بسم الله الرحمن الرحيم
سأقدم الان بحث عن الحياة الاقتصادية في مصر الفرعونية واليكم التفاصيل
رغم أن الظروف الجغرافية للأقتصاد الفرعوني معروفة تماماً ، فإن أساسه ليس معروفاً بصفة قاطعة ، وكلما حاول المؤرخون تعريف الاقتصاد نفسه وتحليل طرقه وفهم وجوهه القانونية وتتبع تغيرات الثروة ، أضطروا إلى الأعتماد على دفاتر الحسابات وعلى قليل من الإجراءات القانونية والرجوع إلى بعض المراجع من مختلف الأماكن والعصور .
وأمكنهم بواسطة مخطوطات أوراق البردي و الأوستركا ، التي وُجدت في دير المدينة ، دراسة الأجور التي دُفعت لعمال الجبانة ، ومعرفة التغيرات التي طرأت على أسعار المعادن والحبوب في طيبة إبان عصر الرعامسة .
ولسوء الحظ كانت هذه المعلومات أستثنائية مثل محاولة تفسير أعظم العصور رخاءً بسيادة طبقة غنية من التجار والبحارة في الدلتا ، وتفسير العصور المتوسطة بالفقيرة بضغط النظام الأقطاعي من الجنوب ، وكان يتألف من أصحاب الأراضي المستبدين ، وهذه المحاولة وليدة بعض الأراء المتفق عليها من تاريخ العصور الوسطى المسيحية .
أستخدمت مصر القديمة نظام السخرة في فلاحة الأرض وصناعة اللبن (الطوب غير المحروق) وقطع الأحجار ، إذ لم يكن لديها نظام أفضل من هذا النظام كمصدر للقوى العاملة ، ولذا أستخدمته بطريقة معقوله كما أساءت أستخدامه ، فكان مركز صغار العمال أشبة ما يكون بمركز العبيد .
ورغم هذا فأن صفة العبودية ليست صحيحة هنا من الناحية القانونية ، وأنما تصف فقط نظام الفراعنة في الأنتاج دون أي أعتبار لتكوين ذلك النظام أو لطريقة أستخدامه .
وفي الأحوال العادية كانت التجارة الدولية ومخازن الحبوب والبضائع ومصائد الأسماك ، والأسطول بنجاريه وبحارته و الأشغال العامة ، من أختصاص موظفين يشرفون عليها وينظمونها ، وكانوا مسئولين أمام الملك وحده ، إما أمام "بيت الملك" مباشرة ، وإما بطريق غير مباشر أمام البيوت الأخرى الخاصة بالألهة أو بالحريم أو بغير ذلك .
والمبدأ الأساسي هو أن الأرض التي يملكها الأله والفرعون يشرف عليها مباشرة موظفون ملكيون ، أو تُعطى للمعابد بصفة دائمة ، وأحياناً كانت تُمنح لبعض الموظفين لمدى الحياة ، يتعهدون بإدارتها ويتسلمون خراجها مكافأة لهم على خدماتهم .
أعتمدت الشئون الزراعية والأرض والمباني والأدوات والناس والحيوانات على الملك أو على موظف ملكي سام ، مثل مديري المعابد وأصحاب المناصب المدنية ، وعلى أساس هذه الحقائق ، حاول بعض الناس تعريف الأقتصاد الفرعوني بأنه "أشتراكية حكومية" ، إذ يبدو حقيقة ، أنه بخلاف ممتلكات الملك ، الذي كان هو نفسه يمثل الهيئة السياسية ، لم يكن أي شئ مقدساً ولا دائم الملكية .
وحتى أذا مُنح مستأجرو الأراضي العدالة الأجتماعية التي تنادي بها الحكومة الإلهية التي يديرها الكهنة ، فإن كلمة "أشتراكية" واضحة الخطأ ، إذ كان بمصر نظام المِلكية الخاصة الذي قدسته التقاليد .
وفضلا عن منح النبلاء مساحات من الأراضي ودفع المكافأت نوعاً بحسب مراكزهم فإنهم منذ اقدم العصور كانوا يمتلكون مساحات واسعة كممتلكات خاصة ، وتشمل هذه الممتلكات الأراضي البور التي أستصلحوها لأنفسهم وأطلقوا عليها أسماءهم ، والهدايا المنقولة وغير المنقولة من الملك ، وقطعان الأغنام التي كانوا يربونها ويزيدون في أعدادها ، وكذلك هدايا من "بيت الأب" ، أي كل شئ كان يمكنهم تحويله إلى أولادهم .
وكذلك كان الفرعون نفسه يساعد على خلق "طبقة تمتلك الأراضي" بمنحة النبلاء مناصب وراثية وفوائد أخرى ، ونال الكهنة وكبار الموظفين عددأ من المميزات الملكية ، في بعض عصور الضعف ، والحقيقة أنه يمكن وصف الأقتصاد الفرعوني على أنه "حكومي" ويميل إلى الشمولية .
أما الملكية الخاصة والمشروعات الفردية التي كانت لها أهميه في النطاق المحلي فكانت قليلة الأهمية بالنسبة إلى ملكية الأراضي المملوكة للحكومة مباشرة (المَلَكية) أو غير مباشرة (المعابد) ، وإلى الخدمات المَلكية ، وإلى العمل المهني والمحدد بأجور ، وإلى توزيع وسائل الإنتاج ، والطعام بواسطة الهيئات الأدارية .
لم ينقص مصر سوى الأخشاب للبناء ، والنحاس ، والفضة ، والبهارات ، وكانت الحكومة تحصل على هذه المنتجات من جيرانها ، دون مشقة بالتجارة وبالدبلوماسية وبالغارات وبالغذو ، وكان وادي النيل يُصدر الورق (أوراق البردي) ، والسمك المجفف والمنسوجات والحبوب .
كانت عصور الفراعنة غنية بالمواد الأساسية، فسواء أكانت السنة وفيرة الغلة أو قليلتها فإن محصول الأرض كان يكفي مطالب الطعام والكساء ، وفي بعض الأحيان كان يزيد على الحاجة .
رغم سمو المستوى الفني لمهارة قدماء المصريين في الصناعة ورغم إلمامهم التام بالأدارة ، فإنهم حافظوا على نظام أقتصادي قديم نوعاً ما ، فهو مبني على أساس أستهلاك المواد الغذائية بحسب المحصول السنوي ، كان النبيل العظيم يخزن الملابس والمجوهرات والأواني لاستعماله في الحياة الدنيا وفي الأخرة ولأستعمال أسرته ، بيد أن الجزء الأكبر من ممتلكاته وهو على قيد الحياة كان يأتي من إيجار الأراضي ومن حق الأنتفاع بالريع ، ومن ممتلكاته الشخصية ، ومن الضرائب التي تدفع له نوعاً من المعابد التي كان هو كاهنها الأسمي ، فكان يستعمل هذه المحصولات النوعية في تغذية أتباعه الذين كان يتمتع بواسطتهم بسطوته السياسية ، بيد أن ثروته لم تكن "رأسمالا فعالا" ، وعلى الرغم من أن التاجر البسيط ومُقرِض الأموال كانا بالغي الأهمية في منطقتهما فلم تتكون منهما طبقة تجارية تبني نفوذها على الربح التجاري .
ولم تساعد طريقة المقايضة على تكوين طبقة تجارية ، ولا شك في أنه منذ عهد أحمس حُددت قيم للسلع بالذهب أو الفضة أو بالنحاس ، وذلك لتسهيل نظام المقايضة ، مع تحديد أوزان ثابتة ، ومنذ القرن الثامن قبل الميلاد - إن لم يكن قبله - سكت خزانة المعبد العظيم قضباناً من الفضة ، غير أن أستعمال القيم المعدنية الذي ربما أًخذ عن أسيا ، لم يؤد إلى أقتصاد نقدي جدير بهذا الأسم ، ربما حُددت قيم الأشياء في عهد الرعامسة بزكائب من الشعير .
لم تكن الصورة الحرفية للثروة في صورة أموالاً مختزنة ، بل كانت دائماً قطعاناً من الماشية الجميلة ومخازن كاملة من الحبوب ، ومستنقعات غنية بالطيور ، كما قيست الحياة الأقتصادية للدولة بعدد السفن التابعة لخزانة الدولة ، التي كانت تنقل الحبوب الملكية ، أو بأسطول تحت إمرة موظف حكومي ، ينقل الحبوب من منطقة إلى منطقة أخرى تشكو المجاعة .
كان الكهنة والكتبة والصناع والعمال يتسلمون أجوراً نوعية ، من القمح أو الشعير أو ما إلى ذلك تبعاً لدرجاتهم ، وأعبائهم العائلية ، ولما كانت مصر تعتمد على خصوبة النيل ، فإنها كانت دائمة الرخاء وذات أقتصاد ثابت عندما تكون الدولة قوية .
كانت عصور الدول القديمة والوسطى والحديثة القوية والمتحدة التي أدارتها هيئة إدارية مُدربة ، أكثر نجاحاً من الدول الأوربية المحاربة في العصور الوسطى ، في تنظيم أستغلال الأرض بتوزيع الأيادي العاملة ، وفي الري وفي أستيراد السلع الأجنبية من الصحراء ومن الخارج وتوزيعها ، وفي تخزين المواد الغذائية - قدر الأمكان - لمواجهة نتائج قلة الماء في الفيضانات الضعيفة ، وفي تزويد الألهة بما يناسبهم كي يحفظوا الدولة في خير ورخاء .
لما كانت ديانة قدماء المصريين أو بمعنى أصح النظرية الحيوية التي تنطوي عليها ديانتهم وثيقة الأرتباط بالأقتصاد ، كانت تؤثر فيه بطريقة ثابتة ، أكثر مما كانت في أي مجتمع قديم أخر ، فكانت هناك شركة بين البشر والألهة مبنية على أساس "الطعام" ، وكان على الفرعون أن يشيد المعابد ، ويجددها ويقدم القرابين لكي تحفظ الألهة ، التي تعطي الحياة لجميع صور الأنتاج ، النشاط الذي كان ضرورياً لضمان رخاء الدولة ، ومن ناحية أخرى كان ضمان رفاهية الشخص بعد موته متوقفاً على غنى قبره .
ونتيجة للنظام الأقتصادي "المعيشي" كان هناك نظام خاص "للحياة الجماعية" ، ونظام "للحياة الثانية الفردية" ، وأستلزم هذان النظامان قدراً عظيماً من العمل و المحاصيل ، فكان أستغلال المحاجر وتشييد المقابر ونقل الأحجار وإقامة التماثيل الضخمة والأعمدة ، وغير ذلك من الصناعات التي لا غنى عنها لمصر القديمة .
وقد سافرت بعثات تجارية حتى بلاد بونت وكان غرضها الوحيد جلب البخور ليحرق أمام تماثيل الألهة ، وأبتلعت القبور ألوفا من الأدوات المصنوعة ، وكاد الكهنة والصناع والمحنطون يقدمون خدماتهم نظير أجور ، ولم تكن الهبات الملكية للمعابد مجرد أحتفال ديني ، بل كانت تتكون من هدايا من محصول الزراعة تقدم للإله ، ومن الحيوانات والمناجم والكنوز والأسرى البرابرة ، وكان من النادر تقديم قرابين محروقة ، وكان الإله يستهلك هدايا الأطعمة بطريقة سحرية ، ثم تصير هذه الأطعمة ملكاً للكهنة ، وهكذا صار بيت الألهة العظام أحتكاراً زراعياً وصناعياً ، وكان ذلك البيت منظمة مستقلة بالحكم عندما كان الملك قوياً ، وصار "شركة محدودة" قوية عندما كان الملك ضعيف يسيطر عليه الكهنة
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق