بحث شامل ومفصل عن الخليفة العادل عمر بن عبد العزيز
إن الخلفية العادل عمر بن عبدالعزيز رحمه الله من الشخصيات المهمة في تاريخ الإسلام؛ من أجل ذلك أحببتُ أن أُذكِّر نفسي وأحبَّائي طلابي الكرام بشيء يسير من سيرته العطرة، فأقول وبالله تعالى التوفيق:
الاسم والنسب:
هو عمر بن عبدالعزيز بن مروان بن الحكم بن أبي العاص بن أمية بن عبد شمس القرشي الأموي.
وأمه: أم عاصم، بنت عاصم بن عمر بن الخطاب، رضي الله عنهما.
كنيته: أبو حفص؛ (تاريخ دمشق؛ لابن عساكر، جـ48، صـ88).
ابنة بائعة اللبن:
نهى أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه عن مذق (خلط) اللبن بالماء، فخرج ذات ليلة في حواشي المدينة، فإذا بامرأة تقول لابنةٍ لها: ألا تمذقين (تخلطين) اللبن، فقالت الجارية: كيف أمذق وقد نهى أميرُ المؤمنين عن المذق، فقالت الأم: قد مذق الناس فامذقي، فما يدري أمير المؤمنين، فقالت الفتاة: إن كان عمر لا يعلم فإلَهُ عمر يعلم، ما كنت لأفعله وقد نهى عنه، فوقعتْ مقالتُها من عمر، فلما أصبح دعا عاصِمًا ابنَه، فقال: يا بني، اذهب إلى موضع كذا وكذا، فاسأل عن الجارية، ووصفها له، فذهب عاصم فإذا هي جارية من بني هلال، فقال له عمر: اذهب يا بني فتزوَّجْها؛ فما أحراها أن تأتي بفارس يسود العرب! فتزوَّجها عاصم بن عمر، فولدت له أُم عاصم بنت عاصم بن عمر بن الخطاب، فتزوجها عبدالعزيز بن مروان بن الحكم، فرزقه الله تعالى منها عمر بن عبدالعزيز الخليفة العادل؛ (سيرة عمر بن عبدالعزيز؛ لابن عبدالحكم، صـ19، صـ20).
• لما أراد عبدالعزيز بن مروان أن يتزوج أم عمر بن عبدالعزيز قال لقيمه (وكيله): اجمع لي أربعمائة دينار من طيب مالي؛ فإني أريد أن أتزوج إلى أهل بيت لهم صلاح، فتزوَّج أُمَّ عمر بن عبدالعزيز؛ (الطبقات الكبرى؛ لابن سعد، جـ5، صـ254).
ميلاد عمر بن عبدالعزيز:
ولد عمر بن عبدالعزيز بالمدينة، سنة ثلاث وستين من الهجرة، وهي السنة التي ماتت فيها ميمونة زوج النبي صلى الله عليه وسلم؛ (الطبقات الكبرى؛ لابن سعد، جـ5، صـ254)، (سيرة عمر بن عبدالعزيز؛ لابن عبدالحكم، صـ21).
تربية عمر بن عبدالعزيز:
اهتم والدا عمر بن عبدالعزيز بتربيته اهتمامًا كبيرًا؛ بكى عمر بن عبدالعزيز، وهو غلام صغير، فبلغ ذلك أُمَّه، فأرسلت إليه فقالت: ما يبكيك؟ قال: ذكرت الموت؛ فبكت أُمُّه، وكان عمر قد حفظ القرآن كله وهو غلام صغير، كان أبوه قد جعله عند صالح بن كيسان يُؤدِّبه، فلما حجَّ أبوه اجتاز به في المدينة فسأله عنه، فقال: ما خبرت أحدًا الله أعظم في صدره من هذا الغلام؛ (البداية والنهاية؛ لابن كثير، جـ9، صـ201).
• تأخُّر عمر بن عبدالعزيز عن الصلاة مع الجماعة يومًا، فقال له صالح بن كيسان: ما شغلك؟ فقال: كانت مرجلتي (مسرحة شعري) تسكن شعري، فقال له: أقدَّمْتَ ذلك على الصلاة؟! وكتب إلى أبيه، وهو على مصر يُعلِمه بذلك، فبعث أبوه رسولًا فلم يكلمه حتى حلق رأسه؛ (البداية والنهاية؛ لابن كثير، جـ9، صـ201).
زوجات عمر وأولاده:
كان لعمر بن عبدالعزيز ثلاث زوجات، وواحدة ملك يمين (امرأة تُباع وتُشترى)، وكان له من الأبناء ستة عشر؛ من الذكور: ثلاثة عشر، ومن الإناث: ثلاث؛ (الطبقات الكبرى؛ لابن سعد، جـ5، صـ254:253).
طلب عمر للعلم:
إن أول ما استبين من رشد عمر بن عبدالعزيز حرصه على العلم ورغبته في الأدب؛ إن أباه ولي مصر وهو حديث السن، يشك في بلوغه، فأراد إخراجه معه إلى مصر من الشام، فقال: يا أبه، أو غير ذلك لعله يكون أنفع لي ولك؟ ترحلني إلى المدينة فأقعد إلى فقهاء أهلها وأتأدَّب بآدابهم؛ فعند ذلك أرسله أبوه إلى المدينة، وأرسل معه الخدام، فقعد مع مشايخ قريش، وتجنَّب شبابهم، وما زال ذلك دَأْبه حتى اشتهر ذكرُه، فلما مات أبوه أخذه عمُّه أمير المؤمنين عبدالملك بن مروان، فخلطه بولده، وقدَّمه على كثير منهم، وزوَّجه بابنته فاطمة، وهي التي يقول فيها الشاعر:
بِنْت الخليفةِ والخليفة جدُّها *** أُخْت الخلائف والخليفةُ زوجُها
(البداية والنهاية؛ لابن كثير، جـ 9، صـ201: 202).
مكانة عمر العلمية:
(1) روى عمر بن عبدالعزيز الحديث عن عبدالله بن جعفر بن أبي طالب، والسائب بن يزيد، وسهل بن سعد، واستوهب منه قدحًا شرب منه النبي صلى الله عليه وسلم، وأَمَّ الصلاة بأنس بن مالك، وحدَّث أيضًا عن: سعيد بن المسيب، وعروة بن الزبير، وأبي سلمة بن عبدالرحمن، وطائفة، وكان من أئمة الاجتهاد، ومن الخلفاء الراشدين.
وروى الحديث عنه: أبو سلمة - أحد شيوخه - وأبو بكر بن حزم، ورجاء بن حيوة، ومحمد بن المنكدر، ومحمد بن شهاب الزهري، وأيوب السختياني، ويحيى بن سعيد الأنصاري، وخلق سواهم؛ (سير أعلام النبلاء؛ للذهبي، جـ5، صـ114: 115).
(2) قال مجاهد بن جبر: أتينا عمر بن عبدالعزيز ونحن نرى أنه سيحتاج إلينا فيما خرجنا من عنده حتى احتجنا إليه؛ (الطبقات الكبرى؛ لابن سعد، جـ5، صـ311).
(3) قال ميمون بن مهران: إن الله كان يتعاهد الناس بنبي بعد نبي، وإن الله تعاهد الناس بعمر بن عبدالعزيز؛ (سير أعلام النبلاء؛ للذهبي، جـ5، صـ127).
وقال ميمون بن مهران أيضًا: كان عمر بن عبدالعزيز مُعلِّم العلماء؛ (تاريخ دمشق؛ لابن عساكر، جـ48، صـ100).
(4) قال مالك بن دينار: الناس يقولون عني زاهد؛ إنما الزاهد عمر بن عبدالعزيز الذي أتَتْه الدنيا فتركها؛ (حلية الأولياء لأبي نعيم، جـ5، صـ257).
(5) قال أحمد بن حنبل: ليس قول أحد من التابعين حجةً إلا قول عمر بن عبدالعزيز؛ (البداية والنهاية؛ لابن كثير، جـ9، صـ201).
(6) قال محمد بن علي بن الحسين: لكل قوم نجيبة، وإن نجيبة بني أمية عمر بن عبدالعزيز.. (حلية الأولياء؛ لأبي نعيم، جـ5، صـ254).
(7) قال البخاري: قال مالك بن أنس وسفيان بن عيينة: عمر بن عبدالعزيز إمام؛ (تهذيب التهذيب؛ لابن حجر جـ4، صـ300).
(8) قال ابن سعد: كان عمر بن عبدالعزيز ثقةً، مأمونًا، له فقه وعلم ووَرَع، وروى حديثًا كثيرًا، وكان إمام عدل، رحمه الله، ورضي عنه؛ (الطبقات الكبرى؛ لابن سعد، جـ5، صـ311).
(9) قال سفيان الثوري والشافعي: الخلفاء خمسة: أبو بكر، وعمر، وعثمان، وعلي، وعمر بن عبدالعزيز؛ (تاريخ دمشق؛ لابن عساكر، جـ48، صـ128: 129).
ولاية عمر على المدينة:
لما تولى الوليد بن عبدالملك الخلافة جعل عمر بن عبدالعزيز أميرًا على المدينة، فوليها عمر من سنة ست وثمانين، إلى سنة ثلاث وتسعين؛ (تاريخ دمشق؛ لابن عساكر، جـ48، صـ94).
استخلاف عمر بن عبدالعزيز:
قال رجاء بن حيوة (رحمه الله): لما اشتد المرض بسليمان بن عبدالملك، رآني عمر بن عبدالعزيز في الدار، أخرج، وأدخل، وأتردَّد، فقال: يا رجاء، أُذكِّرك الله والإسلام أن تذكرني لأمير المؤمنين، أو تشير بي، فوالله ما أقوى على هذا الأمر، فانتهرته، وقلت: إنك لحريص على الخلافة. فاستحيا، ودخلت، فقال لي سليمان: من ترى لهذا الأمر؟ فقلت: اتق الله، فإنك قادم على الله تعالى، وسائلك عن هذا الأمر، وما صنعت فيه، قال: فمن ترى؟ قلت: عمر بن عبدالعزيز، قال: كيف أصنع بعهد عبدالملك إلى الوليد، وإلي في ابني عاتكة، أيهما بقي؟ قلت: تجعله من بعده، قال: أصبت، جئني بصحيفة، فأتيته بصحيفة، فكتب عهد عمر، ويزيد بن عبدالملك من بعد، ثم دعوت رجالًا، فدخلوا، فقال: عهدي في هذه الصحيفة مع رجاء، اشهدوا واختموا الصحيفة، قال: فلم يلبث أن مات، فكففت النساء عن الصياح، وخرجت إلى الناس، فقالوا: كيف أمير المؤمنين؟ قلت: لم يكن منذ اشتكى أسكن منه الساعة، قالوا: لله الحمد؛ (سير أعلام النبلاء؛ للذهبي، جـ5، صـ123).
منهج عمر في خلافته:
لما تولَّى عمر بن عبدالعزيز الخلافة جاءه صاحب الشرطة ليسير بين يديه بالحربة على عادته مع الخلفاء قبله، فقال له عمر: ما لي ولك؟ تنحَّ عني؛ إنما أنا رجل من المسلمين، ثم سار وساروا معه حتى دخل المسجد، فصعد المنبر واجتمع الناس إليه، فقال: أيها الناس، إني قد ابتليت بهذا الأمر عن غير رأي كان منى فيه، ولا طلبة له، ولا مشورة من المسلمين، وإني قد خلعت ما في أعناقكم من بيعتي، فاختاروا لأنفسكم ولأمركم من تريدون، فصاح المسلمون صيحة واحدة: قد اخترناك لأنفسنا وأمرنا، ورضينا كلنا بك، فلما هدأت أصواتهم حمد الله، وأثنى عليه، وقال: أوصيكم بتقوى الله، فإن تقوى الله خلف من كل شيء، وليس من تقوى الله خلف، وأكثروا من ذكر الموت؛ فإنه هادم اللذات، وأحسنوا الاستعداد له قبل نزوله، وإن هذه الأُمَّة لم تختلف في ربِّها ولا في كتابها ولا في نبيِّها؛ وإنما اختلفوا في الدينار والدرهم، وإني والله لا أعطي أحدًا باطلًا، ولا أمنع أحدًا حقًّا، ثم رفع صوته فقال: أيها الناس، مَنْ أطاع الله وجبت طاعته، ومن عصى الله فلا طاعة له، أطيعوني ما أطعت الله، فإذا عصيت الله فلا طاعة لي عليكم، ثم نزل فدخل فأمر بالستور فهتكت والثياب التي كانت تبسط للخلفاء أمر بها فبِيعت، وأدخل أثمانها في بيت المال؛ (البداية والنهاية؛ لابن كثير، جـ9، صـ221).
نصيحة عبدالملك بن عمر له:
لما أخذ عمر بن عبدالعزيز البيعة بالخلافة من الناس، ذهب ليستريح وقت الظهيرة، فأتاه ابنه عبدالملك، فقال: يا أمير المؤمنين، ماذا تريد أن تصنع؟ قال: يا بني أقيل، قال: تقيل ولا ترد المظالم إلى أهلها؟ فقال: إني سهرت البارحة في أمر سليمان، فإذا صليت الظهر رددت المظالم، فقال له: يا أمير المؤمنين، ومن لك أن تعيش إلى الظهر؟ قال: ادن منِّي أي بني، فدنا منه، فقَبَّل بين عينيه، وقال: الحمد لله الذي أخرج من صلبي مَنْ يُعينني على ديني، ثم قام وخرج وترك القائلة، وأمر مُناديه أن يُنادي: ألا من كانت له مظلمة فليرفعها؛ (صفة الصفوة؛ لابن الجوزي، جـ2، صـ115).
الاقتداء بعمر بن الخطاب:
قال سالم بن عبدالله بن عمر بن الخطاب: إن عمر بن عبدالعزيز كتب إليه: من عبدالله عمر أمير المؤمنين إلى سالم بن عبدالله، سلام عليك، فإني أحمد إليك الله الذي لا إله إلا هو، أما بعد: «فإن الله ابتلاني بما ابتلاني به من أمر هذه الأمة عن غير مشاورة مني فيها، ولا طلبة مني لها، إلا قضاء الرحمن وقدره، فأسأل الذي ابتلاني من أمر هذه الأمة بما ابتلاني أن يُعينني على ما ولَّاني، وأن يرزقني منهم السمع والطاعة وحسن مؤازرة، وأن يرزقهم مني الرأفة والمعدلة، فإذا أتاك كتابي هذا فابعث إلي بكتب عمر بن الخطاب وسيرته وقضاياه في أهل القبلة وأهل العهد؛ فإني مُتَّبِع أثر عمر وسيرته، إن أعانني الله على ذلك، والسلام»؛ (حلية الأولياء؛ لأبي نعيم، جـ5، صـ284).
استشارة العلماء:
لما قدم عمر بن عبدالعزيز المدينة واليًا عليها كَتَبَ حاجِبُه الناسَ، ثم دخلوا فسلَّمُوا عليه، فلما صلى الظهر دعا عشرة نفر من فقهاء البلد: عروة بن الزبير وعبيدالله بن عبدالله بن عتبة، وأبا بكر بن عبدالرحمن بن الحارث، وأبا بكر بن سليمان بن أبي حثمة، وسليمان بن يسار، والقاسم بن محمد، وسالم بن عبدالله، وعبدالله بن عبدالله بن عمر، وعبدالله بن عامر بن ربيعة، وخارجة بن زيد بن ثابت، فحمد الله، وأثنى عليه بما هو أهله، ثم قال: إني دعوتكم لأمر تؤجرون عليه، وتكونون فيه أعوانًا على الحق، ما أريد أن أقطع أمرًا إلا برأيكم أو برأي من حضر منكم، فإن رأيتم أحدًا يتعدَّى أو بلغكم عن عامل لي ظلامةً، فأُحَرِّج بالله على أحد بلغه ذلك إلا أبلغني، فجزوه خيرًا وافترقوا؛ (الطبقات الكبرى؛ لابن سعد، جـ5، صـ257).
• قال محمد بن كعب القرظي، قال لي عمر بن عبدالعزيز: صف لي العدل يا بن كعب، قلت: بخ بخ، سألت عن أمر عظيم: كن لصغير الناس أبًا، ولكبيرهم ابنًا، وللمثل منهم أخًا، وللنساء كذلك، وعاقب الناس بقدر ذنوبهم على قدر احتمالهم، ولا تضربن لغضبك سوطًا واحدًا، فتكون من العادين؛ (الآداب الشرعية؛ لابن مفلح الحنبلي، جـ1، صـ180).
مصاحبة عمر بن عبدالعزيز:
قال عمر بن عبدالعزيز لجلسائه: من صحبني منكم، فليصحبني بخمس خصال: يدلني من العدل إلى ما لا أهتدي له، ويكون لي على الخير عونًا، ويبلغني حاجة من لا يستطيع إبلاغها، ولا يغتاب عندي أحدًا، ويؤدي الأمانة التي حملها مني ومن الناس، فإذا كان كذلك فمرحبًا به، وإلا فهو في حرج من صحبتي والدخول علي؛ (حلية الأولياء؛ لأبي نعيم، جـ5، صـ336).
عبادة عمر بن عبدالعزيز:
• روى النسائي عن زيد بن أسلم قال: دخلنا على أنس بن مالك فقال: «صليتم؟» قلنا: نعم، قال: «يا جارية، هلمي لي وضوءًا، ما صليت وراء إمام أشبه صلاةً برسول الله صلى الله عليه وسلم من إمامكم هذا»، قال زيد: وكان عمر بن عبدالعزيز يتم الركوع والسجود، ويُخفِّف القيام والقعود؛ (حديث صحيح لغيره)، (صحيح النسائي؛ للألباني جـ1، صـ322).
• كان عمر بن عبدالعزيز يصوم الاثنين والخميس؛ (الطبقات الكبرى؛ لابن سعد، جـ5، صـ256).
خوف عمر من الله تعالى:
(1) قالت فاطمة بنت عبدالملك: قد يكون من الرجال من هو أكثر صلاةً وصيامًا من عمر؛ ولكني لم أرَ من الناس أحدًا قطُّ كان أشدَّ خوفًا من ربِّه من عمر، كان إذا دخل البيت ألقى نفسه في مسجده، فلا يزال يبكي ويدعو حتى تغلبه عيناه، ثم يستيقظ فيفعل مثل ذلك ليلته أجمع؛ (حلية الأولياء؛ لأبي نعيم، جـ5، صـ260).
(2) بكى عمر بن عبدالعزيز فبكت فاطمة زوجته، فبكى أهل الدار، لا يدري هؤلاء ما أبكى هؤلاء، فلما تجلى عنهم العبر، قالت له فاطمة: يا أمير المؤمنين، ممَّ بكيتَ؟ قال: ذكرت يا فاطمة منصرف القوم من بين يدي الله عز وجل، فريق في الجنة، وفريق في السعير، قال: «ثم صرخ وغشي عليه»؛ (حلية الأولياء؛ لأبي نعيم، جـ5، صـ261).
(3) اجتمع بنو مروان على باب عمر بن عبدالعزيز، وجاء عبدالملك بن عمر ليدخل على أبيه، فقالوا له: إما أن تستأذن لنا، وإما أن تبلغ أمير المؤمنين عنا الرسالة، قال: قُولُوا، قالوا: إن من كان قبله من الخلفاء كان يعطينا، ويعرف لنا موضعنا، وإن أباك قد حرمنا ما في يديه، قال: فدخل على أبيه، فأخبره عنهم، فقال له عمر: قل لهم: إن أبي يقول لكم: ﴿ إِنِّي أَخَافُ إِنْ عَصَيْتُ رَبِّي عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ ﴾ [الأنعام: 15]؛ (حلية الأولياء؛ لأبي نعيم، جـ5، صـ267).
(4) قال عطاء بن أبي رباح: حدثتني فاطمة، امرأة عمر بن عبدالعزيز: أنها دخلت عليه، فإذا هو في مصلاه، يده على خده، سائلة دموعه، فقلت: يا أمير المؤمنين، ألشيء حدث؟ قال: يا فاطمة، إني تقلدت أمر أمة محمد صلى الله عليه وسلم، فتفكرت في الفقير الجائع، والمريض الضائع، والعاري المجهود، والمظلوم المقهور، والغريب المأسور، والكبير، وذي العيال في أقطار الأرض، فعلمت أن ربي سيسألني عنهم، وأن خصمهم دونهم محمد صلى الله عليه وسلم؛ فخشيت ألا تثبت لي حجة عند خصومته، فرحمت نفسي، فبكيت؛ (سير أعلام النبلاء؛ للذهبي، جـ5، صـ131).
(5) قال مكحول الشامي: لو حلفت لصدقت، ما رأيت أزهد ولا أخوف لله من عمر بن عبدالعزيز؛ (تاريخ الإسلام؛ للذهبي جـ7، صـ123).
زهد عمر بن عبدالعزيز:
(1) قال ميمون بن مهران: أقمت عند عمر بن عبدالعزيز ستة أشهر، ما رأيته غيَّرَ رِداءه، كان يغسل من الجمعة إلى الجمعة، ويُتَبَّن بشيء من زعفران؛ (الطبقات الكبرى؛ لابن سعد، جـ5، صـ313).
(2) دخل مسلمة بن عبدالملك على عمر بن عبدالعزيز، فقال لأخته فاطمة بنت عبدالملك، وهي امرأة عمر بن عبدالعزيز: إني أرى أمير المؤمنين قد أصبح اليوم مُفِيقًا، وأرى قميصه دَرِنًا فألبسيه غير هذا القميص حتى نأذن للناس عليه، فسكتت، فقال: ألبسي أمير المؤمنين غير هذا القميص، فقالت: والله ما له غيره؛ (الطبقات الكبرى؛ لابن سعد، جـ5، صـ314).
(3) قال رجاء بن حيوة: كان عمر بن عبدالعزيز من أعطر الناس، وألبس الناس، وأخيلهم مشيةً، فلما استخلف قوَّموا ثيابه باثني عشر درهمًا من ثياب مصر؛ (الطبقات الكبرى؛ لابن سعد، جـ5، صـ314).
(4) قال سعيد بن سويد: إن عمر بن عبدالعزيز صلى بهم الجمعة وعليه قميص مرقوع الجيب من بين يديه ومن خلفه؛ (الطبقات الكبرى؛ لابن سعد، جـ5، صـ314).
(5) قال عمر بن عبدالعزيز لامرأته: عندك درهم أشتري به عنبًا؟ قالت: لا، قال: فعندك فلوس؟ قالت: لا، أنت أمير المؤمنين ولا تقدر على درهم! قال: هذا أهون من معالجة الأغلال في جهنم؛ (سير أعلام النبلاء؛ للذهبي، جـ5، صـ134).
ما استخلف عمر بن عبدالعزيز نظر إلى ما كان له من عبد، وإلى لباسه وعطره وأشياء من الفضول، فباع كل ما كان به عنه غنًى، فبلغ ثلاثةً وعشرين ألف دينار، فجعله في بيت المال؛ (الطبقات الكبرى؛ لابن سعد، جـ5، صـ266).
(6) قال عبدالعزيز بن عمر بن عبدالعزيز: قال لي أمير المؤمنين، أبو جعفر المنصور: كم كانت غلة عمر حين أفضت إليه الخلافة؟ قلت: خمسون ألف دينار، قال: كم كانت يوم مات؟ قلت: ما زال يردها حتى كانت مائتي دينار، ولو بقي لردها؛ (حلية الأولياء؛ لأبي نعيم، جـ5، صـ257).
ورع عمر بن عبدالعزيز:
(1) كان عمر بن عبدالعزيز إذا سمر في أمر العامة أسرج من بيت مال المسلمين، وإذا سمر في أمر نفسه أسرج من مال نفسه؛ (الطبقات الكبرى؛ لابن سعد، جـ5، صـ311).
(2) كان لعمر بن عبدالعزيز سراج (مصباح) يكتب عليه حوائجه، وسراج لبيت المال يكتب عليه مصالح المسلمين، لا يكتب على ضوئه لنفسه حرفًا؛ (البداية والنهاية؛ لابن كثير، جـ9، صـ211).
(3) كان لعمر بن عبدالعزيز غلام يعمل على بغل له، يأتيه بدرهم كل يوم، فجاءه يومًا بدرهم ونصف، فقال: «ما بدا لك؟»، فقال: نفقت السوق (كثر الإقبال عليها)، قال: «لا، ولكنك أتعبت البغل، أرحه ثلاثة أيام»؛ (حلية الأولياء؛ لأبي نعيم جـ5، صـ260).
(4) أهدي إلى عمر بن عبدالعزيز تفاح وفاكهة، فردَّها، وقال: لا أعلمن أنكم قد بعثتم إلى أحد من أهل عملي بشيء، قيل له: ألم يكن رسول الله صلى الله عليه وسلم يقبل الهدية، قال: بلى؛ ولكنها لنا ولمن بعدنا رشوة؛ (حلية الأولياء؛ لأبي نعيم جـ5، صـ294).
قال خالد بن أبي الصلت: أتي عمر بن عبدالعزيز بماء قد سخن في فحم الإمارة، فكرهه ولم يتوضأ به؛ (حلية الأولياء؛ لأبي نعيم، جـ5، صـ294).
(5) كان عمر بن عبدالعزيز لا يحمل على البريد إلا في حاجة المسلمين، وكتب إلى عامل له يشتري له عسلًا، ولا يُسخِّر فيه شيئًا، وأن عامله حمله على مركبة من البريد، فلما أتى قال: عَلامَ حمله؟ قالوا: على البريد، فأمر بذلك العسل فبيع، وجعل ثمنه في بيت مال المسلمين، وقال: «أفسدت علينا عسلك»؛ (حلية الأولياء؛ لأبي نعيم جـ5صـ293).
تواضع عمر بن عبدالعزيز:
(1) قال رجاء بن حيوة: سمرت عند عمر بن عبدالعزيز ذات ليلة فعشي (ضعف) السراج، فقلت: ألا أنبه هذا الغلام يصلحه؟ فقال: لا، دعه ينام، فقلت: أفلا أقوم أصلحه؟ فقال: لا، ليس من مروءة الرجل استخدام ضيفه، ثم قام بنفسه فأصلحه، وصب فيه زيتًا، ثم جاء وقال: قمت وأنا عمر بن عبدالعزيز، وجئت وأنا عمر بن عبدالعزيز؛ (البداية والنهاية؛ لابن كثير جـ9، صـ211).
(2) قال الأوزاعي: كان عمر بن عبدالعزيز يجعل كل يوم درهمًا من خاصة ماله في طعام المسلمين، ثم يأكل معهم؛ (حلية الأولياء؛ لأبي نعيم، جـ5، صـ270).
(3) كتب عمر بن عبدالعزيز لولاته: لا تخصوني بشيء من الدعاء، ادعوا للمؤمنين والمؤمنات عامةً، فإن أكن منهم أدخل فيهم؛ (الطبقات الكبرى؛ لابن سعد، جـ5، صـ294).
اهتمام عمر بالعلم والعلماء:
(1) قال كان عمر بن عبدالعزيز: تعلموا العلم؛ فإنه زين للغني، وعون للفقير، لا أقول إنه يطلب به؛ ولكنه يدعو إلى القناعة؛ (سيرة عمر بن عبدالعزيز؛ لابن عبدالحكم، صـ151).
(2) كان عمر بن عبدالعزيز يعطي من انقطع إلى المسجد الجامع من بلده وغيرها للفقه ونشر العلم وتلاوة القرآن، في كل عام من بيت المال مائة دينار، وكان يكتب إلى عماله أن يأخذوا بالسنة، ويقول: إن لم تصلحهم السنة فلا أصلحهم الله؛ (البداية والنهاية؛ لابن كثير، جـ9، صـ216).
(3) كتب عمر بن عبدالعزيز لولاته: لا يستعمل على الأعمال إلا أهل القرآن، فإن لم يكن عندهم خير، فغيرهم أولى أن لا يكون عنده خير؛ (البداية والنهاية؛ لابن كثير، جـ9، صـ216).
(4) قال عمر بن عبدالعزيز: لو كان كل بدعة يميتها الله على يدي، وكل سنة ينعشها الله على يدي ببضعة (قطعة) من لحمي حتى يأتي آخر ذلك على نفسي كان في الله يسيرًا؛ (الطبقات الكبرى؛ لابن سعد، جـ5، صـ264).
(5) قال أبو المليح: جاءت كتب عمر بن عبدالعزيز بإحياء السنة وإماتة البدع؛ (الطبقات الكبرى؛ لابن سعد، جـ5، صـ293).
(6) قال عمر بن عبدالعزيز: إن للإسلام سُنَنًا وشرائع وفرائض، فمن استكملهنَّ استكمل الإيمان، ومَنْ لم يستكملهُنَّ لم يستكمل الإيمان، فإن أعِشْ أُبيِّنْها لكم؛ لتعملوا بهن، وإنْ أمُتْ، فو الله ما أنا على صحبتكم بحريص؛ (تاريخ دمشق؛ لابن عساكر، جـ48، صـ136).
حرص عمر على نشر الإسلام:
(1) كتب عمر بن عبدالعزيز إلى عامله (واليه) على خراسان الجراح بن عبدالله الحكمي يأمره أن يدعو أهل الجزية إلى الإسلام، فإن أسلموا قبلَ إسلامَهم ووضَعَ الجزية عنهم، وكان لهم ما للمسلمين، وعليهم ما على المسلمين، فقال له رجل من أشراف أهل خراسان: إنه والله ما يدعوهم إلى الإسلام إلا أن تُوضَعَ عنهم الجزية، فامتحنهم بالختان، فقال: أنا أردهم عن الإسلام بالختان؟ هم لو قد أسلموا فحسُن إسلامُهم كانوا إلى الطهرة (الختان) أسرع، فأسلم على يده نحو من أربعة آلاف؛ (الطبقات الكبرى؛ لابن سعد، جـ5، صـ301).
(2) كتب حيان بن شريح عامل (والي) مصر إلى عمر بن عبدالعزيز: إن أهل الذمة قد أشرعوا في الإسلام، وكسروا الجزية، فكتب إليه: إن الله بعث محمدًا صلى الله عليه وسلم داعيًا، ولم يبعثه جابيًا (جامعًا للمال)، فإذا أتاك كتابي، فإن كان أهل الذمَّة أشرعوا في الإسلام، وكسروا الجزية، فاطوِ كتابك، وأقبل؛ (سير أعلام النبلاء؛ للذهبي، جـ5، صـ147).
القدوة:
(1) جاء أصحاب مراكب الخلافة يسألون عمر بن عبدالعزيز العلوفة ورزق خدمها، قال: ابعثوا بها إلى أمصار الشام يبيعونها، واجعلوا أثمانها في مال الله، تكفيني بغلتي هذه الشهباء؛ (تاريخ الإسلام؛ للذهبي، جـ7، صـ118).
(2) قال عمر بن عبدالعزيز لامرأته فاطمة بنت عبدالملك، وكان عندها جوهر أمر لها أبوها به لم يُرَ مثله: اختاري؛ إما أن تردي حليك إلى بيت المال، وإما تأذني لي في فراقك، فإني أكره أن أكون أنا وأنت وهو في بيت واحد، قالت: لا؛ بل أختارك يا أمير المؤمنين عليه، وعلى أضعافه لو كان لي، قال: فأمر به، فحُمِل حتى وُضِع في بيت مال المسلمين، فلما مات عمر واستخلف يزيد بن عبدالملك، قال لفاطمة: إن شئت يردونه عليك، قالت: فإني لا أشاؤه، طبت عنه نفسًا في حياة عمر، وأرجع فيه بعد موته؟! لا والله أبدًا، فلما رأى ذلك قسمه بين أهله وولده؛ (حلية الأولياء؛ لأبي نعيم، جـ 5، صـ 283).
(3) قال الليث بن سعد: بدأ عمر بن عبدالعزيز بأهل بيته، فأخذ ما بأيديهم، وسمَّى أموالهم مظالم، ففزعت بنو أمية إلى عمته فاطمة بنت مروان، فأرسلت إليه: إني قد عناني أمر، فأتته ليلًا، فأنزلها عن دابَّتِها، فلما أخذت مجلسها، قال: يا عمَّة، أنت أولى بالكلام، قالت: تكلم يا أمير المؤمنين، قال: إن الله بعث محمدًا صلى الله عليه وسلم رحمةً، ولم يبعثه عذابًا، واختار له ما عنده، فترك لهم نهرًا، شربهم سواء، ثم قام أبو بكر، فترك النهر على حاله، ثم عمر، فعمل عمل صاحبه، ثم لم يزل النهر يشتق منه يزيد، ومروان، وعبدالملك، والوليد، وسليمان، حتى أفضى الأمر إليَّ، وقد يبس النهر الأعظم، ولن يروي أهله حتى يعود إلى ما كان عليه، فقالت: حسبك، فلست بذاكرة لك شيئًا، ورجعت، فأبلغتهم كلامه؛ (سير أعلام النبلاء؛ للذهبي، جـ5، صـ129).
(4) قال عبدالمجيد بن سهيل: رأيت عمر بن عبدالعزيز بدأ بأهل بيته، فردَّ ما كان بأيديهم من المظالم، ثم فعل بالناس بعد؛ (الطبقات الكبرى؛ لابن سعد، جـ5، صـ263).
(5) قال أبو بكر بن أبي سبرة: لما رد عمر بن عبدالعزيز المظالم، قال: إنه لينبغي أن لا أبدأ بأول من نفسي، فنظر إلى ما في يديه من أرض أو متاع فخرج منه حتى نظر إلى فص خاتم، فقال: هذا مما كان الوليد بن عبدالملك أعطانيه مما جاءه من أرض المغرب، فخرج منه؛ (الطبقات الكبرى؛ لابن سعد، جـ5، صـ263).
(6) قال الأوزاعي: كان عمر بن عبدالعزيز إذا أراد أن يعاقب رجلًا حبسه ثلاثة أيام، ثم عاقبه، كراهية أن يُعجِّل في أول غضبه؛ (تاريخ الإسلام؛ للذهبي، جـ7، صـ121).
واستعمل عمر عاملًا (واليًا)، فبلغه أنه عمل للحجاج بن يوسف الثقفي، فعزله، فأتاه يعتذر إليه، فقال: لم أعمل له إلا قليلًا، فقال: حسبك من صحبة شرٍّ يوم أو بعض يوم؛ (حلية الأولياء؛ لأبي نعيم، جـ5، صـ289).
اهتمام عمر برعيته:
(1) كتب عمر بن عبدالعزيز إلى أبي بكر بن محمد بن عمرو بن حزم، قاضي المدينة: إياك والجلوس في بيتك، اخرج للناس فآس (أعدل) بينهم في المجلس والمنظر، ولا يكن أحد من الناس آثر عندك من أحد، ولا تقولن هؤلاء من أهل بيت أمير المؤمنين، فإن أهل بيت أمير المؤمنين وغيرهم عندي اليوم سواء؛ بل أنا أحرى أن أظن بأهل بيت أمير المؤمنين أنهم يقهرون من نازعهم، وإذا أشكل عليك شيء فاكتب إليَّ فيه؛ (الطبقات الكبرى؛ لابن سعد، جـ5، صـ264).
(2) كتب عمر بن عبدالعزيز إلى عبدالحميد بن عبدالرحمن، وهو بالعراق: أن «أخرج للناس أعطياتهم» فكتب إليه عبدالحميد: إني قد أخرجت للناس أعطياتهم، وقد بقي في بيت المال مال، فكتب إليه: أن «انظر كل من أدان في غير سفه ولا سرف فاقْضِ عنه»، فكتب إليه، إني قد قضيت عنهم، وبقي في بيت مال المسلمين مال، فكتب إليه: أن «انظر كل بكر ليس له مال، فشاء أن تزوجه فزوجه وأصْدِق عنه»، فكتب إليه: إني قد زوجت كل من وجدت، وقد بقي في بيت مال المسلمين مال، فكتب إليه بعد مخرج هذا: أن «انظر من كانت عليه جزية فضعف عن أرضه، فأسلفه ما يقوى به على عمل أرضه، فإنا لا نريدهم لعام ولا لعامين»؛ (الأموال؛ للقاسم بن سلام، صـ109، رقم: 625).
(3) قال: ثابت بن قيس: سمِعت كتاب عمر بن عبدالعزيز يقرأ علينا: ارفعوا كل مولود نفرض له، وارفعوا موتاكم؛ فإنما هو مالكم نرده عليكم؛ (الطبقات الكبرى؛ لابن سعد، جـ5، صـ267).
معاملة عمر لغير المسلمين:
(1) كتب عمر بن عبدالعزيز إلى عدي بن أرطأة: انظر أهل الذمة فارفق بهم، وإذا كبر الرجل منهم وليس له مال فأنفق عليه؛ (الطبقات الكبرى؛ لابن سعد، جـ5، صـ296).
(2) قال رجل ذمي، أبيض الرأس واللحية، من أهل حمص لعمر بن عبدالعزيز: يا أمير المؤمنين، أسألك كتاب الله، قال: ما ذاك؟ قال: العباس بن الوليد بن عبدالملك اغتصبني أرضي، والعباس جالس، فقال له عمر: يا عباس، ما تقول؟ قال: نعم أقطعنيها أمير المؤمنين الوليد، وكتب لي بها سجلًّا، فقال عمر: ما تقول يا ذمِّي؟ قال: يا أمير المؤمنين، أسألك كتاب الله تعالى، فقال عمر: نعم كتابُ الله أحقُّ أن يُتَّبع من كتاب الوليد، قُمْ فارْدُدْ عليه يا عباس ضيعتَه، فردَّها عليه؛ (صفة الصفوة؛ لابن الجوزي، جـ2، صـ115: 116).
عمر يرد المظالم إلى أهلها:
(1) قال سليمان بن موسى: ما زال عمر بن عبدالعزيز يرد المظالم منذ يوم استخلف إلى يوم مات؛ (الطبقات الكبرى؛ لابن سعد، جـ5، صـ263).
(2) قال أبو الزناد: كتب إلينا عمر بن عبدالعزيز بالعراق في رد المظالم إلى أهلها فرددناها حتى أنفدنا ما في بيت مال العراق، وحتى حمل إلينا عمر المال من الشام؛ (الطبقات الكبرى؛ لابن سعد، جـ5، صـ264).
(3) قال أبو الزناد: كان عمر يرد المظالم إلى أهلها بغير البيِّنة القاطعة، كان يكتفي بأيسر ذلك، إذا عرف وجهًا من مظلمة الرجل ردَّها عليه، ولم يكلفه تحقيق البيِّنة؛ لما كان يعرف من غشم الولاة؛ (الطبقات الكبرى؛ لابن سعد، جـ5، صـ264).
(4) قال أبو بكر بن محمد بن عمرو بن حزم، قال: كتب إلي عمر بن عبدالعزيز أنِ استبرئِ الدواوين، فانظُرْ إلى كل ظلم ظلمه مَنْ قبلي من حق مسلم أو معاهد فرُدَّه عليه، فإن كان أهل تلك المظلمة قد ماتوا، فادفعه إلى ورثتهم؛ (الطبقات الكبرى؛ لابن سعد، جـ5، صـ264).
نصيحة عمر لولاته:
(1) كتب بعض عُمَّال (أمراء) عمر بن عبدالعزيز إليه: إن مدينتنا قد خربت، فإن رأى أمير المؤمنين أن يقطع لها مالًا يرمها (يصلح خللها) به فعل، فكتب إليه عمر: قد فهمت كتابك، وما ذكرت أن مدينتكم قد خربت، فإذا قرأت كتابي هذا فحصِّنها بالعدل، ونقِّ طرقها من الظلم، فإنه مرمّتها والسلام؛ (حلية الأولياء؛ لأبي نعيم، جـ 5، صـ 305).
(2) كتب عمر بن عبدالعزيز إلى بعض عمَّاله: إذا دعتك قدرتك على الناس إلى ظلمهم، فاذكر قدرة الله تعالى عليك، ونفاد ما تأتي إليهم، وبقاء ما يأتون إليك؛ (تاريخ دمشق؛ لابن عساكر، جـ48، صـ135).
(3) كتب عمر بن عبدالعزيز إلى أبي بكر بن حزم: أما بعد، فكتبت تذكر أن القراطيس (الأوراق) التي قبلك قد نفدت، وقد قطعنا لك دون ما كان يقطع لمن كان قبلك، فأدق قلمك، وقارب بين أسطرك، واجمع حوائجك؛ فإني أكره أن أُخرِج من أموال المسلمين ما لا ينتفعون به؛ (الطبقات الكبرى؛ لابن سعد، جـ5، صـ312).
(4) كتب عمر إلى بعض عمَّاله (ولاته): «أوصيك بتقوى الله الذي لا يقبل غيرها، ولا يرحم إلا أهلها، ولا يثيب إلا عليها، فإن الواعظين بها كثير، والعاملين بها قليل»؛ (البداية والنهاية؛ لابن كثير، جـ9، صـ201).
(5) كتب عمر بن عبدالعزيز إلى بعض عمَّاله: أما بعد، فإني أوصيك بتقوى الله، ولزوم طاعته، فإن بتقوى الله نجا أولياء الله من سخطه، وبها تحقق لهم ولايته، وبها رافقوا أنبياءهم، وبها نضرت وجوههم، وبها نظروا إلى خالقهم، وهي عصمة في الدنيا من الفتن، والمخرج من كرب يوم القيامة؛ (حلية الأولياء؛ لأبي نعيم، جـ 5، صـ 278).
(6) قال الأوزاعي: كتب عمر إلى عُمَّاله (ولاته): «اجتنبوا الاشتغال عند حضرة الصلاة، فمن أضاعها، فهو لما سواها من شعائر الإسلام أشد تضييعًا»؛ (حلية الأولياء؛ لأبي نعيم، جـ 5، صـ 316).
(7) كان عمر بن عبدالعزيز يوسع على عُمَّاله (ولاته) في النفقة؛ يعطي الرجل منهم في الشهر مائة دينار، ومائتي دينار، وكان يتأوَّل أنهم إذا كانوا في كفاية تفرَّغوا لأشغال المسلمين، فقالوا له: لو أنفقت على عيالك كما تنفق على عُمَّالك! فقال: لا أمنعهم حقًّا لهم، ولا أعطيهم حقَّ غيرهم؛ (البداية والنهاية؛ لابن كثير، جـ9، صـ211).
قبس من كلام عمر:
قال عمر بن عبدالعزيز (رحمه الله):
(1) لا ينبغي للقاضي أن يكون قاضيًا حتى تكون فيه خمس خصال: عفيف، حليم، عالم بما كان قبله، يستشير ذوي الرأي، لا يبالي ملامة الناس؛ (الطبقات الكبرى؛ لابن سعد، جـ5، صـ287).
(2) «قد أفلح من عصم من المراء والغضب والطمع»؛ (حلية الأولياء؛ لأبي نعيم، جـ5، صـ290).
(3) قال عمر بن عبدالعزيز لابنه: «يا بني، إذا سمِعت كلمةً من امرئ مسلم، فلا تحملها على شيء من الشر ما وجدت لها محملًا من الخير»؛ (حلية الأولياء؛ لأبي نعيم، جـ5، صـ277).
(4) «أيها الناس، أصلحوا سرائركم، تصلح علانيتُكم، واعملوا لآخرتكم تكفوا دنياكم، واعلموا أن رجلًا ليس بينه وبين آدم أب حي لمغرق له في الموت والسلام عليكم»؛ (حلية الأولياء؛ لأبي نعيم، جـ 5، صـ 265).
(5) «لا ينفع القلب إلا ما خرج من القلب»؛ (حلية الأولياء؛ لأبي نعيم، جـ 5، صـ 288).
(6) أيها الناس، إنكم لم تخلقوا عبثًا، ولم تتركوا سدًى، وإن لكم معادًا ينزل الله فيه للحكم فيكم، والفصل بينكم، وقد خاب وخسر من خرج من رحمة الله التي وسعت كل شيء، وحرم الجنة التي عرضها السماوات والأرض، ألا واعلموا أن الأمان غدًا لمن حذر الله وخافه، وباع نافدًا بباق، وقليلًا بكثير، وخوفًا بأمان؛ (حلية الأولياء، لأبي نعيم، جـ 5، صـ 286).
آثار عدل عمر:
(1) قال مالك بن دينار: لما استعمل عمر بن عبدالعزيز على الناس، قالت رعاء الشاء في رؤوس الجبال: من هذا العبد الصالح الذي قام على الناس؟ قيل لهم: وما علمكم بذاك؟ قالوا: إنه إذا قام على الناس خليفة عدل كفت الذئاب عن شائنا؛ (الطبقات الكبرى؛ لابن سعد، جـ5، صـ301).
(2) قال موسى بن أعين: كنا نرعى الشاء بكرمان في خلافة عمر بن عبدالعزيز، فكانت الشاء والذئاب والوحش ترعى في موضع واحد، فبينا نحن ذات ليلة إذ عرض الذئب لشاة، فقلنا: ما أرى الرجل الصالح إلا قد هلك، فنظروا فوجدوه مات في تلك الليلة؛ (الطبقات الكبرى؛ لابن سعد، جـ5، صـ301).
(3) قال عمر بن أسيد، قال: والله، ما مات عمر بن عبدالعزيز حتى جعل الرجل يأتينا بالمال العظيم، فيقول: اجعلوا هذا حيث ترون، فما يبرح يرجع بماله كله، قد أغنى عمر الناس؛ (سير أعلام النبلاء؛ للذهبي، جـ5، صـ131).
(4) قال سهيل بن أبي صالح: كنت مع أبي غداة عرفة، فوقفنا لننظر لعمر بن عبدالعزيز، وهو أمير الحاج، فقلت: يا أبتاه، والله إني لأرى الله يحب عمر، قال: لم؟ قلت: لما أراه دخل له في قلوب الناس من المودة، وأنت سمعت أبا هريرة يقول: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إذا أحبَّ اللهُ عبدًا، نادى جبريل: إن الله قد أحبَّ فلانًا، فأحبُّوه))؛ (سير أعلام النبلاء؛ للذهبي جـ5، صـ119).
وصية عمر بن عبدالعزيز:
دخل مسلمة بن عبدالملك على عمر في مرضه الذي مات فيه، فقال: يا أمير المؤمنين، إنك أقفرت أفواه ولدك من هذا المال فتركتهم عالةً (فقراء)، لا شيء لهم، فلو أوصيت بهم إليَّ أو إلى نظرائي من أهل بيتك، قال: فقال: أسندوني، ثم قال: أما قولك: إني أقفرت أفواه ولدي من هذا المال، فإني والله ما منعتهم حقًّا هو لهم، ولم أعطهم ما ليس لهم، وأما قولك: لو أوصيت بهم إليَّ أو إلى نظرائي من أهل بيتك، فوصيي ووليي فيهم الله الذي نزل الكتاب، وهو يتولَّى الصالحين، بني أحد رجلين: إما رجل يتقي فسيجعل الله له مخرجًا، وإما رجل مكبٌّ على المعاصي، فإني لم أكن لأقوِّيه على معصية الله.
ثم بعث إليهم وهم بضعة عشر ذكرًا قال: فنظر إليهم فذرفت عيناه فبكى، ثم قال: أي بني، إن أمامكم ميل بين أمرين، بين أن تستغنوا ويدخل أبوكم النار، وأن تفتقروا ويدخل أبوكم الجنة، فكان أن تفتقروا ويدخل أبوكم الجنة أحبُّ إليه من أن تستغنوا ويدخل النار، قوموا عصمكم الله؛ (حلية الأولياء؛ لأبي نعيم، جـ5، صـ333).
وفاة عمر بن عبدالعزيز:
سبب الوفاة:
قال مجاهد بن جبر: قال لي عمر بن عبدالعزيز: ما يقول الناس فيَّ؟ قلت: يقولون: مسحور، قال: ما أنا بمسحور، ثم دعا غلامًا له، فقال: ويحك، ما حملك على أن تسقيني السم؟ قال: ألف دينار أعطيتها، على أن أعتق، قال: هاتها، فجاء بها، فألقاها في بيت المال، وقال: اذهب حيث لا يراك أحد؛ (إسناد الخبر ثقات) (تاريخ دمشق؛ لابن عساكر، جـ45، صـ166) (تاريخ الإسلام؛ للذهبي، جـ4، صـ175).
قال الإمام الذهبي (رحمه الله): كانت بنو أمية قد تبرَّمت (تضايقت) بعمر؛ لكونه شدَّد عليهم، وانتزع كثيرًا مما في أيديهم مما قد غصَبوه، وكان قد أهمل التحرز، فسقوه السمَّ؛ (تاريخ الإسلام؛ للذهبي، جـ7، صـ124).
حسن الخاتمة:
قالت فاطمة بنت عبدالملك، امرأة عمر: كنت أسمع عمر كثيرًا يقول: «اللهم أخف عليهم موتي، اللهم أخف عليهم موتي، ولو ساعةً»؛ فقلت له يومًا: لو خرجت عنك فقد سهرت يا أمير المؤمنين، لعلك تغفي، فخرجت إلى جانب البيت الذي كان فيه فسمعته يقول: ﴿ تِلْكَ الدَّارُ الْآخِرَةُ نَجْعَلُهَا لِلَّذِينَ لَا يُرِيدُونَ عُلُوًّا فِي الْأَرْضِ وَلَا فَسَادًا وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ ﴾ [القصص: 83]، فجعل يرددها، قالت: ثم أطرق فلبثت ساعةً، ثم قلت لوصيف له كان يخدمه: ادخل فانظر، قالت: فدخل فصاح، فدخلت فإذا هو قد أقبل بوجهه إلى القبلة، وغمض عينيه بإحدى يديه، وضم فاه بالأخرى؛ (حلية الأولياء؛ لأبي نعيم، جـ5، صـ335).
• لما جاء نعي عمر بن عبدالعزيز قال الحسن البصري: مات خير الناس؛ (تاريخ الإسلام؛ للذهبي، جـ7، صـ126).
مات عمر بن عبدالعزيز في العشرين من شهر رجب سنة إحدى ومائة، وهو ابن تسع وثلاثين سنةً وأشهر، وكانت خلافته سنتين وخمسة أشهر؛ (الطبقات الكبرى؛ لابن سعد، جـ5، صـ319).
دفن عمر بن عبدالعزيز في قرية دير سمعان التابعة لمدينة حمص بسوريا؛ (تاريخ دمشق؛ لابن عساكر، جـ48، صـ176).
رحم الله عمر بن عبدالعزيز رحمةً واسعةً، وجزاه الله عن الإسلام خير الجزاء، ونسأل الله تعالى أن يجمعنا به في الفردوس الأعلى من الجنة.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق