اخر الأخبار

23‏/5‏/2017

بحث عن تاريخ سوريا تحت الانتداب الفرنسي مابين 1920 - 1946

بحث عن تاريخ سوريا تحت الانتداب الفرنسي مابين 1920 - 1946
لبريطانيا وفرنسا دور كبير في إثارة الأزمات ورسم كيان المنطقة بعد سقوط الإمبراطورية العثمانية في نهاية الحرب العالمية الأولى 1914- 1918 لاقتسام ما بقي من املاكها التي تشمل البلاد السورية أي بلاد الشام والعراق. وانتهى الأمر بالدولتين عام 1916 إلى توقيع اتفاقية عرفت باسم موقعها سايكس (الانكليزي) وبيكو (الفرنسي). وتنص هذه الاتفاقية على تقسيم بلاد الشام والعراق على النحو التالي:

1- المنطقة الزرقاء: وتشمل الساحل السوري من رأس الناقورة جنوباً حتى قلب الأناضول شمالاً بما في ذلك كيليكية, وتعطى لفرنسا تقيم فيها النوع الذي تريده من الحكم.
2- المنطقة الحمراء: وتشمل ولايتي بغداد والبصرة وتعطى لإنكلترا تقيم فيها النوع الذي تريده من الحكم, كما تعطى انكلترا ميناء حيفا في فلسطين.
3- المنطقة السمراء: وتشمل فلسطين ويقام فيها إدارة دولية – إرضاء لروسية القيصرية – يتفق على شكلها بين الحلفاء بما فيهم شريف مكة.
4- المنطقة الداخلية: وتشمل ما بقي من شمال العراق وداخل بلاد الشام, وتقسم إلى منطقتين هما:
منطقة آ- وتشمل سورية الداخلية بما فيها منطقة الموصل.
منطقة ب- وتشمل ما تبقى من العراق وشرقي الأردن.
وقد نصت المادة 22 حول الانتخابات على دول الهلال الخصيب التي قسمت بموجب معاهدة سايكس بيكو على ما يلي : " إلى أن تصل الشعوب التي كانت تحت الحكم التركي إلى درجة من التطور والرقي، تخولها أن تكون دولاً مستقلة, تعمل على إرشادها بعض الدول الكبرى في تنظيم أحوالها حتى تستطيع وحدها بعد فترة من الزمن أن تحكم نفسها وتدير شؤونها " .
وفي آب من عام 1917 تم تجنيد فرقة عسكرية يهودية مستقلة مؤلفة من خمسة آلاف جندي يهودي اشتركوا مع الجيش البريطاني في غزو فلسطين واحتلالها.
وفي الثاني من تشرين الثاني من العام نفسه وجّه بالفور وزير خارجية بريطانيا رسالة قصيرة مختصرة إلى روتشيلد ينزع فيها حقوق الأمة من اصحابها الحقيقيين مصرحاً "بتأسيس وطن قومي للشعب اليهودي" متجاهلاً الشعب الفلسطيني بوصفه "بالسكان غير اليهود من الطوائف الأخرى" متعمداً تزوير التاريخ والثقافة لنزع الهوية الحقيقية عنه مبرراً وعده دينياً بقوله: "إن التضحية بنحو 700 الف فلسطيني لا يوازي مهابة الوعود التوراتية". وكانت بريطانيا أولى الدول التي دخلت سوريا بعد هزيمة الدولة العثمانية سنة 1917، وما ان انتهت الحرب العالمية الأولى عام 1918 حتى دخلت القوات العربية مدينة دمشق ترافقها قوة رمزية بريطانية في 1 تشرين الأول عام 1918 وأخذ الأمير فيصل بتنظيم الحكم فشكل حكومة عسكرية برئاسة اللواء رضا الركابي ومجلس شورى وديوان شورى حربي لتنظيم الجيش.
بزغت الحركة القومية في بلاد الشام وازداد نشاطها بعد انتهاء الحرب وتم تشكيل مجلس وطني يمثل الشعب في دمشق باسم المؤتمر السوري العام الذي اجتمع وعقد ت أول جلسة له يوم 7/آذار 1919 وأعلن عن استقلال البلاد السورية بحدودها الطبيعية استقلالاً تاما، وقرر عدم الاعتراف بأي اتفاق أو أي معاهدة تعقدها الحكومة ما لم تعرض عليه ويصادق عليها. واجتمع في 7 حزيران عام 1919 وقد حضره 69 نائباً من اصل 85, لأن فرنسا منعت بعض ممثلي لبنان من السفر الى دمشق, وقد صدرت عنه مقررات تمثل مطالب الشعب في بلاد الشام.

وعقد مؤتمر الصلح في باريس وانتهى إلى إقرار عدد من المعاهدات مع الدول المهزومة والتي كانت إحداها معاهدة سيفر مع تركيا في 10 آب عام 1920 وهي التي نصت على فصل البلاد العربية عن تركيا والاعتراف بها دولة مستقلة.
خرجت بريطانيا من سوريا سنة 1920 بناءً على مؤتمر سان ريمو الذي عقده مجلس الحلفاء الأعلى في إيطاليا والذي قرَّر ما يلي:
1- وضع سوريا ولبنان تحت الانتداب الفرنسي.
2- وضع العراق تحت الانتداب الانكليزي.
3- وضع فلسطين وشرقي الأردن تحت الانتداب الانكليزي مع الالتزام بتنفيذ وعد بلفور.
وهكذا تم وضع الصيغة النهائية لاتفاقية سايكس بيكو مع إدخال جزيرة قبرص في صلبها باعتبارها جزءاً من المنطقة.
وفي 14 تموز عام 1920 وجه الجنرال "غورو" إنذاراً إلى الملك فيصل يتضمن :
1- وضع سكة حديد رياق – حلب تحت تصرف القوات الفرنسية.
2- قبول الانتداب الفرنسي على سوريا بلا قيد أو شرط
3- إلغاء النفير العام والتجنيد الاجباري وتخفيض عدد الجيش السوري
4- قبول التعامل بالعملة الورقية التي اصدرتها فرنسا
5- معاقبة الأشخاص المناوئين للسلطة الفرنسية وتعني بهم الثوار.
إلا أن المؤتمر السوري العام اجتمع وأعلن رفضه للإنذار ودعا إلى مظاهرات ضد هذا الاتفاق، وبالفعل خرجت أول مظاهرات فعلية من دمشق ومعظم المدن السورية تطالب باستقالة الوزارة.
لم تهتم وزارة الركابي بالمعارضة الشعبية، وباشرت بتنفيذ أحكام الإنذار فأوقفت أعمال التجنيد وسرحت الجيش السوري، وجلت عن المراكز العسكرية المحصنة على الحدود وجمدت المؤتمر السوري العام لمدة شهرين. وأبلغت الحكومة المندوب الفرنسي في دمشق بهذا القرار لينقله بدوره إلى الجنرال غورو في بيروت. لكن غورو أمر قواته في الشمال بالزحف نحو حلب مدعياً ان الإنذار لم يصله في الوقت المحدد. فتجددت المظاهرات واقتحم المتظاهرون سجن القلعة لأخذ السلاح المدخر في مستودعاتها وأطلقوا سراح السجناء، ولم تهدأ المظاهرات إلا باستقالة وزارة الركابي، والتي خلفتها وزارة حرب برئاسة السيد هاشم الأتاسي.
*
بدأت المواجهة الحقيقية من الشعب السوري، و بدأت تظهر الوطنية على حقيقتها، إذ بدأ الشعب السوري يعمل على مقاومة هذا المغتصب المحتل، فهبت الجموع العزلاء لمقاومة القوات الاستعمارية الفرنسية المدججة بالسلاح،
وأعلنت الحرب على فرنسا يوم 21 يوليو 1920 ، فتدافع الناس من كل حدب وصوب وتطوعوا لخوض معركة الكرامة ضاربين بذلك أروع الأمثلة في التضحية، وخرج وزير الحربية يوسف العظمة على رأس قواته القليلة إلى موقع ميسلون حيث جرت معركة انتحارية غير متكافئة مع قوات فرنسية كبيرة, ، فقد بلغت القوة الفرنسية العسكرية في المعركة تسعة ألاف جندي مزودين بخمس بطاريات مدفعية ميدان، وبطاريتي مدفعية عيار ١٠٠ مم وعدد كبير من الدبابات و الرشاشات والطائرات مقابل ثلاثة آلاف متطوع سوري، لا يملكون إلا إرادتهم في المقاومة وبعض السلاح الأبيض استمرت المعركة نحو ساعتين، استشهد فيها ما يزيد عن ٨٠٠ شهيد على رأسهم وزير الحربية السورية يوسف العظمة.

وتقدم الفرنسيون بعد انتصارهم في معركة ميسلون يوم السبت في 24 تموز 1920 يسيرون فوق جثث الشهداء من الشعب السوري، باتجاه دمشق، وتم لهم دخولها في اليوم التالي أي في 25 تموز 1920 فاستقالت وزارة السيد هاشم الأتاسي واضعة خاتمة لمرحلة الحكم الوطني في بلاد الشام. وبدأ عهد الاحتلال والانتداب الفرنسي لتبدأ مرحلة جديد ة في تاريخ سوريا، مرحلة أقل ما يقال عنها، مرحلة المقاومة و التضحيات ضد المحتل والمستعمر الجديد الذي فرض نفسه بقوة السلاح.

بعد دخول القوات الفرنسية مدينة دمشق، غادرها الملك فيصل ، في يوم ٢٨ /يوليو / ١٩٢٠وقام الجيش الفرنسي باحتلال الثكنات، وفرض السيطرة العسكرية على المدينة مستخدماً أبشع الأساليب الاستعمارية، ففي ٢٧ /تموز/ أذاع الجنرال غورو بياناً جاء فيه إعلان الأحكام العرفية في البلاد، وفرض على الشعب السوري دفع غرامة مالية تقدر بعشرة ملايين فرنك فرنسي كغرامة حربية، ونزع سلاح الجيش السوري وتقديم عشرة آلاف بندقية للجيش الفرنسي وتسليم كبار المدنيين والعسكريين السوريين للمثول أمام المحاكم العرفية وإنهاء الحكم الفيصلي، وتم تنفيذ
حكم الإعدام في العديد من الوطنيين و نفي العديد منهم.( ١١عندما استقرت الأوضاع الداخلية، بدأ الاستعمار الفرنسي في تنفيذ سياسة فرض السيطرة الكاملة على كل سوريا، تنفيذاً لمخططهم الاستعماري القائم على أساس التقسيم والتجزئة وإنشاء الدويلات لما سموه بالشعوب السورية.
*
أصدر الجنرال غورو قراراً في 31 آب عام 1920 اوجد بموجبه دولة لبنان الكبير حيث ضم إلى جبل لبنان مناطق طرابلس وبيروت وصيدا ومرجعيون وما يعرف بالأقضية الأربعة وهي بعلبك والبقاع وحاصبيا وراشيا.
ثم عمد إلى تقطيع اوصال سوريا فقسمها إلى عدة دول فشهدت سوريا في عهده كما في عهد سلطة الحكام والمفوضين الساميين الفرنسيين لاحقاً حكومات لست دول مستقلة وهم دولة دمشق (1920) ودولة حلب (1920) ودولة العلويين (1920) ودولة لبنان الكبير (1920) ودولة جبل الدروز (1921) ولكل منها علم وعاصمة وحكومة وبرلمان وعيد وطني وطوابع مالية وبريدية خاصة. وبسبب الرفض الشعبي للتقسيم وعدم الاعتراف به قامت فرنسا في عام 1922 بإنشاء اتحاد فدرالي فضفاض بين ثلاث من هذه الدويلات (دمشق وحلب والعلويين) تحت اسم "الاتحاد السوري"، واتخذ علم لهذا الاتحاد كان عبارة عن شريط عرضي أبيض يتوسط خلفية خضراء. وفي الشهر الأخير من عام 1924 قرر الفرنسيون إلغاء الاتحاد السوري وتوحيد دولتي دمشق وحلب إلى دولة واحدة هي دولة سورية، وأما دولة العلويين فقد فصلت مجددا وعادت دولة مستقلة بعاصمتها في اللاذقية. كما جعل لواء اسكندرون إدارة مستقلة.
واجهت فرنسا منذ ان نزلت قواتها على الساحل السوري مقاومة عنيفة تجلت بثورات في مختلف المناطق: في تل كلخ والعرقوب والحولة وحوران والجولان والساحل والشمال وفي دمشق. وبدخول الجيش الفرنسي دمشق ثار الشعب السوري الذي لم يرض بالانتداب الفرنسي وبالحكم الأجنبي ، وقام بتنظيم حركة المقاومة ضد الاحتلال فقامت عدة ثورات كبرى في سائر مناطق ومدن البلاد استبسل فيها الثوار وقدموا أغلى التضحيات في سبيل الحرية والاستقلال.
ففي الجنوب قاوم الدروز ببسالة نير الاحتلال وكذلك في جبال العلويين التي انتفض فيها الفلاحون تحت قيادة الزعيم صالح العلي وزعمائهم المحليين ، وفي جبل الزاوية حيث استطاع إبراهيم هنانو أن يعبئ الجماهير تحت قيادته ونظم حركة المقاومة ضد الفرنسيين عسكرياً من عام 1920 حتى عام 1925 ، وسياسياً حتى عام 1936، وفي منطقة الجزيرة التي قام سكانها بانتفاضات مشهودة لم تستطع القوات الفرنسية السيطرة عليها رغم حملاتها المتكررة إلا في بداية عام 1927 ، وفي دمشق وحلب وغيرها من المدن السورية هب السكان عن بكرة أبيهم لمقاومة نير الاحتلال رغم أن موازين القوى لم تكن في صالح الشعب المقاوم.
إلى ان قامت الثورة السورية الكبرى من تموز عام 1925 إلى عام 1927حيث بدأت من جبل العرب بقيادة سلطان الأطرش ورفاقه الذين انتصروا انتصاراً كبيراً في معركة المزرعة التي سقط فيها اكثر من ألف جندي فرنسي. توسع نطاق الثورة إلى دمشق وحماة والجولان وجبل الشيخ وجنوب لبنان.
كان من أهم نتائج الثورة السورية الكبرى انها دفعت فرنسا إلى قبول المفاوضة مع الزعماء الوطنيين. واعلن بونسو عن اجراء انتخابات لتشكيل جمعية تأسيسية لوضع دستور للبلاد وألغى الأحكام العرفية وعين حكومة للإشراف على الانتخابات عام 1928 ونجح المرشحون الوطنيون من حزب الكتلة الوطنية بأغلبية المقاعد وتولى هاشم الأتاسي رئيس الكتلة, رئاسة الجمعية التأسيسية كما تم انتخاب لجنة من اعضائها لإعداد مشروع الدستور. كان من أهم أعضائها البارزين إبراهيم هنانو و فوزي الغزي، وأعدت اللجنة مشروع الدستور، متضمناً ميثاق الحركة الوطنية والذي تألف من ١١٥ مادة ، كان من أهمها: أن سوريا وحدة طبيعية لا تتجزأ, نظامها جمهوري برلماني, والسلطة التشريعية بيد مجلس واحد, والسلطة التنفيذية بيد رئيس الجمهورية يساعده مجلس وزراء, والوزارة مسؤولة أمام البرلمان, والحكومة مسؤولة عن التمثيل الخارجي, وتأسيس جيش للبلاد. وسوريا دولة مستقلة لا يجوز السماح بضياع أي جزء من اراضيها, ودين رئيسها الإسلام وعاصمتها مدينة دمشق.

وبعد صدور الدستور وإعلانه، سرعان ما اصطدم بحكومة الانتداب، الذي اعترضت على بعض بنوده، خاصة تلك التي تتعلق بالاستقلال التام وأن ذلك يفقدها الكثير من صلاحياتها الاستعمارية، وفوجئت الجمعية التأسيسية في 8 آب/ 1928 بصدور بلاغ رسمي فرنسي، يطالب بحذف المواد التي تنص على الاستقلال، والوحدة، خاصة المواد الست وهي 2,،74 ،73 ،110 ،75, 112 ، التي جاءت في صلب الدستور قبل مناقشته وذلك بحجة أن الحكومة الفرنسية، لا يسعها الموافقة على حرمانها من الوسائل التي تساعدها على القيام بالواجبات الدولية التي أخذتها على عاتقها. هذا يؤكد أن كل ما قامت به فرنسا بعد تشكيل الجمعية التأسيسية، ما هو إلا عملية خداع للشعب السوري، الهدف منه إدخال الحركة الوطنية في متاهة لتنحيتها عن القيام بواجبها الرئيسي المتمثل في المقاومة العسكرية ، وإشغالها في أروقة السياسة التي لا تنتهي.
حمل أعضاء الكتلة الوطنية على التدخل الفرنسي في شؤون ا لدستور، وعندئذ أصدر المندوب السامي أمراً بوقف الجمعية التأسيسية لمدة ثلاثة أشهر تبدأ من يوم ١١ /آب/ ١٩٢٨ ، ثم أصدر المندوب السامي قراراً في 7شباط / 1929 قراراًً بتأجيل الجمعية التأسيسية إلى أجل غير مسمى .و في أوائل آذار 1930 عقد الوطنيون مؤتمراً في إحدى ضواحي دمشق، قرروا فيه العمل على إيجاد حل للخروج من الأزمة، وفي 22 أيار 1930 فاجأ بونسو البلاد بإعلان دستور جديد لها، أضاف إلى مواده مادة جديدة هي المادة 116 والتي ألغى من خلالها مفعول كل المواد الست التي أراد الفرنسيون حذفها من الدستور، ونصت المادة الجديدة على أنه "ما من حكم من أحكام الدستور يعارض ولا يجوز أن يعارض التعهدات التي قطعتها فرنسا على نفسها فيما يختص بسوريا لاسيما ما كان منها متعلقاً بجمعية الأمم ، وهذا يعني بالطبع تمسك فرنسا بكل الصلاحيات السياسية والعسكرية داخل سوريا، وأن كل ما تم إنشاؤه من مجالس وهيئات ومؤسسات ما هي إلا صور فارغة ليس لها أي مفعول.
كان هذ ا التدخل الفرنسي الخطير، بهذه الطريقة، سبباً لتجدد الاستياء والاستنكار في جميع المدن السورية، وعند حلول الذكرى السنوية لافتتاح الجمعية التأسيسية، عقدت اجتماعات في دمشق وحلب، وأرسلت برقيات الاحتجاج إلى عصبة الأمم وإلى المفوض السامي، وكانت هذه المناسبة وسيلة لدعوة السوريين في داخل البلاد وخارجها إلى الوفاق و الوئام والاتحاد.
ثم أعلن بونسو عن اجراء انتخابات عامة لمجلس نيابي عام 1931 واجتمع مجلس النواب عام 1932 وانتخب محمد العابد اول رئيس للجمهورية والف حقي العظم الوزارة. لكن بونسو ماطل وتراجع عن وعوده بعقد معاهدة مع سوريا. ونتيجة لفشله تم ارسال بديل عنه "دومارتيل" عام 1933. تقدم دومارتيل بمشروع معاهدة رفضته أكثرية اعضاء المجلس النيابي, فأقال حكومة حقي العظم وكلف تاج الدين الحسيني بتشكيل وزارة جديدة تفجرت ضدها الحركة الوطنية وانتهت إلى إضراب عام شمل كل المدن السورية عام 1936 حيث استمر ستين يوماً. اضطر دومارتيل إلى عزل حكومة تاج الدين الحسيني ودخل مع الوطنيين بمفاوضات لعقد معاهدة على أساس الاعتراف بوحدة سوريا واستقلالها. وتشكل وفد من الكتلة الوطنية برئاسة هاشم الأتاسي للسفر إلى باريس لإجراء مفاوضات مع الحكومة الفرنسية. نجحت المفاوضات لعقد مشروع معاهدة بين سوريا وفرنسا وكان أول بنودها استقلال سوريا استقلالاً تاماً واقامة علاقات سلم وصداقة بين الدولتين. وقد الحق بالمعاهدة كتاب يقضي بضم حكومتي اللاذقية وجبل العرب إلى سوريا
وقام الحكم الوطني في سوريا وانتخب هاشم الأتاسي رئيساً للجمهورية. لكن سوريا فوجئت بتراجع فرنسا عن موقفها تجاه المعاهدة التي ظلت ريشة في مهب الريح, فبدلاً من حصول سوريا على مرسيليا سلخ منها لواء الاسكندرون، حيث نشرت نصوص المعاهدة الفرنسية - التركية في جنيف عام 1938 والتي نصت على سلخ لواء الاسكندرون فازدادت الاضطرابات، وفي مطلع عام 1939 ارسلت فرنسا مفوضاً سامياً جديداً هو الجنرال "بيو" اعلن عدول فرنسا عن المعاهدة والعودة في حكم البلاد إلى سابق عهده حسب صك الانتداب. وبذلك تكون فرنسا قبيل اندلاع الحرب العالمية الثانية قد أعادت نظاماً للحكم المباشر في سوريا، وتنصلت تماماً من المعاهدة، وبدأت باستخدام سياسة مفادها، إدخال سوريا في مرحلة عراك وتجاذب سياسي بين أطرافه السياسية. وقد استقالت الحكومة ورئيس الجمهورية فتدخل المفوض وشكل حكومة جديدة برئاسة بهيج الخطيب باسم حكومة المديرين, واعاد فصل اللاذقية وجبل العرب عن سوريا. ووسط هذا الجو بدأت الحرب العالمية الثانية في أيلول عام 1939.
بعد ان هزمت فرنسا امام المانيا تشكلت فيها حكومة موالية لألمانيا سميت حكومة فيشي التي ارسلت مفوضاً سامياً جديداً إلى سوريا فقام بإنهاء حكومة المديرين وعين وزارة برئاسة خالد العظم إرضاء للأهالي.
خشي الحلفاء امتداد النفوذ الألماني إلى سوريا فعمدت القوات الانكليزية وقوات فرنسا الحرة للدخول إليها وانتزاعها من أيدي الفيشيين الموالين لألمانيا. وأصبح الجنرال كاترو ممثل فرنسا الحرة في سوريا فأعلنت فرنسا استقلال سوريا عام 1941 وعينت تاج الدين الحسيني رئيساً للجمهورية الذي توفي , ثم تم انتخاب شكري القوتلي اثر وفاته وتألفت وزارة برئاسة سعد الله الجابري عام 1943 وفارس الخوري رئساً لمجلس النواب, فأعلنت الحرب على دول المحور وشاركت في تأسيس جامعة الدول العربية ووضع ميثاقها.
لكن فرنسا اخذت تماطل في تسليم الصلاحيات الخاصة بالجيش مطالبة بامتيازات ثقافية واقتصادية وعسكرية مقابل تسليمها الجيش المتطوع, وطالبت الحكومة اللبنانية بما يشبه ذلك. رفضت الحكومتان السورية واللبنانية - في اجتماع مشترك عقد في شتورا – المطالب الفرنسية.
*
بدأ الفرنسيون بعدوان غادر حيث قامت قواته بضرب المدن السورية الرئيسة وعلى رأسها مدينة دمشق بالمدافع وألقت عليها القنابل من الطائرات، كما قصفت د ار المجلس النيابي في دمشق، وعلى إثر تلك الأحداث، تدخلت انكلترا حيث أرسل رئيس حكومتها تشرشل برقية إلى الجنرال ديغول يطالبه فيها بوقف إطلاق النار.
وبعد مباحثات بين الجنرال كاترو والحكومة السورية تم الاتفاق في 22 كانون الأول 1943 ، على أن تنقل إلى الحكومة السورية الصلاحيات التي تمارسها باسمها السلطات الفرنسية، وأن تنقل إليها كذلك، المصالح المشتركة بما فيها الجمارك، على أن يبدأ تنفيذ الاتفاق من أولكانون الثاني 1944.
وبتاريخ 5/حزيران/ 1944 ، صدر في دمشق بيان مشترك بين الجنرال كاترو مفوض الدولة المكلف بمهمة التفاوض، يفيد بموافقة الحكومة الفرنسية على تسليم إدارة المصالح المشتركة إلى الحكومة السورية وحدها، وفي 5/تموز 1944 أبلغت وزارة الخارجية السورية الدول العربية والأجنبية ما تم الاتفاق عليه مع الحكومة الفرنسية، والذي تضمن موافقة فرنسا على استقلال سوريا رسمياً ،وكذلك سيادتها على أراضيها سيادة كاملة غير منقوصة.
انهالت على رئاسة الجمهورية السورية برقيات التهنئة والاعتراف من مختلف الدول العربية والأجنبية، وعلى رأسها روسيا، والولايات المتحدة الأمريكية. تعزز الموقف السوري بالاعترافات المتتالية من دول العالم، وممارستها فعلاً جميع الصلاحيات التي تتعلق بسيادتها الداخلية والخارجية، وبقي عليها فقط أن تصبح عضواً في أسرة الأمم المتحدة. كذلك كان على الحكومة السورية أن تستكمل إجراءات سيادتها التامة باستلام الجيش السوري وجلاء القوات ال فرنسية من أراضيها، مما مثل عقدة جديدة في العلاقات السورية الفرنسية، حيث أدرك الجانب السوري، المماطلة والتسويف من الجانب الفرنسي في ذلك المجال الأمر الذي يخفي وراءه أهدافاً من شأنها الحد من سيادة سوريا. وفي 4/أيار/ 1945 أبلغت الحكومة الفرنسية رئيس الوزراء السوري، نيتها إرسال قوات جديدة إلى سوريا لكي تحل محل القوات التي ستغادر البلاد السورية وبالرغم من معارضة الحكومة السورية ذلك الإجراء، إلا أن الحكومة الفرنسية واصلت الحد من استقلال سوريا ورفضت الاحتجاج السوري، ووصل إلى سوريا ما يقارب من 1500 جندي فرنسي مع أسلحتهم، دون موافقة أو علم الحكومة السورية ووصل على رأسهم الجنرال "بينيه: الذي قام بزيارة القصر الجمهوري وأعلن هناك عن شروط فرنسا للجلاء، كان من أهمها استعداد فرنسا تسليم الجيش السوري إلى الحكومة بشرط، احتفاظ فرنسا بقواعد جوية على الأراضي السورية، وضمان المصالح الاقتصادية الفرنسية في سوريا، وكذلك المصالح الثقافية ٥٤ رفضت الحكومة السورية الشروط الفرنسية، وطالبت بسحب القوات الفرنسية فوراً من الأراضي السورية وأن يتم تسليم الجيش فوراً للحكومة السورية. على أثر ذلك بدأت القوات الفرنسية المنتشرة في سوريا بحملة استفزازية وإرهابية من خلال مباشرة الجنود الفرنسيين باعتداءاتهم على الأهالي خاصة في محافظات حلب وحماة ودمشق، فأغارت الطائرات الحربية الفرنسية على مدينة حماة وضربت المنشآت المدنية والحكومية سقط نتيجتها عدد من القتلى والجرحى.
وفي دمشق توجهت المدرعات الفرنسية فجر 29 /أيار/ 1945 ، وحاصرت المجلس النيابي من جميع الاتجاهات، حيث كانت تتواجد به قوة من الدرك، وقد طلب قائد القوة الفرنسية من الحامية السورية القيام بتحية العلم الفرنسي فرفض رجال الدرك السوريين فتذرع الفرنسيون بهذا الرفض، وبدؤا بإطلاق النار على المجلس النيابي وتهديم واجهته، وقتل جميع من كان بداخله من الشرطة والدرك، وتعرضت دمشق لقصف مدفعي وهجوم بالقنابل رافقته أعمال النهب والإرهاب استمرت حتى يوم 31 /أيار، سقط خلالها 616 شهيد وبلغ عدد الجرحى حوالي 2072
جريحاً. كان للصمود السوري في هذه المواجهة، دور رئيس في خلخله الوضع الفرنسي في سوريا والمنطقة بأكملها وتراجعه، وكذلك جعل الموقف الدولي يتحرك باتجاه إنهاء الوجود الفرنسي من سوريا ولبنان، فقد أظهر الشعب السوري في هذه المواجهة بسالة منقطعة النظير، بإصراره على طرد المستعمر وتصفية قواعده بالكامل، هذا الموقف أ قل ما يقال عنه أنه موقف وطني جهادي ضد المستعمر الأمر الذي أدى في النهاية إلى تحقيق كل التطلعات السورية من نيل الاستقلال الفعلي والسيادة على أراضيه.
قررت كل من سوريا ولبنان بعد هذه الأحداث، رفع القضية إلى مجلس الأمن، الذي بدأ في 10 شباط 1946
بمناقشة القضية، مع تأكيد المندوب السوري واللبناني في المجلس على وجوب جلاء القوات البريطانية والفرنسية فوراً عن أراضيهما، وقد وجد هذا الطلب تأييداً من الاتحاد السوفيتي والصين والولايات المتحدة الأمريكية
صوت أعضاء مجلس الأمن في النهاية على المقترح الأمريكي بجلاء القوات الأجنبية عن سوريا ولبنان بأسرع وقت ممكن . هكذا تحقق الحلم وتحقق نضال الشعب السوري في دمشق وفي كل المدن السورية وتم جلاء القوات الفرنسية والبريطانية عن أراضيها في 17 /نيسان/ 1946 ، فاعتبر هذا اليوم عيداً وطنياً، وتم إبلاغ مجلس الأمن الدولي بذلك بتاريخ 16 /أيار/ 1946 لم ينته النضال السوري ولم تنته مقاومة دمشق فلا زالت سوريا هي المصدر الرئيسي لمشروع مقاومة المحتل وعدم التنازل عن الحقوق والثوابت، ولا زالت سوريا وعاصمتها دمشق، تتحدى وتتحمل كل الضغوط السياسية والعسكرية والاقتصادية، في مواجهة الغطرسة الأجنبية والصهيونية حتى يومنا هذا.


المصادر: 1- مجلة الجامعة الاسلامية – سلسلة الدراسات الانسانية – المجلد الثامن عشر العدد الثاني – ص 1031. د.اكرم محمد عدوان – كلية الاداب – قسم التاريخ والاثار – الجامعة الاسلامية – غزة – فلسطين.
2- تاريخ العرب الحديث والمعاصر 2002- 2003 - وزارة التربية السورية.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق