بسم الله الرحمن الرحيم
سأقدم الان مقال عن ظاهرة البلطجة واليكم التفاصيل
ظاهرة البلطجه (البلطجية) من الظواهر التي انتشرت في مجتمعنا في الآونة الأخيرة، واتخذت هذه الظاهرة صوراً وأشكالاً متنوعة، ونستطيع أن نرصد هذه الظاهرة عن طريق الأفراد، والمؤسسات، بل لا أبالغ إذا قلت أنها انتشرت حتى في البيوت والمجتمعات الخاصة، فما هو تعريف المشكلة، ومظاهرها، وأسبابها، وأهم الطرق لعلاجها ؟
ما هي ظاهرة البلطجة ؟
معناها في الاستخدام الشائع: فرض الرأي بالقوة والسيطرة على الآخرين، وإرهابهم والتنكيل بهم.
وهي لفظ دارج في العامية وليس له أصل في العربية، ويعود أصله إلى اللغة التركية،ويتكون من مقطعين: "بلطة" و"جي"؛ أي حامل البلطة، و"البلطة" كما هو معروف أداة للقطع والذبح.
والبلطجة في الاصطلاح هي استعمال القوة لاستغلال موارد الآخرين بهدف تحقيق مصلحة خاصة؛ وهي نابعة من احتياج صاحب القوة -فردا أو مجتمعا أو دولة- لموارد ومواهب وقدرات الآخرين لتوظيفها بطريقة نفعية . (1)
تعريف البلطجة كما ورد في القرآن والسنة
في إطار ما ذكرناه من استخدام شائع لكلمة البلطجة، جاءت هذه الكلمة في القرآن الكريم والسنة المطهرة في مواضع عديدة وأهمها:
محاربة الله والرسول والإفساد في الأرض
قال تعالى: " إنما جزاء الذين يحاربون الله ورسوله ويسعون في الأرض فساداً أن يقتلوا أو يصلبوا أو تقطع أيديهم وأرجلهم من خلاف أو ينفوا من الأرض ذلك لهم خزي في الدنيا ولهم في الآخرة عذاب عظيم " [المائدة:33] وقال تعالى: " فهل عسيتم إن توليتم أن تفسدوا في الأرض وتقطعوا أرحامكم " [محمد:22] " وإذا تولى سعى في الأرض ليفسد فيها ويهلك الحرث والنسل والله لا يحب الفساد " [ البقرة:205] " أنه من قتل نفساً بغير نفس أو فسادٍ في الأرض فكأنما قتل الناس جميعاً " [المائدة: جزء من الآية 32] " الذين طغوا في البلاد فأكثروا فيها الفساد" [الفجر:11،12] " إن يأجوج ومأجوج مفسدون في الأرض " [الكهف: جزء من الآية 94].
وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: إن الله قال: " من عادى لي وليا فقد آذنته بالحرب ...." [رواه البخاري]
عادى : آذى وأبغض وأغضب بالقول أو الفعل .
ولياً: أصل الموالاة القرب وأصل المعاداة البعد، والمراد بولي الله كما قال الحافظ ابن حجر: " العالم بالله، المواظب على طاعته، المخلص في عبادته ".
آذنته بالحرب: آذن بمعنى أعلم وأخبر، والمعنى أي أعلمته بأني محارب له حيث كان محاربا لي بمعاداته لأوليائي. (2)
الكبر والعزة بالإثم
قال تعالى : "قال فرعون ما أريكم إلا ما أرى وما أهديكم إلاسبيل الرشاد " [غافر:29]
وقال تعالى: " وإذا قيل له اتق الله أخذته العزة بالإثم فحسبه جهنم ولبئس المهاد " [البقرة: 206] " إلا إبليس أبى واستكبر وكان من الكافرين " [ البقرة: جزء من الآية 34]
" قال أنا خير منه خلقتني من نار وخلقته من طين " [الأعراف: جزء من الآية12]
" قال الملأ الذين استكبروا من قومه للذين استضعفوا لمن آمن منهم أتعلمون أن صالحاً مرسل من ربه قالوا إنا بما أرسل به مؤمنون(75) قال الذين استكبروا إنا بالذي آمنتم به كافرون(76) " [الأعراف] (3)
وعن عبدالله بن مسعود رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " لا يدخل الجنة من كان في قلبه مثقال ذرة من كبر " فقال رجل: إن الرجل يحب أن يكون ثوبه حسناً ونعله حسناً ؟ قال: " إن الله جميل يحب الجمال " الكبر بطر الحق، وغمط الناس: احتقارهم . (4)
الظلم وأكل أموال الناس بغير حق
قال تعالى: " إنما السبيل على الذين يظلمون الناس ويبغون في الأرض بغير الحق أولئك لهم عذاب أليم" [الشورى:42]
" فبظلم من الذين هادوا حرمنا عليهم طيبات أحلت لهم وبصدهم عن سبيل الله كثيرا" [ النساء:160]
" إن الذين يأكلون أموال اليتامى ظلماً إنما يأكلون في بطونهم ناراً وسيصلون سعيراً " [النساء:10]
وعن جابر بن عبدالله رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " اتقوا الظلم فإن الظلم ظلمات يوم القيامة، واتقوا الشح فإن الشح أهلك من كان قبلكم حملهم على أن سفكوا دماءهم واستحلوا محارمهم " [رواه مسلم]
وعن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " لتؤدُّنَّ الحقوق إلى أهلها يوم القيامة حتى يقاد للشاة الجَلْحاء من الشاة القرناء" [رواه مسلم ]
القتل والتنكيل والتهديد والتعذيب
قال تعالى: " إن الذين يكفرون بآيات الله ويقتلون النبيين بغير حق ويقتلون الذين يأمرون بالقسط من الناس فبشرهم بعذاب أليم " [آل عمران: 21]
وقال تعالى: " إن فرعون علا في الأرض وجعل أهلها شيعاً يستضعف طائفة منهم يذبح أبناءهم ويستحي نساءهم إنه كان من المفسدين " [القصص:4]
" قال آمنتم به قبل أن آذن لكم إنه لكبيركم الذي علمكم السحر فلأقطعن أيديكم وأرجلكم من خلاف ولأصلبنكم في جذوع النخل ولتعلمن أينا أشد عذاباً وأبقى " [طه:71] "والذين يؤذون المؤمنين والمؤمنات بغير ما اكتسبوا فقد احتملوا بهتاناً وإثماً مبيناً " [الأحزاب:58] " ولا تقتلوا النفس التي حرم الله إلا بالحق ومن قتل مظلوماً فقد جعلنا لوليه سلطاناً فلا يسرف في القتل إنه كان منصوراً " [الإسراء:33]
" ومن يقتل مؤمناً متعمداً فجزاؤه جهنم خالداً فيها وغضب الله عليه ولعنه وأعد له عذاباً عظيماً " [النساء:93]
وعن أبي هريرة رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " لا يُشِر أحدكم إلى أخيه بالسلاح فإنه لا يدري لعل الشيطان ينزعُ في يده فيقع في حُفْرةٍ من النار " [متفق عليه]. وفي رواية لمسلم قال: قال أبو القاسم صلى الله عليه وسلم: " من أشار إلى أخيه بحديدة فإن الملائكة تلعنه حتى يَنزِع، وإن كان أخاه لأبيه وأمه".(5)
وعن جابر رضي الله عنه قال: نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يُتَعَاطى السيف مسلولاً " [ رواه أبوداود، والترمذي وقال: حديث حسن ]
هذه هي أهم صور البلطجة كما وردت في القرآن الكريم والسنة المطهرة، ومن هنا يتبين لنا أن البلطجة تتعدد مظاهرها فهي إما:
قتل أو تهديد، أو استيلاء على حقوق الناس من غير حق، أو عن طريق البلطجة السياسية والإعلامية بفرض الرأي على الغير من غير مراعاة لحقوقه.
أسباب ظاهرة البلطجة وعلاجها
نحو مجتمع إسلامي رشيد
وأقصد بالمجتمع الإسلامي الرشيد،المجتمع الذي بناه النبي صلى الله عليه وسلم في المدينة، هذا المجتمع يمنح أهله مناعة دينية ضد الانحرافات المحرمة، والممارسات الخاطئة، والعلاقات المرفوضة. لو تدبرنا قصة تحريم الخمر يظهر لنا التطور التدريجي في أخلاقيات المجتمع المسلم، وكيف حوّلهم النبي صلى الله عليه وسلم بتعاليم القرآن الراشدة من عباد للأوثان إلى قادة للعمران، ومن قطاع للطرق إلى قادة للأمم.
كان الناس متعلقون بالخمر قبل تحريمه، فحينما نزلت آيات تحريمه بعد تدرج في نزول آيات القرآن الكريم فما كان من الصحابة رضوان الله عليه إلا أنهم امتثلوا للحكم فألقوا بالخمور في الطرقات فكانت طرق المدينة أنهاراً من الخمر.
هكذا فعل الإيمان بالصحابة رضوان الله عليهم. ولو قمنا بعمل مقارنة سريعة بين حالنا وحالهم، لوجدنا فارقاً كبيراً بيننا وبينهم، فالظلم أصبح ظاهرة منتشرة في مجتمعاتنا، حتى أن حكامنا استخدموا البلطجة لحماية عروشهم وكراسيهم، القوي يأكل الضعيف، والغني يظن أن له حقاً موروثاً عليه أن يأخذه من أموال الفقراء والمساكين، وجدنا أثرياء ثرائاً فاحشاً، وفقراء لا يجدون لقمة العيش، ولا مسكن يأويهم من حرارة الشمس وبرد الشتاء.في ظل هذه الظروف انتشرت هذه الظاهرة المقيتة، فاستغل الحكام حاجة الناس ليقوموا بهذا العمل المهين لحماية ثرواتهم وكراسيهم.
فأول بوادر العلاج أن يمشي المجتمع مع تعاليم ديننا الحنيف، وأن يحكَّم فينا كتاب الله وتعاليمه الإلهية، هذا هو أول طريق للعلاج الناجع.
نحو تربية أسرية واعية
من أسباب انتشار هذه الظاهرة، التنشئة الأسرية الخاطئة، فالأب دائماً مشغول بحياته، والأم لا تفتش عن أولادها، ولا تقوم بتقويم سلوكياتهم، مما جعل أبنائنا عرضة لهذه الظواهر تجتذبهم نحوها، فيصبحون من أربابها، ولو فطن المربون إلى حديث الرسول صلى الله عليه وسلم: " كلكم راع فمسؤول عن رعيته فالأمير الذي على الناس راع وهو مسؤول عنهم والرجل راع على أهل بيته وهو مسؤول عنهم والمرأة راعية على بيت بعلها وولده وهي مسؤولة عنهم والعبد راع على مال سيده وهو مسؤول عنه ألا فكلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته ". [رواه البخاري]
فمن الأمور المهمة للقضاء على هذه الظاهرة التنشئة الأسرية السليمة، القائمة على كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم.
تربية النفس على دوام المراقبة لله تعالى
إذا راقب الإنسان ربه في كل تصرفاته، فإنه سيستحي أن يظلم نفسه، فما بالك بظلم الناس ! وقد حثنا الله على مراقبته في كل أحوالنا، فقال تعالى: "إن الله لا يخفى عليه شيء في الأرض ولا في السماء " [ آل عمران:5]، وقوله تعالى: " قل إن تخفوا ما في صدوركم أو تبدوه يعلمه الله ويعلم ما في السماوات وما في الأرض والله على كل شيء قدير " [ آل عمران :29].فبدوام المراقبة لله نستطيع أن نتغلب على كل مشاكلنا، ونصل إلى حلها بإذن الله.
ندعوا الحق تبارك وتعالى أن يوفقنا إلى كل خير، وأن يجنبنا كل مكروه وسوء، إنه ولي ذلك والقادر عليه.
إعداد
حسام العيسوي إبراهيم
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق