاجين لجيش كبير ليستقوا به أنفسهم في مصر ويعينهم على التوسع شرقا. فقد كان جيشهم في الأول كان من المغاربة لكن عند دخولهم مصر أضافوا إليه عساكر ترك وديلم وسودانيين وبربر.

مماليك الصالح نجم الدين أيوب

كان المماليك مرتزقة معتادون على الحروب، وانضم أكثرهم بنفسه إلى النظام. فعندما جاء السلطان الصالح نجم الدين أيوب في أواخر العصر الأيوبي غير النظام وجعل له شكل آخر. فقد كان الأيوبيون منذ زمن صلاح الدين الأيوبى يجلبوا عسكر مماليك متدربين على الحروب، حتى زمن الصالح أيوب في قمة صراعاته مع أيوبيي الشام تخلى عنه مماليكه وعسكره من الخوارزمية الذين كانوا يعملون لديه بالأجرة. فاضطر إلى جلب رقيق صغار يربيهم عنده ويدربهم ويصبح ولائهم خالصا إليه بدلا من المرتزقة الكبار الذين تتبدل ولاءاتهم حسب الظروف. وبدأ بشراء مماليك صغار السن وبنى لهم معسكرا وأبراج في جزيرة الروضة واسكنهم هناك فسموا بالمماليك البحرية. وجعل لهم نظام معيشة وتدريب معين، وقد كان شديد العطف عليهم حتى أحبوه وأخلصوا له وقدمهم على الكرد والعرب. وقد انتسبت تلك المماليك إليه وتلقبوا بلقبه، فكان يقال عنهم "المماليك الصالحية النجمية"، ويضاف لأسمائهم لقب "الصالحى النجمى"، مثل عز الدين أيبك الصالحى النجمى، والظاهر بيبرس الصالحى النجمى، وقلاوون الصالحى النجمى، وغيرهم.

دولة المماليك

تعتبر فترة حكم المماليك تعد من الفترات التاريخية المجهولة عند كثير من المسلمين، وذلك قد يكون راجعاً لعدة عوامل.. ولعل من أهمها أن الأمة الإسلامية في ذلك الوقت كانت قد تفرقت تفرقاً كبيراً، حتى كثرت الإمارات والدويلات، وصغر حجمها إلى الدرجة التي كانت فيها بعض الإمارات لا تتعدى مدينة واحدة فقط!!.. وبالتالي فدراسة هذه الفترة تحتاج إلى مجهود ضخم لمتابعة الأحوال في العديد من الأقطار الإسلامية.
ومن العوامل التي أدت إلى جهل المسلمين بهذه الفترة أيضاً: كثرة الولاة والسلاطين في دولة المماليك ذاتها، ويكفي أن نشير إلى أن دولة المماليك الأولى -والمعروفة باسم دولة المماليك البحرية (وسنأتي إلى تعريف ذلك الاسم لاحقاً إن شاء الله)- حكمت حوالي 144 سنة، وفي خلال هذه الفترة حكم 29 سلطانًا!.. وذلك يعني أن متوسط حكم السلطان لم يكن يتعدى خمس سنوات.. وإن كان بعضهم قد حكم فترات طويلة، فإن الكثير منهم قد حكم عاماً أو عامين فقط!.. أضف إلى ذلك كثرة الانقلابات والاضطرابات العسكرية في فترة حكم المماليك، فقد قتل من الـسلاطين التسعة والعشرون عشرة، وخُلع اثنا عشر!!.. وهكذا كانت القوة والسلاح هي وسيلة التغيير الرئيسية للسلاطين، وسارت البلاد على القاعدة التي وضعها أحد سلاطين الدولة الأيوبية (قبل المماليك) وهو السلطان "العادل الأيوبي"، والتي تقول: "الحكم لمن غلب"!!..
ولعل من أهم أسباب عدم معرفة كثيرين بدولة المماليك هو تزوير التاريخ الإسلامي، والذي تولى كبره المستشرقون وأتباعهم من المسلمين المفتونين بهم, والذين شوهوا تاريخ المماليك لإنجازاتهم المشرقة والهامة؛ والتي كان منها: وقوفهم سداً منيعاً لصد قوتين عاتيتين من قوى الشر التي حاولت هدم صرح الإسلام، وهما التتار والصليبيون، وكان للمماليك جهاد مستمر ضد هاتين القوتين، وعلى مراحل مختلفة، وظلت دولة المماليك تحمل راية الإسلام في الأرض قرابة ثلاثة قرون، إلى أن تسلمت الخلافة العثمانية القوية راية المسلمين.

أسيس الدولة المملوكية

عند وفاة السلطان الصالح أيوب في المنصورة، وكانت الحرب قائمة ضد الفرنج الصليبيون[3] ويقودهم لويس التاسع ملك فرنسا عند غزوهم دمياط وكانوا متجهين إلى القاهرة، فجلب المماليك إبنه توران شاه من حصن كيفا كي يقود الحرب ويستلم الحكم، وبعد انتهاء معركة المنصورة وأسر لويس التاسع سنة 1250، أساء السلطان الجديد التصرف مع المماليك فاغتالوه عند فارسكور بعد ذلك تسلطنت شجر الدر أرملة الصالح أيوب على عرش مصر بمساندة وتأييد المماليك البحرية وبذلك فقد الأيوبيون سيطرتهم على مصر.
لم يرض كلا من الأيوبيين في الشام في دمشق والخليفة العباسى المستعصم بالله في بغداد بانتزاع عرش الأيوبيين في مصر وتنصيب شجر الدر ورفضا الاعتراف بسلطانها فقام الأمراء الأيوبيون بتسليم الكرك للملك المغيث عمر ودمشق للملك الناصر صلاح الدين يوسف الذي قبض على عدة من أمراء مصر في دمشق فرد المماليك بتجديد حلفهم لشجر الدر ونصبوا عز الدين أيبك أتابكا وقبضوا على الأمراء الميالون للناصر يوسف في القاهرة.[4] وبعث المستعصم إلى الأمراء في مصر كتابا يقول: "ان كانت الرجال قد عدمت عندكم, فأعلمونا حتى نسير إليكم رجالا " [5].
عدم اعتراف كلا من الخليفة العباسى[6] وكذلك الأيوبيين في دمشق بسلطنة شجر الدر قد أربك المماليك في مصر وأقلقهم فراحوا يفكرون في وسائل توفيقية ترضى الأيوبيين والخليفة العباسي وتمنحهم شرعية لحكم البلاد فقرر المماليك تزويج شجر الدر من أيبك ثم تتنازل له عن العرش فيرضى الخليفة العباسي بجلوس رجل على تخت السلطنة ثم البحث عن رمز أيوبي يشارك أيبك الحكم اسميا فيهدأ خاطر الأيوبيين ويرضوا عن الوضع الجديد.
تزوجت شجر الدر من أيبك وتنازلت له عن العرش بعد أن حكمت مصر ثمانين يوما [7] بإرادة صلبة وحذق متناهي في ظروف عسكرية وسياسية غاية في التعقيد والخطورة بسبب غزو العدو الصليبي للأراضي المصرية وموت زوجها سلطان البلاد الصالح أيوب بينما الحرب ضد الصليبيين دائرة على الأرض الواقعة بين دمياط والمنصورة. نصب أيبك سلطانا وأتخذ لقب الملك المعز. وفي محاولة لإرضاء الأيوبيين والخليفة العباسي قام المماليك باحضار طفلا أيوبيا في السادسة من عمره, وقيل في نحو العاشرة من عمره [8], وسلطنوه باسم "الملك الأشرف مظفر الدين موسى"[9] وأعلن أيبك أنه ليس سوى نائبا للخليفة العباسي وأن مصر لا تزال تابعا للخلافة العباسية كما كانت من قبل [5][10].
ومنذ تأسيس دولة المماليك البحرية حتى مقدم العثمانيين عام 923هـ/1517م حكم المماليك أكثر من (275) عاماً انقسموا خلالها إلى دولتين هما: الدولة البحرية و مؤسسها عز الدين أيبك، وحكمت نحو (135) عاماً بين سنتي 648-784هـ/1250-1382م، وهي لطائفة المماليك التي أسكنها سيدها الصالح نجم الدين الأيوبي بقلعة الروضة في نهر النيل فعُرفوا بالبحرية، وصاحبهم هذا الاسم.
قامت الدولة البحرية بعدة غزوات ناجحة، وكبحت جماح التتار في عدة مواقع، فدفعت خطرهم عن مصر، وكفّت عدوانهم على بلاد الشام، وكان سلاطينها مستقلين بمصر، ووصل نفوذهم حيناً إلى شواطئ الفرات والجزيرة، وما وراء ذلك، كما وصل حيناً آخر إلى بلاد المغرب.
و الدولة الثانية هي دولة المماليك الجركسية، وأصل ملوكها من الجنس الجركسي؛ لذلك سموا بهذا الاسم، وسموا باسم آخر هو البرجية؛ لأن المنصور قلاوون عندما أكثر من شرائهم حتى بلغ عددهم نحو ثلاثة آلاف وسبعمئة أسكنهم في أبراج قلعة الجبل، وقد استمرت هذه الدولة قرابة (139) عاماً، ويعد مؤسسها الظاهر برقوق العثماني الجركسي.
وكانت القاهرة عاصمة السلطنة المملوكية، وامتدت حدود دولتهم والأراضي التي سيطروا عليها شمالاً حتى طرطوس وملطية وحلب، وشرقاً حتى الفرات، وجنوباً حتى شمالي الحديدة في الحجاز، وجنوب مصر، وامتدت حدودها الغربية على ساحل المتوسط من دمياط ورشيد حتى برقة، وجعل سلاطين المماليك مركز بلاطهم قلعة الجبل على جبل المقطم في القاهرة، وكانوا يسكنون أيضاً في قلعة أخرى هي قلعة الروضة على نهر النيل.
وتعود أصول هؤلاء المماليك إلى مناطق عديدة فمنهم من جاء عن طريق التجار من بلاد القفجاق الواقعة شمالي البحر الأسود، ومنهم من تعود أصولهم إلى شبه جزيرة القرم، وبلاد القوقاز، وآسيا الصغرى، وفارس، وتركستان، وبلاد ما وراء النهر، ومنغوليا، وبلاد الجركس، وأرمينيا، فكانوا بذلك خليطاً من أممٍ شتى من الأتراك والشراكسة والروم والروس والصرب وبعض البلاد الأوربية الأخرى، فالسلطان حسام الدين لاجين مثلاً كان من ضفاف بحر البلطيق، والظاهر بيبرس كان من نواحي قزوين، والملك الأشرف قايتباي كان من بلاد الجركس، والظاهر برقوق كان من فلاحي الدانوب.
وقد يتبادر إلى الذهن أن غالبية المماليك من الجنس التركي إذ أطلق كثير من المؤرخين على هذه الدولة اسم (الدولة التركية) والواقع أن فيهم عدة أجناس أخرى كما تقدم، واسم الترك غالب على مجملهم لكثرتهم وتميزهم.
وقد تنوع الأرقاء، فمنهم السود، ومنهم البيـض، وهؤلاء الرقيق البيـض يطلق عليهم اسم (المماليك)، وهناك فرق بين لفظتي (المماليك) و(العبيد) فلفظة مماليك نفسها تعني ما يملك بقصد تربيتهم والاستعانة بهم كجند أو ما شابه ذلك ، بخلاف لفظة (العبيد) التي تعني العبودية، فالعبد يولد من الرقيق، بينما يولد المملوك من أبوين حرين، كما أن العبد يكون أسود، في حين يكون المملوك أبيض، ويتشابه الاثنان في أنهما قد جمعتهما وحدة الغربة والمخاطرة.
وكانت أسماء الغالبية العظمى من المماليك غير عربية، وهذا طبيعي في قوم نشؤوا في بلاد غير عربية، ولم يدر بخلد أهلهم أنهم سيباعون ويحكمون ويصبحون سلاطين وأمراء، ولم يغير المماليك أسماءهم التي كانت تضم أسماء بعض الحيوانات مثل «قطز» أي حيوان الماموت، أو أسماء المعادن وصفاتها مثل بكداش أي الحجر القاسي، أو جانبلاط أي الفولاذ الأبيض، وكانوا يضيفون إلى أسمائهم سلسلة طويلة من الألقاب التي انتشرت على نطاق واسع في العصر المملوكي، حتى إن الإنسان لايكاد يعرف اسم المملوك من ألقابه، مثل «نظام المُلك الملك الظاهر أبو سعيد برقوق العثماني اليلبغاوي الجركسي».
أما الذين يولدون في مصر وبلاد الشام من المماليك فكانت أسماؤهم عربية في الغالب مثل خليل ومحمد أبناء قلاوون، وأولاد الناصر محمد، وفرج بن برقوق، ومحمد بن قايتباي.
وقد عُرف كثير من المماليك بأسماء أصحابهم الذين باعوهم، فإذا ما بيع المملوك نُسب إلى أستاذه الذي اشتراه ورباه وأنفق عليه، ومنهم من يصبح سلطاناً ويلازمه اسم الرجل الذي باعه، واسم الأستاذ الذي اشتراه ورعاه، فالملك الظاهر بيبرس الذي عُرف بالبندقداري نسبةً إلى أستاذه الذي اشتراه الأمير علاء الدين البندقداري، والملك المؤيد شيخ المحمودي الذي عُرف بالمحمودي نسبةً إلى الرجل الذي باعه الخواجا محمود شاه.
وكان بعض المماليك يُعرف بالثمن الذي بيع فيه، مثل الأمير قلاوون الذي عُرف بالألفي لأنه بيع بألف دينار، ولا تزال أسرة الألفي في مصر حتى اليوم.
وكان بين المماليك من يسمى بأولاد الناس، و هذا اللفظ يأتي بمعنى الرؤساء أو الزعماء أو الأمراء، ويوضح ذلك أكثر أنه كانت هناك فرقة في الجيش المملوكي تسمى باسم أولاد الناس، وقد شملت هذه الفرقة أبناء أمراء المماليك فقط، وهي نوع من الاحتياط الحربي، يدعى إلى السلاح في حالة الحرب، وكان على كل منهم أن يضع نفسه تحت تصرف السلطان في حالة الحرب، وفي مقابل ذلك كان لكل منهم إقطاعات أو كان يعطى مبلغ ألف دينار دفعة واحدة تقريباً أو مرتباً سنوياً زادت نسبته تدريجياً حتى بلغ مبلغاً عظيماً في عهد قايتباي، وكانت أجورهم تدفع لهم في أيام السلم، وكان والد المؤرخ المشهور محمد بن إياس الحنفي من أولاد الناس في القاهرة.
حكم دولة المماليك كثير من السلاطين، وكان من أبرز حكام الدولة البحرية المظفر قطز بطل معركة عين جالوت، والظاهر بيبرس صاحب الإنجازات ضد الصليبيين، وصاحب إنجاز إحياء الخلافة العباسية، وبرز كذلك من بين حكام دولة المماليك أسرة قلاوون التي تمتعت بأهمية خاصة، فمع أن المماليك لم يؤمنوا بمبدأ وراثة العرش، فإن بيت قلاوون شذ عن هذه القاعدة، واستطاعوا أن يحتفظوا بمنصب السلطنة في ذريتهم مدة قاربت القرن، من عام 678هـ/1279م حتى عام 784هـ/1382م، ومثّل هذا العصر عصر الازدهار في الدولة المملوكية وخاصة في عهد السلطان الناصر محمد بن قلاوون الذي حكم ثلاث مرات، واستمر حكمه في المرة الثالثة إحدى وثلاثين سنة وهي مدة لم يدانيه فيها سلطان آخر من سلاطين المماليك في مصر، ومثّل ذلك العصر بالذات أعظم عصور التاريخ المصري زمن المماليك وأكثرها ازدهاراً ورقياً واستقراراً، ذلك أن نفوذ الناصر محمد امتد من المغرب غرباً حتى الشام والحجاز شرقاً، ومن النوبة جنوباً حتى آسيا الصغرى شمالاً، هذا في الخارج أما في الداخل فقد كان عهد الناصر محمد عهد رخاء واستقرار لإقامته كثيراً من المنشآت مثل المساجد والقناطر والجسور وغيرها، ومن منشآته الشهيرة المدرسة الناصرية، والمسجد الذي شيده على قلعة الجبل والخانقاه التي سُميت بخانقاه سرياقوس، هذا فضلاً عن المنشآت التي جددها مثل البيمارستان المنصوري، وبالتالي فقد أمضى الناصر محمد عهده الطويل بالإصلاح والإنشاء والتعمير، الأمر الذي جعل المؤرخين يشيدون بسيرته وفضله وازدهار حكمه.
ومن سلاطين المماليك البحرية البارزين المنصور حسام الدين لاجين، الذي تولى السلطنة سنة 696هـ/1296م، بعد أن رضخ له كتبغا، وبعد أن أبعد الناصر محمد بن قلاوون - الذي نظر إليه أهل البلاد على أنه صاحب الحق الشرعي في السلطنة - إلى قلعة الكرك، وكان لاجين قد وعد الأمراء ألا يحابي مماليكه على حسابهم، وألا ينفرد برأي، ولكن سرعان ما نسي لاجين وعوده بعد أن استتبت له الأمور، فعزل شمس الدين قراسنقر الذي كان قد عينه أولاً نائباً للسلطنة، وعين بدلاً منه في منصبه مملوكه منكوتمر، ولكن منكوتمر بدأ يعد نفسه لأن يخلف لاجين في منصب السلطنة الأمر الذي أثار حنق الأمراء وجعلهم يفكرون في التخلص من لاجين ومنكوتمر جميعاً، ولم يلبث أن انتهى الأمر بقتل لاجين وهو جالس بالقلعة يلعب الشطرنج سنة 698هـ/1298م، ثم قُتل منكوتمر بعده بقليل.
ومن السلاطين البارزين في الدولة الجركسية المؤيد أبو النصر سيف الدين شيخ، وكان من مماليك السلطان برقوق فأعتقه، ثم أخذ يتدرج في مدارج الإمارة حتى صار نائب الشام، ولما تولى الخليفة العباسي العادل المستعين بالله سنة 815هـ حكم البلاد بعد السلطان فرج بن برقوق استبد بالحكم، فخلع المؤيد سيف الدين شيخ الخليفة وجلس مكانه على سرير الملك عام 815 هـ/1412م، وقد تكررت ثورات الشام عليه مدة حكمه ولكنه استطاع القضاء عليها، ودانت له البلاد، إلى أن توفي في أوائل 824 هـ/1421م، واختير ابنه المظفر أبو السعادات أحمد للسلطنة من بعده، ولكنه كان صغيراً، فاستغل ذلك الأمير ططر فخلع السلطان وأعلن نفسه سلطاناً على البلاد المصرية بدلاً منه في العام نفسه 824 هـ/1421م، ولكنه لم يدم في سلطانه إذ سرعان ما مرض ثم توفي في العام نفسه أيضاً، فتولى ابنه من بعده الصالح ناصر الدين محمد بن ططر وكان عمره عندما تولى السلطنة إحدى عشرة سنة، فدبر له الأمر الأمير جاني بك الصوفي، إلى أن تزعم الأشرف برسباي مؤامرة، وقبض على الصالح محمد وسجنه وانفرد في شؤون الحكم وذلك في عام 825 هـ/1425م.
ومن أبرز سلاطين دولة المماليك الجراكسة أيضاً الظاهر جقمق (842-857 هـ/1438-1453م) و كان حكمه معتدلاً إلى حد ما، كما عرف عن جقمق ورعه وتدينه، فحرّم المعاصي وشرب الخمور، غير أنه لم يلبث أن تعرض في أوائل حكمه للثورات التقليدية التي تعرض لها غيره من سلاطين المماليك السابقين واللاحقين، فقامت في عهده ثورتان داخليتان استطاع القضاء عليهما.
وتعود أهمية حكم جقمق إلى ما امتاز به ذلك العهد من نشاط خارجي كانت أبرز معالمه تحسن العلاقات بين المغول ودولة المماليك من ناحية، وقيام جقمق بغزو جزيرة رودس من ناحية أخرى، فبعد وفاة تيمورلنك تصدعت إمبراطوريته الواسعة، حتى تمكن ابنه شاه رخ من إحياء مجد دولة المغول كما كانت في عهد أبيه، وقد ساءت العلاقة بين شاه رخ والأشرف برسباي، فلما توفي برسباي وجد جقمق نفسه أمام مشكلة لابد من تصفيتها وهي مشكلة العلاقة مع شاه رخ، وهنا اتبع جقمق سياسة متزنة، وأحسن استقبال رسل شاه رخ وحسّن علاقته معه.
أما بخصوص جزيرة رودس فقد أرسل جقمق ثلاث حملات سنة 844،847،848 هـ/1440،1443،1444م)، وقد أخفقت الحملات الثلاث إلى أن تم الصلح بين فرسان رودس وسلطان المماليك جقمق.
وبلغ النظام الإداري في عهد المماليك درجة كبيرة من الدقة والإحكام، وكان أن وُجدت إدارة مركزية مقرها القاهرة، وعمادها مجموعة من الدواوين وكبار الموظفين، وإدارة محلية تشرف على الأقاليم وعلى رأسها مجموعة من النواب والولاة، وعلى قمة هذا الهرم الإداري تربع السلطان الذي كان يوجه أمور البلاد والعباد، ويتلقى أخبار القريب والبعيد، ويتصل بأطراف دولته عن طريق شبكة محكمة من خطوط البريد.
وانقسم الموظفون إلى قسمين كبيرين: أرباب السيوف، وأرباب القلم، أما أرباب السيوف فكانوا من الأمراء، في حين كان أرباب القلم من طائفة المعممين أي المشتغلين بالكتابة والعلم، وأول الموظفين الكبار في الدولة هو نائب السلطنة ويسمى النائب الكافل، ويليه رتبة الوزير، ووجدت إضافةً إلى رتبة الوزارة وظائف أخرى سامية، وأهمها الوظائف ذات الصلة المباشرة بشؤون الحكم والإدارة، مثل وظيفة الولاية حيث كان الولاة يختارون من بين الأمراء ليقوموا بوظيفة تشبه وظيفة المحافظ اليوم، وأكبر هؤلاء الولاة شأناً هو والي القاهرة، ويكمل المحتسب عمل الوالي، ولتحقيق نوع من الإشراف على الولاة عين عليهم كاشف أطلق عليه اسم والي الولاة.
وكان من الطبيعي أن يعتمد هذا الجهاز الإداري الضخم على مجموعة من الدواوين الكبيرة - وهي أشبه بالوزارات في هذا العصر - لإدارة مرافق الدولة، ومن أهم هذه الدواوين كان ديوان الجيش، وديوان الإنشاء، وديوان الأحباس «الأوقاف»، وديوان النظر «المالية»، وديوان الخاص «المالية أيضاً»، وغيرها من الدواوين.
شهد عصر المماليك إنجازات مهمة كثيرة وعظيمة، وخاصة على الصعيدين العسكري والفكري، فمن الناحية العسكرية استطاع المماليك صد خطرين يعدان من أشرس الأخطار وأكبرها عبر التاريخ، وتمثل ذلك في تطهير الأرض العربية الإسلامية من الاحتلال الصليبي، والتصدي لغزو المغول، فبعد التصدي للحملة الصليبية السابعة تابع السلطان المملوكي الظاهر بيبرس سياسة صلاح الدين الأيوبي وخلفائه في طرد الصليبيين، وحقق منذ عام 663هـ/1265م الانتصارات الآتية على الصليبيين:
فتح قيسارية وحيفا وعثليت وأرسوف وصفد ويافا والشقيف وأنطاكية وصافيتا وقلعة الحصن وعكار.
وشهد عهد السلطان سيف الدين قلاوون الألفي فتوحات مهمة أيضاً، وشهد تحرير العديد من المدن والقلاع، فتم فتح حصن المرقب واللاذقية وطرابلس، وتابع السلطان الأشرف صلاح الدين خليل هذه الفتوحات، وقام بأبرز عمل في مدة حكمه عندما حاصر عكا، ثم استطاع فتحها ودخولها والاستقرار فيها ، واستكمل السلطان الناصر محمد بن قلاوون سلسلة الانتصارات التي بدأها أسلافه وختم أعمالهم بتحريره جزيرة أرواد آخر معاقل الصليبيين على الأرض العربية الإسلامية في عام 702هـ/1302م.
وفي عام 767هـ/1365م وصلت حملة صليبية جديدة إلى الإسكندرية، وارتكب فيها الصليبيون أعمالاً وحشية كالقتل والإحراق والتخريب، فاستنفر السلطان شعبان بن حسين جيشاً كبيراً بقيادة ثلاثة من أكبر قادة أمرائه، وعندما علم قادة الجيش الصليبي بذلك فضلوا الانسحاب من الإسكندرية على المواجهة، وبالتالي استطاع سلاطين دولة المماليك البحرية إنهاء الوجود الصليبي وتحرير الأرض العربية الإسلامية من الصليبيين.
واستكملت دولة المماليك الجركسية هذه المهمة، واستطاع سلاطينها صد الهجمات الصليبية القادمة من جزيرة قبرص وخاصة في عهد السلطان الأشرف برسباي الذي وجه ثلاث حملات ضد هؤلاء تعد من أعظم الحملات الحربية التي تمت في عصر دولة المماليك الجركسية.
وتصدى المماليك كذلك للخطر المغولي القادم من الشرق، والذي لا يقل حقداً وقوة عن الخطر الصليبي، فبعد أن استولى المغول على بغداد عام 656هـ/1258م، قصد هولاكو الشام فوصل إلى حلب ودخلها ودمرها، ثم توجه إلى حماة ومن هناك قصد دمشق واستولى عليها وعلى سائر بلاد الشام، وبعد ذلك وجه هولاكو في عام 658هـ/1260م إنذاراً إلى المظفر قطز طالباً منه الاستسلام، فعقد قطز اجتماعاً عاجلاً مع أمراء دولته انتهى به إلى رفض إنذار هولاكو، ولم يكتف بذلك بل أقدم على قتل رسله الذين حملوا الإنذار، وفي تلك الأثناء غادر هولاكو بلاد الشام متوجهاً إلى عاصمته تاركاً قيادة الجيش لكتبغا، وفي ظل هذه الأوضاع استقر رأي المماليك على مقاومة المغول، وفعلاً استطاع المظفر قطز والظاهر بيبرس أن يضعوا خطة عسكرية محكمة، استطاعوا من خلالها صد المغول وهزيمتهم عند عين جالوت في 25 رمضان من عام 658هـ/1260م، فهُزم المغول وقُتل قائد جيشهم كتبغا، وسقطت الأسطورة التي تقول إن المغول لا يغلبون.
وتجدد خطر المغول مرة ثانية في أثناء حكم دولة المماليك الجراكسة، وبالتحديد في عهد الظاهر برقوق الذي حكم منذ عام 784هـ/1382م، حيث ظهر تيمورلنك واستولى على كثير من البلاد، ولكنه لم يجرؤ على التوجه غرباً نحو بلاد دولة المماليك لأن قوة السلطان برقوق أفزعته، ولكنه استغل فيما بعد وفاة برقوق فاستولى على كثير من أملاك الدولة المملوكية، واستطاع السيطرة على حلب ودمشق بسبب تخاذل السلطان فرج بن برقوق وضعفه.
وعلى الصعيد الفكري تحقق في عصر دولتي المماليك البحرية والجركسية كثير من الإنجازات العلمية، فقد شهد ذلك العصر - وخاصة عصر المماليك البحرية - انتعاشاً فكرياً كبيراً يوازي في كثير من تفاصيله ما شهدته الأرض العربية الإسلامية من نهضة في عصورها المختلفة، وذلك على الرغم مما شهده ذلك العصر من حروب طويلة وثورات واضطرابات وفتن، ولكن ذلك لم يمس الجانب الفكري بشيء، والباحث في هذا المجال يجد بسهولة المئات من المؤلفات التي توثق للمئات من العلماء الذين صبغوا العصر بفكرهم، وملؤوه بمؤلفاتهم التي احتوت على كثير من الإبداعات والإنجازات والتي ما زالت إلى اليوم تملأ مكتبات العالم في الشرق والغرب.
ومن الضروري الإشارة إلى أن هذا العصر تعرض لأوصاف واتهامات جائرة لا تنطبق على واقع حاله، إذ وُصف بأنه عصر تقهقر فكري، وعصر اجترت فيه العلوم اجتراراً، وعصر خالٍ من الإبداع، حتى إن بعض المستشرقين قصر الإنتاج العلمي فيه على كتاب واحد وعالم واحد هو المقدمة لابن خلدون الشهير.
ولكن الحقيقة الواضحة لمن يدرس عصر المماليك البحرية دراسة موضوعية متعمقة هي أنه عصر ازدهار فكري، وعصر ظهرت فيه كثير من الإبداعات والإنجازات العلمية، و ساعد على هذا الانتعاش الحضاري عوامل كثيرة منها هجرة العلماء بكثرة إلى مصر بعد فواجع الغزو التتري لبلدان العالم الإسلامي، وخاصة بعد تدميرهم بغداد عام 656هـ/1258م، حيث وجد العلماء في مصر المركز الآمن الوحيد في ذلك الوقت، خاصةً بعد أن ساءت أوضاع العالم الإسلامي آنذاك من مشرقه إلى مغربه.
ومن عوامل الازدهار الفكري ثراء الدولة المملوكية الذي نجم عن الازدهار الاقتصادي في الزراعة والصناعة وخاصة التجارة، فانعكس ذلك على الإنفاق بسخاء على العلماء، وعلى تشييد المؤسسات الدينية والعلمية، حيث زاد عدد المدارس زيادة لم تكن في أي عصر من عصور مصر والشام الإسلامية، وكذلك المساجد التي نشأت مع ظهور الدين الإسلامي وازدادت أعدادها زيادة ملفتة، وتنطبق الحال على المؤسسات العلمية الأخرى كالبيمارستانات والخوانق والربط والزوايا ومكاتب التعليم والمكتبات.
كما ازدهرت في ذلك العصر مختلف أنواع العلوم والفنون، وظهرت مؤلفات كثيرة مهمة ومعتمدة حتى هذا اليوم، سواء في العلوم النظرية - كعلوم الدين وعلوم اللغة العربية، وعلوم التاريخ والجغرافية - أم العلوم التطبيقية في الطب والصيدلة والهندسة والكيمياء والفلك والرياضيات، والعلوم العسكرية، وعلم الموسيقى والغناء، وعلوم الحيوان والنبات.
واحتوت هذه المؤلفات على إبداعات و مادة علمية ثمينة وقيمة، وخصوصاً تلك الأسبقيات التي أُنجزت أول مرة في تاريخ العلوم، ففي العلوم النظرية مثلاً أبدع عبد العزيز بن عبد السلام (توفي 660هـ/1261م) باباً جديداً من أبواب الفقه هو باب المقاصد، بترجيع الفقه الإسلامي كله إلى اعتبار المصالح ودرء المفاسد، وذلك في كتابه «القواعد الكبرى»، وألف محمد بن أبي بكر بن أيوب بن قيم الجوزية (توفي 751هـ/1350م) أول كتاب يتناول تربية الإنسان من المهد إلى اللحد بشكل تخصصي وموسع، وهو «تحفة المودود بأحكام المولود»، وقدم محمد بن مكرم بن منظور (توفي 711هـ/1311م) أكبر معجم لغوي ظهر في الأزمنة الماضية وهو «لسان العرب»، وكتب خليل بن أيبك الصفدي (توفي 764هـ/1362م) أول مؤلف في تراجم مشاهير علماء الأمة العميان وهو «نكت الهيمان في نكت العميان»، وخطّ عبد القادر بن محمد القرشي ( توفي 775هـ/1373م) أول كتاب في طبقات فقهاء المذهب الحنفي، وهو «الجواهر المضيّة في طبقات الحنفية».
وشهد ذلك العصر إبداع طريقة كتابة المكفوفين المصطلح عليها اليوم بلغة برايل، وتم ذلك على يد العالم علي بن أحمد الآمدي (توفي بعد عام 712هـ/1312م)، كما شهد ذلك العصر إبداعاً لا يقل أهمية عن إنجاز الآمدي وهو إبداع علم التعمية والتشفير على يد علي بن محمد بن الدريهم (توفي 762هـ/1360م) في كتابه «مفتاح الكنوز في إيضاح الرموز»، وظهر في ذلك العصر أحمد بن ماجد النجدي (توفي 923هـ/1517م) الذي وصف أول مرة السحائب الجنوبية الصغرى والكبرى، ونسب الأوروبيون هذا الإنجاز لماجلان حينما أطلقوا عليها اسم سحائب ماجلان.
عُد محمد بن موسى الدميري (توفي 808هـ/1405م) أول من تكلم عن علم المشاركة والتكافل بين الحيوانات من خلال كتابه «حياة الحيوان»، وتوصل آيدمر بن علي الجلدكي (توفي 762هـ/1360م) إلى قانون النسب الثابتة في الاتحاد الكيميائي، وقرر أن المواد «لا تتفاعل إلا بأوزان متعددة ومحددة»، كما توصل إلى فصل الذهب عن الفضة بوساطة حمض النتريك، وهو أول من أبدع الكمامات في مخابر الكيمياء.
وشهد ذلك العصر في مجال العلوم التطبيقية أيضاً إبداع أول ساعة ميكانيكية على يد علي بن إبراهيم بن الشاطر (توفي 777هـ/1375م)، وشهد أول صناعة للرعادات (الطوربيدات) المزودة بمحركات صاروخية، وأنجز ذلك الحسن الرماح (كان حياً بين عامي 674- 695هـ/1275- 1295م) وغير ذلك من الإنجازات العديدة، التي جعلت من العصر المملوكي عصراً مكملاً لسلسلة الإنجازات العلمية في تاريخ الحضارة العربية الإسلامية.
وازدهرت في ذلك العصر هندسة العمارة، حتى عُدّ عصر المماليك العصر الذهبي للعمارة الإسلامية، فخلف كثيراً من العمائر التي تدل على وصول مهندسي ذلك العصر إلى ذروة الاتقان، سواء منها العمائر الدينية أم العلمية أم المدنية، ومن الأمثلة على ذلك جامع الظاهر بيبرس، و جامع الناصر محمد بن قلاوون، و جامع قوصون، و جامع الخطيري ، و المدرسة الظاهرية ، و المدرسة المعزية، والمدرسة الناصرية،و مدرسة السلطان حسن، و المدرسة الطيبرسية، والمدرسة الحسامية، و المدرسة الجمالية، و الخانقاه البندقدارية، والخانقاه الجاولية ،و خانقاه سرياقوس, و زاوية الظاهري, و زاوية الجعبري، والزاوية القلندرية، و الزاوية اليونسية، و رباط الأشرف برسباي، ورباط الرياض، ورباط البغدادية، وغير ذلك من الأبنية المهمة التي لاتزال آثارها ماثلة للعيان حتى اليوم.
وأخيراً، كان لسقوط دولة المماليك عوامل كثيرة داخلية وخارجية، فمن العوامل الداخلية تراجع زعامة المماليك في العالم الإسلامي، وانعزال المماليك عن المجتمع حيث كّونوا مجتمعاً مغلقاً، فلم يختلطوا بالناس وترفعوا عليهم، وفساد النظام الإداري الذي بدأ يفقد فعاليته تدريجياً، وفساد النظام الإقطاعي حيث ساد النظام الإقطاعي العسكري، والتدهور الاقتصادي، وانصراف السلاطين نحو البذخ والترف، فكثرت المصادرات والضرائب.
ومن العوامل الخارجية تلقت دولة المماليك ضربتين موجعتين، الأولى عندما دار ملاحو البرتغال حول إفريقيا عن طريق رأس الرجاء الصالح عام 903هـ/1498م، فوجهوا ضربة قاصمة إلى قلب التجارة المملوكية مع الهند، حيث كانت تتشعب شرايين التجارة، واحدة إلى عدن ثم جدة ثم السويس ثم إلى القاهرة، والأخرى إلى هرمز ثم إلى البصرة ثم إلىحلب.
وجاءت الضربة الأخرى من الدولة العثمانية التي تعاظمت قوتها بعد توسعها في أوربا، ثم كان النزاع الأخير بين العثمانيين والمماليك والذي تمثل بمعركتي مرج دابق و الريدانية، ففي بلاد الشام انتشرت المشاعر المعادية للدولة المملوكية، واضطربت الأوضاع مما جعل السلطان المملوكي قنصوه الغوري يتجنب المعركة مع العثمانيين بجميع الوسائل، لكن سلطان العثمانيين سليم الأول كان مصراً على دخول بلاد الشام، فكانت معركةمرج دابق عام 922هـ/1516م، التي انهزم فيها المماليك، وتابع السلطان سليم زحفه نحو القاهرة، وحدثت معركة الريدانية عام 923هـ/1517م وانتصر فيها العثمانيون، وأخضعوا القاهرة لهم ثم باقي المدن المصرية، وأُعدم طومان باي آخر سلطان مملوكي، وطويت بذلك آخر صفحة لدولة المماليك بعد أن دامت قرابة (275) عاماً وبدأ حكم العثمانيين للوطن العربي.
دأ نظام الحكم المملوكى بسلطنة السلطانة شجرة الدر وقد كان هذا الأمر بدعة في تاريخ مصر لم تحدث سوي عهد الملكة كليوباترا السابعة التي ماتت سنة 30 قبل الميلاد. ومن ناحيه أخرى أحدث النظام المملوكى تطوير كبير في نظم الحكم على مستوى العالم حيث ان النظام لم يكن قائم على التوريث لكن على اختيار الحاكم ووتلك كانت شيء جديد في تاريخ مصر ليست فقط علي مستوي مصروالشرق الأوسط لكن على مستوى العالم في العصور الوسطى.
الدولة المملوكية كات منظمة جداً. وأدخل المماليك أساليب جديدة للإدارة ومصطلحات لم تكن موجوده في مصر. على قمة هرمالسلطة كان السلطان يرأس الدولة الذي تربع على العرش بتفويض من الخليفة العباسى في القاهرة. وعندما حاصر التتار بغدادوإحتلوها وقتلوا الخليفة المستعصم، ولي الظاهر بيبرس خليفة بدلا منه في القاهرة لكي يعطي المماليك الشرعية في الحكم. وبتفويض من الخليفة أصبح السلطان في يده كل شيء ومعه كل السلطات التشريعية والتنفيذية والقضائية. لكن كان السلطان يعتمد في ذلك الأمر على قوة مماليكه وولائهم له وقدرتهم على كبح جماح مماليك الأمراء الآخرين. لذلك تاريخ الدولة المملوكية كان ممتلئ بسلاطين نصبوا نفسهم بعدما تمكنوا من السلطة الفعلية وجعلوا السلطان مجرد لعبة في أيديهم إلي أن يقدروا أن يخلعوه، إما بنفيه أو بقتله لو لم يسالم ويتنحي، ويتولي أميرهم بدلا منه. مثلما حدث للسلطان السعيد بركة ابن الظاهر بيبرس الذي عزله السلطان قلاوون وولي بدلا منه أخيه الأصغر العادل بدر الدين سلامش، إلي أن تمكن هو وممالكيه وعزلوه، وتربع قلاوون على العرش. ومثلما حدث لإبنه السلطان الناصر محمد منكتبغا وبيبرس الجاشنكير. وتلك أمور كانت تحدث في العصر المملوكي وكل دول العالم. لم تكن السلطنة في العصر المملوكي بالتوريث. ومن المؤكد وجود أبناء للسلاطين يورثوا الحكم كالسلطان السعيد بركة وسًلامش أنجال الظاهر بيبرس، ومن بعده أولاد وأحفاد السلطان قلاوون، ولكن العادة كانت تحتم أن يجلس أولاد السلاطين إلي أن تهدأ الأمور، وبعد ذلك يتخلعوا ويجلس بدلا منهم أمير قوى، الذي قد كان نائب السلطان والحاكم الحقيقى. الجلوس علي عرش السلطنة لم يكن بالتوريث ولا بالتفويض الشعبي بل كان بالتنافس علي القوة وكثرة المماليك والسلاح والإقطاعيات، لكن كان عادة بتفويض الأمراء الذين كانوا يجتمعون ويتفقون على تنصيب السلطان، وبطبيعة الحال الأمير الذين كانوا يختاروه كان اقواهم وله اتباع أكثر، أو اضعفهم فيجلسوه على العرش وينظموا بمفردهم شئون البلاد.
الحرس السلطانى (المماليك السلطانية) أو الخاصكية كانوا أهم المماليك بالنسبة للدولة السلطانية. ووهؤلاء كان السلطان يهتم بهم وينفذ لهم كل ما يريدون، وكان يغدق عليهم بالكثير من الهدايا والهبات، لإن سلطنته وحياته نفسها كات متوقفه عليهم. وكان رئيس الحرس السلطانى يعتبر حاكم مطلق وله مماليكه وقواده وكانوا طبعا يعينوا في مراكز مهمة في السلطنة كوظيفة الدوادار، وهو المسئول عن نقل الرسائل بين أنحاء ومدائن السلطنة، وكان يشرف على مراكز البريد والحمام الزاجل (البريد الجوي) وكان معاهختم السلطان الذي يختم بهجميع على الرسائل والمستندات السلطانية، وكان يحكم مصر في وقت غياب السلطان. والمؤرخ الكبير بيبرس الدوادار كان واحد منهم. وكان من المحتمل أن يكون رئيس الحرس السلطاني داوادار السلطنة. الدوادار كان تابع ديوان "أمير القلم" وده كان قسم في "ديوان الإنشا" المسئول عن علاقات مصر بالبلاد الأخرى، ووكتابة رسائل السلطان لملوك وسلاطين البلدان الأخرى، وكان لكل جواب صيغة متعارف بها بين السلطان وبقية السلاطين وفي حالة ما تكون الرسائل بصيغة أخرى كان السلطان يعرف أنها مغشوشة أو مزورة. وقد كان المؤرخ محيي الدين بن عبد الظاهر أحد رؤساء ديوان الإنشا، واخترع صيغ كتابة لم تكن تستعمل من قبل لتعارف العامة والطامعين علي الصيغ الأخرى.
وإن لم يتولي رئيس الحرس السلطانة مهمة الدوادار كان يتولي قيادة الجيش ويطلق عليه أتابك العسكر أو الأمير الأكبر. وكان للقصر رئيس يشرف عليه اسمه "الأستادار" وكان المشرف على مخازن السلاح يعرف بالسلحدار ورئيس الإسطبلات كان بيلقب بأمير آخور.
كان لكل طبقة من المماليك لباس معين مصنوع من أقمشة باهظة الثمن ومطرزة بالذهب والفضة، ووعندما يخرجوا مع السلطان في المواكب الفخمة كان لكل جماعة أميرها والناس تزاحم لكي تشاهد موكب السلطان.
في العصر المملوكى كات مصر مقسمة على عشرين قسم كل قسم يتولاه والى أو أمير. وكان الوالى عبارة عن سلطان للمنطقة التي كان يحكمها. وأهم والى كان والى القاهرة وهذا كان أكبر أمير يحكم القاهرة وضواحيها وكان اسمه والى الشرطة ووالى الحرب. بعد حوادث الإسكندرية سنة (1365) أصبح في مدينة الإسكندرية والي عظيم الشأن وكان يحل محل السلطان في حالة غيابة عن البلاد هو ورئيس الحرس. ووقد كان قلعة الجبل والي، مقر الحكم وقصر السلطان، وكان يشرف علي باب المدرج وهو أكبرأبواب القلعة وكان فيه والى باب القله.
وعندما توسعت الدولة المملوكية خارج مصر كان يرسل لها ولاة ينوبون عنه في حكم الشام والحجاز واليمن وأفريقية والعراقين وكانوا يسمون علي سبيل المثال نائب السلطان في ولاية الشام. وكانوا يختلفون عن نائب السلطان المباشر في القاهرة الملقب بكافل الممالك الشريفة، وكان مركزهم أقل منه ولم يملكوا صلاحياته التي كانت تقريبا نفس صلاحيات السلطان وكان من حقه أن يختم على مستندات الدولة وأن يحرك الجيش بدون غير أمر السلطان.
كانت الدولة المملوكية في مصر من سنة 1250 إلي سنة 1517، المماليك البحرية، وكان معظمهم من أصل تركى (turkic) (ليسوااتراك من تركيا) حكموا إلي عام 1382،والمماليك البرجية وكان معظمهم من أصل شركسى حكموا من أيام السلطان برقوق إلي عام 1517. طومان باى كان أخر سلاطين الدولة المملوكية عندما فتحت الدولة العثمانية مصر وبدأ عصر الأتراك العثمانيين (اتراك من تركيا) وأصبحت مصر ولاية عثمانية. وعندما انتهي عصر المماليك في مصر كتب المؤرخ ابن إياس قصيدة شعر بدايتها تقول: " نوحوا على مصر لأمر قد جرى.. من حادث عمت مصيبته الورى".

حملات الدولة المملوكية ضد العربان

شن المماليك حملات على العربان
خاضت الدولة المملوكية حروب ومواقع ضد العناصر العربية التي جاءت إلي مصر فيما يعرف بهجرة بني هلال وقبيلة جهينةوأصبحت مصدر للقلق والإرهاب والخروج على الأمن والنظام وقطع الطريق ونهب المصريين في الصعيد بالذات. تسللت قبيلة بني هلال وقبيلة جهينة في العصر الفاطمي بطلب من الخليفة العباسي في بغداد لكي يشغلوا الدولة الفاطمية لأنها كانت في منازعات وثورات داخلية واستقرت تلك القبيلتان في صعيد مصر وبعض مناطق الوجه البحري كإقليم البحيرة.
لعب العربان أدوار سيئة في وقت الحملة الصليبية السابعة على مصر (1249-1250)و تسببوا في احتلال دمياط بسهولة في ايديالصليبيين بعدما وثق فيهم السلطان الصالح أيوب وأجلسهم فيها لكي يحموها فهربوا وتركوها، فغضب الصالح عليهم بعدما خانوا الأمانة وأعدم منهم عدد كبير [12]. ووقد تقدم الصليبيين إلي المنصورة بسبب أن دلهم خائن من العربان على مخاضة في بحر أشموم طناح واستطاعوا أن يعبروا منها للمعسكر المصري ويهجموا عليه فجأة [13][14]، وقتل فخر الدين يوسف القائد العام للجيوش المصرية، وكانت من المحتم أن يحتل الصليبيين مصر لولا ظهور المماليك في المنصورة ومعهم الأهالى وتصديهم بنجاح للقوات الصليبية المهاجمة.
في عهد السلطان عز الدين أيبك (1250 - 1257) كانت العناصر العربية مصدر تهديد وعدم استقرار لأمن مصر وسلامتها، لكن أيبكأرسل لهم حملات وتبعهم في مديريات الوجه البحرى وقضى على قوادهم وسيطر عليهم وحد من جرائمهم وأعمالهم الفوضوية. ويحكى المقريزى: "و أمر المعز بزيادة القطيعة على العرب، وبزيادة الضرائب والمكوس المأخوذة منهم، ومعاملتهم بالعسف والقهر فذلوا وقلوا"[15].

المماليك في بغداد

جاءت قوات المماليك إلى العراق لأول مرة في عهد العثمانيين حين استقدمهم حسن, پاشا بغداد, في 1702. ومن 1747 حتى 1831, حكم العراق, بفترات انقطاع قصيرة, ضباط مماليك من أصول جورجية نجحوا في تأكيد استقلالهم الذاتي عن الباب العالي, وفي إخماد الثورات القبلية, وحدوا من سلطات الإنكشارية, واستعادوا النظام, وأرسوا برنامجاً لتحديث الاقتصاد والجيش. وفي 1831, نجح العثمانيون في خلع آخر حاكم مملوكي, داوود پاشا, وأرسوا سيطرتهم المباشرة على العراق.[16]

الممالك في الهند

مماليك الهند (بالأردو سلطنت غلامان) وتعتبر أول الممالك التي حكمت دلهي بالهند من عام 1206 إلى عام 1290. ويعتبر السلطان قطب الدين أيبك مؤسس تلك السلطنة وهو تركي مملوك من قبائل أيبك والذي ترقى حتى وصل لقيادة الجيوش والحاكم لأملاك السلطان شهاب الدين محمد غوري بالهند.
بعد وفاة محمد غوري عام 1206 بدون وريث، استبسل قطب الدين لأخذ امبراطورية الغوري الهندية من منافسيه وجعل عاصمة ملكه بلاهور أولا ومن ثم دلهي حيث بدأ ببناء قطب منار الشهير. وفي عام 1210 توفي قطب الدين فجأة. وبعد ذلك برز شمس الدين التتمش كسلطان وقد تزوج ابنة قطب الدين وقد حكم ابنائه ومن ضمنهم ابنته راضية جميعا ماعدا واحد. ثم أتى السلطان غياث الدين بلبن الذي كان قائد جيوش السلطان ناصر الدين وتزوج اخته وهو الذي منع المغول من دخول الهند وقد استحوذ بعد ذلك على الحكم وقد تولى الحكم من بعده حفيده معز الدين قيذاباد وانتهت تلك السلالة على يد فيروز خلجي مؤسس السلالة الخلجية في بيهار والبنغال.

أسماء السلاطين المماليك

  • قطب الدين أيبك (1206 - 1210)
  • آرام شاه بن قطب الدين (1210 - 1211)
  • شمس الدين التتمش (1211 - 1236)
  • ركن الدين فيروز شاه بن التتمش (1236)
  • جلالة الدين رضية الدين بكوم بنت إلتمش (1236 - 1240)
  • معز الدين بهرام شاه بن التتمش (1240 - 1242)
  • علاء الدين مسعود شاه بن ركن الدين (1242 - 1246)
  • ناصر الدين محمود شاه بن ناصر الدين محمد بن إلتمش (1246 - 1266)
  • غياث الدين بلبن ألغ خان (1266 - 1287)
  • معز الدين كيقباذ بن بغرا خان بن بلبن (1287 - 1290)
  • شمس الدين كي أومرث بن معز الدين كيقباذ (1290)

المماليك في فرنسا

شكـّل نابليون لواءً من المماليك أثناء الحملة الفرنسية على مصر والشام في مطلع القرن التاسع عشر، وكانت آخر قوة مملوكية عسكرية في التاريخ. حتى الحرس الامبراطوري له كان يضم جنوداً مماليك أثناء حملته على بلجيكا, بما فيهم خدمه الشخصيون.
والحارس المشهور لنابليون روستان كان أيضاً مملوكاً من مصر.
وطيلة العصر النابليوني, كان هناك لواءً مملوكياً في الجيش الفرنسي. وفي تأريخه للفرقة الثالثة عشر 13th Chasseurs, يذكر العقيد ديكاڤ كيف استخدم ناپليون المماليك في مصر، فضمن ما أسماه "تعليمات Instructions" التي أعطاها بونابرت لكليبر بعد مغادرته مصر, كتب نابليون أنه قد اشترى بالفعل نحو 2,000 مملوك من تجار سوريين، وأنه كان ينوي تشكيل فصيلة خاصة detachment. وفي 14 سبتمبر 1799, شكـّل جنرال كليبر لواء فرسان مماليك رديف auxiliaries وانكشارية سورية من الفوات العثمانية التي اُسرت في حصار عكا.
وفي 7 يوليو 1800, أعاد جنرال مينو تنظيم الكتيبة, مشكلاً 3 فصائل كل منها قوتها 100 رجل وغير اسمهم إلى "مماليك الجمهورية Mamluks de la République". في 1801, اُرسل جنرال راپ إلى مارسيليا ليشكـّل فصيلة من 250 مملوك تحت إمرته. وفي 7 يناير 1802, ألغي الأمر السابق وتم تخفيض قوة الفصيلة إلى 150 رجلاً. قائمة المنضوين تحت السلاح في 21 أبريل 1802 تـُظهر 3 ضباط و 155 مقاتلاً من مختلف الرتب. وبقرار في 25 ديسمبر 1803, تم تشكيل المماليك في فصيلة ملحقة بسلاح الفرسان بالحرس الإمبراطوري.
ولقد أبلى المماليك بلاءً حسناً في معركة أوسترليتس في 2 ديسمبر1805.

زي المماليك في فرنساأثناء خدمتهم في جيش نابليون, ارتدوا اللواء المملوكي الزي التالي: قبل 1804: الجزء "النظامي" الوحيد في زيهم كان الكاهوك (قبعة) الخضراء, والعمامة البيضاء, والسروال الأحمر, وهؤلاء جميعاً يـُلبسوا مع قميص فضفاض وصديري. بعد 1804: الكاهوك أصبح أحمراً بهلال ونجمة نحاسيين, والقميص اُقفل وأصبح له ياقة.


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق