بسم الله الرحمن الرحيم
سأقدم الان بحث عن زهير بن أبي سلمى واليكم التفاصيل
هو زهير بن أبي سُلمى ربيعةبن رياح بن قرّة بن الحارث بن إلياس بن نصر بن نزار، المزني، من مضر. حكيم الشعراءفي الجاهلية، وفي أئمة الأدب من يفضله على شعراء العرب كافة. كان له من الشعر ما لميكن لغيره، ولد في بلاد مزينة بنواحي المدينة، وكان يقيم في الحاجر من ديار نجد،واستمر بنوه فيه بعد الإسلام. قيل كان ينظم القصيدة في شهر ويهذبها في سنة، فكانتقصائده تسمى الحوليات. إنه، كما قال التبريزي، أحد الثلاثة المقدمين على سائرالشعراء، وإنما اختلف في تقديم أحد الثلاثة على صاحبيه، والآخران هما امرؤ القيسوالنّابغة الذبياني. وقال الذين فضّلوا زهيراً: زهير أشعر أهل الجاهلية، روى هذاالحديث عكرمة عن أبيه جرير. وإلى مثل هذا الرأي ذهب العبّاس بن الأحنف حين قال، وقدسئل عن أشعر الشعراء. وقد علّل العبّاس ما عناه بقوله: ألقى زهير عن المادحين فضولالكلام كمثل قوله:
فما يَكُ من خيرٍ أتوه فإنّما- توارثه آباء آبائهمقبْل
وكان عمرو بن الخطاب شديد الإعجاب بزهير، أكد هذا ابن عبّاس إذ قال: خرجتمع عمر بن الخطاب (رضي الله عنه) في أول غزاة غزاها فقال لي: أنشدني لشاعر الشعراء،قلت: "ومن هو يا أمير المؤمنين?" قال: ابن أبي سلمى، قلت: وبم صار كذلك? قال: لايتبع حوشي الكلام ولا يعاظل في المنطق، ولا يقول إلا ما يعرف ولا يمتدح أحداً إلابما فيه". وأيّد هذا الرأي كثرة بينهم عثمان بن عفان، وعبد الملك بن مروان، وآخرونواتفقوا على أنّ زهيراً صاحب "أمدح بيت... وأصدق بيت... وأبين بيت". فالأمدحقوله:
تراهُ إذا ما جئْتَه مُتَهَلِّلا- كأنَّك تُعطيه الذي أنتَسائلُهْ
والأصدق قوله:
ومهما تكنْ عند امرئٍ من خليقةٍ- وإنْ تَخْفى علىالناس تُعْلَمِ
وأما ما هو أبين فقوله يرسم حدود الحق:
فإنّ الحقّ مقطعُهثلاثٌ- يمينٌ أو نفارُ أو جلاءُ
قال بعضهم معلّقاً: لو أن زهيراً نظر في رسالةعمر بن الخطاب إلى أبي موسى الأشعري ما زاد على قوله المشار إليه، ولعلّ محمد بنسلاّم أحاط إحاطة حسنة بخصائص شاعرية زهير حين قال: "من قدّم زهيراً احتجّ بأنه كانأحسنهم شعراً وأبعدهم من سخف، وأجمعهم لكثير من المعاني في قليل من الألفاظ،وأشدّهم مبالغة في المدح، وأكثرهم أمثالاً في شعره". وسنورد لاحقاً جملة أخرى فيمثل هذه الخصائص التي تطالعنا بها أشعاره والتي تكشف عن أهمية شعره وقيمته.
كانتولادة زهير في بني غطفان. وبين هؤلاء القوم نشأ وترعرع. ومنهم تزوّج مرّتين. فيالأولى تزوّج أم أوفى التي يذكرها في مطلع معلقته:
أمِن أمّ أَوفى دمنةٌ لمْتكلّم- بحوْمانَةِ الدرّاج فالمتثلّم
وبعد طلاقه أم أوفى بسبب موت أولاده منها،اقترن زهير بكبشة بنت عمّار الغطفانية ورزق منها بولديه الشاعرين كعب وبجير.
لكنزهيراً- كما يفهم من حديثه وأهل بيته- كان من مزينة- وما غطفان إلا جيرانهم،وقِدْماً ولدتهم بنو مرّة وفي الأغاني حديث زهير في هذا الشأن رواه ابن الأعرابيوأبو عمرو الشيباني، ولم نر ضرورة إثباته.
ولعلّ البارز في سيرة زهير وأخبارهتأصّله في الشاعرية: فقد ورث الشعر عن أبيه وخاله وزوج أمه أوس بن حجر. ولزهيرأختان هما الخنساء وسلمى وكانتا أيضاً شاعرتين. وأورث زهير شاعريته لابنيه كعبوبجير، والعديد من أحفاده وأبناء حفدته. فمن أحفاده عقبة المضرّب وسعيد الشاعران،ومن أبناء الحفدة الشعراء عمرو بن سعيد والعوّام ابنا عقبة المضرّب..
ويطولالكلام لو أردنا المضي في وراثة زهير الشعر وتوريثه إياه. يكفي في هذا المجالالحوار بينه وبين خال أبيه بشامة بن الغدير الذي قال حين سأله زهير قسمة من ماله: "يا ابن أختي، لقد قسمت لك أفضل ذلك وأجزله" قال: "ما هو?"، قال: شعري ورثتنيه". فقال له زهير: "الشعر شيء ما قلته فكيف تعتدّ به عليّ?"، فقال له بشامة: "ومن أينجئت بهذا الشعر? لعلك ترى أنّك جئت به من مزينة? وقد علمت العرب أن حصاتها وعينمائها في الشعر لهذا الحيّ من غطفان، ثم لي منهم وقد رويته عنّي".
فإذا تحوّلنامن شاعرية زهير إلى حياته وسيرته فأول ما يطالعنا من أخباره أنه كان من المعمّرين،بلغ في بعض الروايات نحوا من مئة عام. فقد استنتج المؤرخون من شعره الذي قاله فيظروف حرب داحس والغبراء أنه ولد في نحو السنة 530م. أما سنة وفاته فتراوحت بين سنة611و 627م أي قبل بعثة النبيّ بقليل من الزمن، وذكرت الكتب أن زهيراً قصّ قبل موتهعلى ذويه رؤيا كان رآها في منامه تنبأ بها بظهور الإسلام وأنه قال لولده: "إني لااشكّ أنه كائن من خبر السماء بعدي شيء. فإن كان فتمسّكوا به، وسارعوا إليه".
ومنالأخبار المتّصلة بتعمير زهير أن النبي صلى الله عليه وسلم نظر إليه "وله مائة سنة" فقال: اللهم أعذني من شيطانه"، فما لاك بيتاً حتى مات. وأقلّ الدلالات على عمرهالمديد سأمه تكاليف الحياة، كما ورد في المعلّقة حين قال:
سئمتُ تكاليفَ الحياة،ومَنْ يعِش- ثمانينَ حولاً لا أبا لكَ، يسأَمِ
والمتعارف عليه من أمر سيرته صدقطويته، وحسن معشره، ودماثة خلقه، وترفعه عن الصغائر، وأنه كان عفيف النفس، مؤمناًبيوم الحساب، يخاف لذلك عواقب الشرّ. ولعلّ هذه الأخلاق السامية هي التي طبعت شعرهبطابع الحكمة والرصانة، فهو أحد الشعراء الذين نتلمس سريرتهم في شعرهم، ونرى فيشعرهم ما انطوت عليه ذواتهم وحناياهم من السجايا والطبائع. وأكثر الباحثين يستمدّمن خبر زهير في مدح هرم بن سنان البيّنة التي تبرز بجلاء هذه الشخصية التي شرفتهاالسماحة والأنفة وزيّنها حبّ الحق والسّداد: فقد درج زهير على مدح هرم بن سنانوالحارث بن عوف لمأثرتهما في السعي إلى إصلاح ذات البين بين عبس وذبيان بعد الحربالضروس التي استمرّت طويلاً بينهما.
وكان هذا السيّدان من أشراف بني ذبيان قدأديا من مالهما الخاص ديّات القتلى من الفريقين، وقد بلغت بتقدير بعضهم ثلاثة آلافبعير. قيل إن هرماً حلف بعد أن مدحه زهير أن لا يكف عن عطائه، فكان إذا سأله أعطاه،وإذا سلّم عليه أعطاه. وداخل زهير الاستحياء، وأبت نفسه أن يمعن في قبول هباتممدوحه، فبات حين يراه في جمع من القوم يقول "عموا صباحاً غير هرم ... وخيركماستثنيت".
ذكر أن ابن الخطاب قال لواحد من أولاد هرم: أنشدني بعض مدح زهير أباك،فأنشده، فقال الخليفة: إنه كان ليحسن فيكم القول"، فقال: "ونحن والله كنّا نحسن لهالعطاء"، فقال عمر بن الخطاب: "قد ذهب ما أعطيتموه وبقي ما أعطاكم". نعم لقد خلدهرم بفضل مديح زهير الصادق ومنه قوله:
منْ يلقَ يوماً على عِلاّته هرماً- يلقَالسماحةَ منه والنّدى خلقَا
ولزهير ديوان شعر عني الأقدمون والمحدثون بشرحه. وأبرز الشّراح الأقدمين الأعلم الشنتمري. وفي طليعة من حقّق ديوان زهير حديثاًالمستشرق لندبرغ في ليدن سنة 1881م. ويدور شعر الديوان في مجمله حول المدح والفخرودور زهير في ظروف حرب السباق، وتتوّج الحكمة هذا الشعر بهالة من الوقار تعكس شخصيةالشاعر الحكيم.
وقد اهتم المستشرقون الغربيون بشعراء المعلقات وأولوا اهتماماًخاصاً بالتعرف على حياتهم، فقد قالت ليدي آن بلنت وقال فلفريد شافن بلنت عن زهير بنأبي سلمى في كتاب لهما عن المعلقات السبع صدر في بداية القرن العشرين: شخصية زهيرنقيض لإمرئ القيس وطرفة. كان امرؤ القيس وطرفة رجلين طائشين وحياتهما غير منضبطة،وماتا ميتة عنيفة في عز شبابهما. بينما عاش زهير حياة طويلة ونال احترام الجميعلحكمته وأخلاقه العالية ولم يكن بحاجة للآخرين. عاصر الشاعرين المذكورين في مولده،لكنه قارب أيام ظهور الإسلام. يقال إنه في سن التسعين جاء إلى النبي فاستعاذ منهوقال: "اللهم أعذني من شيطانه" قول قامت عليه تعاليم بعض علماء المسلمين الذينقالوا بفكرة إن الوحي نزل على الرسول بالقرآن، وكذلك كان لكل شعراء الجاهليةشيطاناً يوحي لهم بما يقولون. لا يختلف هذا عن إيمان المسيحيين الأوائل الذين أكدواعلى أن أصوات الشياطين كانت تخرج من أفواه كهنة الوثنيين. يضاف أنه بعد نصيحةالرسول لزهير لم ينظم الشعر. ويقال إن الخليفة عمر بن الخطاب قال إن زهير كان شاعرالشعراء. كان سيداً اتسعت ثروته، حكيم، وكان ورعاً حتى في أيام الجاهلية.
كانزهير بن أبي سلمى من قبيلة "مزينة" ويعود من ناحية أم والده إلى قبيلة "مرة" فيالحجاز. يروى إن والد زهير ذهب مع أقربائه من بني "مرة" - أسد وكعب - في غزوة ضدطيْ، وإنهم غنموا إبلاً عديدة. قال افردا لي سهماً، فأبيا عليه ومنعاه حقه، فكفعنهما، حتى إذا الليل أتى أمه فقال : والذي أحلف به لتقومن إلى بعير من هذه الإبلفلتقعدن عليه أو لأضربن بسيفي تحت قرطيك. فقامت أمه إلى بعير منها فاعتنقت سنامهوساق لها أبو سلمى وهو يرتجز ويقول: قادهم أبو سلمى من مضارب "مرة" حتى وصل قومه. لم يمض وقت طويل قبل التحاقه "بمزينة" في غزوة على بني ذبيان، فخذ من "مرة". عندمابلغوا غطفان، جيران مرة، عاد غزاة مرة خائفين إلى خيام غطفان ومكثوا معهم. وهكذاقضى زهير طفولته معهم وليس مع قبيلته. يلمح إلى العيش بين الغرباء بقوله : يعرف أنزهير تزوج مرتين، الأولى إلى أم أوفى، حبيبة شبابه التي يتغنى بها في المعلقة،والثانية إلى أم ولديه، كعب وبوجير. توفي أبناء أم أوفى، لذا تزوج ثانية. لم تغفرله أم أوفى زواجه عليها، فهجرها لزلة اقترفتها وإن ندم لاحقاً. وهذا سبب ندبه.
ذكر ابن العربي إن زهير كان له ابن يدعى سالم، كان في غاية الوسامة حتى إنامرأة عربية قالت عندما رأته قرب نبع ماء على صهوة جواده مرتدياً عباءة مخططة بخطين "لم أر حتى يومنا مثيلاً لهذا الرجل ولا هذه العباءة ولا هذا الجواد". فجأة تعثرالجواد وسقط، فدقت عنقه وعنق راكبه. ذكر ابن العربي أيضاً إن والد زهير كان شاعراً،وكذلك أخ أمه وأخته سلمى وأخته الخنساء وابناه وحفيده المضرب بن كعب.
قسم عمهباشاما عند موته ثروته بين أقربائه، لكنه لم يعط زهير شيئاً بالرغم من حبه له. قالزهير: "وماذا أيضاً، ألم تترك قسطاً لي". أجاب العجوز: " كلا، تركت لك أفضل ما عنديموهبتي في نظم الشعر". قال زهير: "هذه خاصتي منذ البداية". لكن العجوز رد: "ليسصحيح، يعلم العرب جيداً أنها جاءتك مني".
وقال عنه دبليو إى كلوستون في كتاب منتحريره عن الشعر العربي: تميز زهير بن أبي سلمى منذ نعومة أظفاره بنبوغه الشعري. كان المفضل عند عمه باشاما، الذي كان بنفسه شاعراً مشهوراً، لكن عندما أحس العجوزبدنو أجله قسم أملاكه بين أقاربه ولم يترك لزهير شيئاً. قال زهير: "وماذا أيضاً،ألم تترك قسطاً لي?" أجاب العجوز: "كلا، تركت لك أفضل ما عندي، موهبتي في نظمالشعر". قال زهير: "هذه خاصتي منذ البداية". لكن العجوز رد: "ليس صحيح, يعلم العربجيداً أنها جاءتك مني".
نظمت معلقته لما آلت إليه حرب داحس والغبراء، وفي مديحالحارث بن عوف والحارم بن سنان، صانعي السلام. كما نظم زهير عديداً من القصائد فيمدح حارم بن سنان، الذي لم يقم على تلبية كل طلبات الشاعر فقط، بل كان يمنحه لقاءقصيدة مديح إما جارية أو حصان. شعر زهير بالخجل لهذه المكرمة حتى أنه كان يقولعندما يدخل على قوم فيهم حارم " السلام عليكم جميعاً باستثناء حارم، رغم أنهأفضلكم".
قرأ أحد أبناء حارم قصيدة مديح في عائلته للخليفة عمر الذي قال إن زهيرمدحكم مدحاً جميلاً. فرد الابن موافقاً وقال لكننا أجزلنا له العطاء. قال عمر "مامنح يفنى مع الزمن، لكن مديحه خالد". لم يكن عمر من المعجبين بالشعر، لكنه مدح زهيرلأنه مدح في شعره من يستحق المديح مثل حارم بن سلمى.
كانت أم أوفى التي ذكرهافي مطلع المعلقة زوجة زهير الأولى التي طلقها بسبب غيرتها وندم لاحقاً على فعلته. مات كل الأبناء التي أنجبتهم صغار السن. أنجبت زوجته الثانية ولدين: كعب من نظمقصيدة البردة الشهيرة والمعروفة في الشرق بمطلع " بانت سعاد ?" وألقاها في حضرةالرسول (630 ميلادية ) عندما عقد صلحاً معه ودخل الإسلام، والابن الثاني بوجير وكانمن أوائل من دخل الإسلام. ورد في كتاب الأغاني أن الرسول قابل زهير وهو في سن المئةوقال: " اللهم أعذني من شيطانه ". ويقال إنه توفي قبل أن يغادر الرسول البيت. فيرواية أخرى أن زهير تنبأ بقدوم الرسول وذكر ذلك لابنيه كعب وبوجير، ونصحهمبالاستماع إلى كلام الرسول عند قدومه، وهذا يعني أنه توفي قبل ظهور الرسالة.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق